عندما يضرب الموت كتيبة بأكملها من خيرة مقاتلي حمص وشبابها أثناء محاولتهم فك الحصار وسد رمق ثلاثة آلاف نسمة داخل الحصار يموتون جوعاً وبرداً ، فإن مشاعر الحزن تتعدى حدود الألم والوجع لتصل إلى ما هو أبعد من البكاء والصراخ على الرغم من أن نفوسنا قد اعتادت على مقارعة حلم البقاء ومواجهة الموت بأشكاله المختلفة بالصبر الذي يذبحنا تارةً وبالدموع والتغني بمحاسن من فقدانهم تارةً أخرى .
كتيبة شهداء البياضة بقيادة عبد الباسط الساروت كما كانت من أوائل الكتائب التي تشكلت في بداية الثورة السورية فهي الآن تعتبر أول كتيبة تنال شرف الشهادة دفعة واحدة عندما قام 62 شاباً ينتمون إليها بمحاولة كسر الحصار عن مدينة حمص وتأمين الطحين بعد نفاذ جميع أنواع المؤن داخل الحصار وهذا ما دفعهم للمغامرة والتضحية بأرواحهم من أجل أن يبقى غيرهم على قيد الحياة بعد أن شعروا باليأس وبأنهم ينفخون في الرماد عند مناشدتهم لضمائر من هم خارج الحصار فقرروا القيام بعمل من داخل الحصار بعد يقينهم بأن الجميع يتاجرون بدمائهم ويبنون أحلامهم فوق أشلائهم .
" لأجل عيونك يا حمص " من أجمل الأناشيد الثورية التي أنشدها الساروت بمناسبة دخوله إلى الأحياء المحاصرة منذ عدة أشهر برفقة مجموعة من مقاتلي كتيبته لينضموا إلى باقي عناصر الكتيبة المتواجدين داخل المدينة منذ بداية الحصار ، ويقول الساروت في مطلع الأنشودة " لأجل عيونك يا حمص ... منقدم الأرواح " وكان على العهد والوعد قولاً وفعلاً فقدّم أرواح كتيبته بأكملها لأجل عيون حمص وقدّم أرواح أربعة من أخوته كرمة لعيون الثورة السورية اثنان منهم في المعركة الأخيرة التي باتت تُعرف باسم ( معركة المطاحن ) وقد نعى الساروت أفراد كتيبته فكتب " عرس جماعي لـ 62 بطلاً نالوا شرف الشهادة في ظروف لا تصدق ، كانوا يحملون على أعناقهم هم 3000 نسمة في حمص المحاصرة ، وكانوا أخر أمل لفك هذا الحصار اللعين ، رحمكم الله يا أبطال ، عذراً يا رجولتي لا أستطيع منع نفسي من البكاء " .
لقد أبت نفوس أفراد كتيبة شهداء البياضة الذل والهوان وكانوا رجلاً صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ونالوا شرف الشهادة بعيداً عن موت البعير على فراشها بعد أن سطروا أروع ملاحم البطولة والشرف ، أما قال الأخطل الصغير في إحدى قصائده " شرف للموت أن نطعمه أنفسنا .. جبارة تأبى الهوانا " وعلى الرغم من الحزن العميق عليهم وحقيقة موتهم بطعمها المر ، إلا أن موتهم ذاته كان مطعماً بنكهة ثمار الجنة .
كلنا أمل الآن بأن تساهم هذه الدماء بلم الشمل ووحدة الصّف ، ومن أجل عيون حمص المحاصرة ومن فيها يبقى أن نوجه النداء الأخير للجميع ... افعلوا أي شيءٍ .. أي شيءٍ .. أي شيءٍ .. من أجل إنقاذ ما تبقى من حمص .
- صحفي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية