أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين المواطنة والمحاصصة.. تمثيل المرأة نموذجا

الحديث عن ضرورة مشاركة المراة في وفد الائتلاف المفاوض إلى جنيف حفزني على كتابة هذه السطور، والتي أريد استغلالها لمناقشة مسالة التخوم بين مبدأ المواطنة المرغوب والمطلوب، ومبدا المحاصصة المرزول والمرفوض.. وما اختيار موضوع تمثيل المراة إلا كنموذج للمقاربة، وما يرد فيه من أفكار إنما ينطبق بنفس المقدار على موضوع تمثيل جميع مكونات المجتمع، وخاصة الأقلوية منها، سواء كانت دينية أو قومية أو عشائرية...

لماذا ترتفع الصوات بمناسبة تشكيل أي مجلس أو هيئة أو مؤسسة، مطالبة بمشاركة المراة، أو مستغربة لعدم أو لضعف تمثيلها، فقط لكونها امرأة، بغض النظر عن أهداف تلك الهيئات والمجالس وطبيعة مهامها؟ وهل تضيف مشاركة المرأة، في جميع الأحوال، قيمة لتلك الهيئات؟ أم أن الأمر ينحصر في إعطاء الانطباع عن مستوى التحضر والتمدن الذي بلغته مجتمعاتنا؟ أم أنه فهم أعور لمبدا المواطنة التي تفترض المساواة بين المواطنين؟

يبدو لي أن اشتراط وجود المرأة في كل مجلس وهيئة لا يخدم أهداف هذه الهيئة لأنه قد يحرمها من أعضاء أكثر كفاءة، كما أنه لا يخدم فكرة المواطنة، بل يجافيها، لأن المساواة بين المواطنين، والتي هي جوهر مبدا المواطنة، إنما تعني إتاحة الفرص أمامهم جميعا دون استثناء أو تمييز، واختيار الأكفأ منهم لهذه الفرص وفق معايير عامة موضوعية واضحة تطبق على الجميع بنفس المقدار.. وهي لا تعني بحال من الأحوال التمثيل النسبي للمرأة أو للطائفة الفلانية أو الإثنية العلانية حسب حجمها في المجتمع.. لأنها بالمعنى الأخير تصبح مساواتية بالمعنى السيء، وتنحدر لمستوى المحاصصة السيئة السمعة والصيت، والتي سرعان ما تصبح تقليدا وحقا مكتسبا للمكونات يصعب الفكاك منه مستقبلا.. وحالة لبنان يعرفها كل السوريين..

تفترض المواطنة أن المعيار الأول الذي يمنح المواطنات والمواطنين حقوقا متساوية هو "السورية" ننتقل بعدها مباشرة إلى معيار الكفاءة والمؤهلات والقدرات المختلفة المطلوبة لكل موقع تمثيلي أو وظيفي.. بمعنى أننا لا نمر أبدا عبر الخاصيات الأخرى كالجنس والدين والطائفة والعائلة.. فمطلق سوري يملك المؤهلات الأفضل لشغل منصب أو مقعد.. هو أولى وأحق بهذا المنصب من مطلق سوري يملك مؤهلات أقل..

لكن يمكننا تجاوزا، ولخدمة غرض هذا المقال، أن نقسم الهيئات والمجالس.. على أساس قبولها أو عدم قبولها بمبدأ المحاصصة أو التمثيل المتوازن لجميع المكونات، إلى قسمين: قسم يقبل بل يتطلب تمثيل أكبر عدد ممكن من المكونات فيه، لأن زيادة وعدالة التمثيل تغني وتقوى وتحصن مخرجات هذا القسم، وأبرز مثال على ذلك الهيئات التي تُشكل لوضع الدساتير، وكذلك البرلمانات.. وقسم لا يتطلب ذلك التمثيل الواسع لأنه لا يضيف له أي قيمة بل بالعكس، إذ قد تتأثر مخرجاته سلبا بمراعاة معيار التمثيل الواسع في عضويته، يدخل في هذا القسم جميع الهيئات التي يناط بها مهمات نوعية تتطلب مقدرات ومؤهلات ومهارات خاصة، كلجان التفاوض مثلا أو الوزارات... وهنا يكون المعيار هو توفر تلك المقدرات والمؤهلات..

قد لا توجد المرأة المناسبة لهذا الموقع أو ذاك كما قد لا يوجد المسيحي أو الكردي... وربما لا يوجد الرجل وقد لا يوجد السني.. لايهم، المهم أن يكون شاغل الموقع سوريا أولا وكفؤا ثانيا..

باختصار يجب أن تُحكم مسألة اختيار الممثلين والأعضاء بمعايير موضوعية تقوم على الغرض والهدف والحاجة.. بما يتيح الحصول على أفضل مخرجات ممكنة، لكن ما نلاحظه هو هذه الخفة في التعاطي مع قضية التمثيل بقصد المزاودة ودون النظر أية اعتبارات أخرى..

أذكر تماما عندما كنت أعمل في الشركة العامة للدراسات، حالة السخرية والاستهزاء التي عمت الشركة لدى تعيين طبيب أطفال من حماة كوزير للإنشاء والتعمير، ليصبح بذلك المسؤول عن معظم شركات الإنشاءات العامة ذات الطابع الفني الهندسي، لأن حافظ الأسد، بطريقته الوسخة في التلاعب بمكونات المجتمع، خصص هذه الوزارة لأحد المكونات الذي لم يتوفر لديه إلا طبيب مسكين ليس له في العير ولا في النفير، ولا بأس بذلك حتى لو أدى إلى الإطاحة بالوزارة بأكملها.. وبنفس الطريقة كانت تخصص جميع المواقع الحكومية والبرلمانية والبلدية..

المحاصصة مرض خبيث علينا الحرص على عدم تسلله إلى دولتنا تحت شعارات تبدو حضارية ومطلوبة، ولا بأس لو كان المجلس الفلاني خاليا من النساء واللجنة الفلانية خالية من الأكراد أو الدروز.. طالما أن الفرص متاحة دائما أمام الجميع بنفس المقدار ونفس الشروط.

أما تقدير المرأة واحترامها فلا يكون بفرضها على كل لجنة وهيئة.. بل ثمة طرق أخرى لإعلاء شأنها وإيصالها لحقوقها أهم وأفضل من ذلك بكثير، وهذه الطرق على مستويين: المستوى القانوني الذي يقضي بوضعها على قدم المساواة مع الرجل في كل المجالات، والمستوى العملي الذي يقضي بتمكينها ورفع مستواها العلمي والمهني، لتصبح قادرة بشكل طبيعي، وبإمكاناتها الذاتية، على أخذ مكانها اللائق في كل مؤسسات وهيئات الدولة والمجتمع.. 

(111)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي