ثلاثة أيام فقط وتلتئم الهيئة العامة لنقابة الصحفيين الأردنيين لانتخاب نقيب ومجلس نقابة جديدين، وتأتي هذه الانتخابات في مرحلة حرجة من تاريخ الإعلام الأردني عموماً والصحافة الأردنية على وجه الخصوص.
حيث تشتد الحملة على هذه الصحافة إلى درجة الذبح وبأسلحة مختلفة: ابتداء من تهميش دور النقابة عبر استمرار مسلسل إضعافها الذي استمر خلال السنوات الماضية. حتى لم تعد النقابة أكثر من مبنى بارد لا حياة فيه بسبب فراغه من الأعضاء الذين لا تدخل الغالبية العظمى منهم هذا المبنى إلا نادراً، بل ان بعضهم يرسل من ينوب عنه في دفع المستحقات المالية المترتبة عليه كرسوم العضوية وما سواها من التزامات مادية، وقد وصلت النقابة إلى هذا المستوى من الفراغ والبرودة بسبب ابتعادها التدريجي عن هموم المهنة، وعن الهموم اليومية للصحفيين الأردنيين الأعضاء في النقابة بعد أن جرى التآمر على كل المكتسبات التي سبق وأن حققتها النقابة لأعضائها في عهودها الزاهرة، وقد كانت هذه المكتسبات التي تم التفريط بها تشكل قائمة طويلة تغطي نسبة كبيرة من احتياجات الصحفي المهنية والمعيشية، فجرى الاستغناء عنها تباعاً وصولاً إلى الحالة المزرية التي آل إليها نظام التأمين الصحي وصندوق التقاعد،وسائر مكتسبات الصحفيين الأخرى.
وفي ظل تخلي النقابة عن الكثير من أداورها المهنية ودورها في توفير المتطلبات الضرورية لحياة كريمة للصحفي الأردني، صار من باب الترف الحديث عن دور للنقابة في المجال السياسي مع أن الأصل أن نقابة الصحفيين يجب أن تكون في طليعة العمل السياسي الوطني والقومي، نظراً لطبيعة عمل ودور الصحفي والصحافة الذي تطبعه السياسة من رأسه حتى أخمص قدميه.
ومثل المجال السياسي كذلك المجال الاجتماعي الغائب هو الآخر عن نقابة الصحفيين الأردنيين، فباستثناء الإفطار الرمضاني السنوي لا يُعرف للنقابة نشاط اجتماعي من شأنه أن يخلق حالة من الترابط الاجتماعي بين الصحفيين. أو يتيح لهم ولأسرهم قضاء إجازة مريحة أسوة بمعظم النقابات الأخرى، التي تنظم لأعضائها أنشطة.
ومثل النشاط الاجتماعي، كذلك الحال على الصعيد الثقافي الذي هو أسوأ حالا من النشاط الاجتماعي، فإذا كان لدى النقابة إفطار رمضاني سنوي فإنه ليس لديها على الصعيد الثقافي أي تقليد أو نشاط وكأنه لا علاقة بين الصحافة والثقافة وهي العلاقة التي بادرت الحكومة إلى إيجادها مؤخراً، فربطت بين الصحافة والثقافة بفرضها ضريبة الـ5 على إعلانات الصحف في إطار مسلسل التضييق والذبح الذي تُمارسه الحكومة ضد الصحافة الأردنية المنكوبة بالنظرة القاصرة والمتخلفة للحكومات المتعاقبة نحو الصحافة والصحفيين، ففي الوقت الذي تسعى فيه حكومات العالم المتحضر إلى دعم وتطوير صحف بلدانها عبر الإعفاءات الجمركية والضريبية، وصولاً إلى دعمها المادي المباشر، وفي الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم المتحضرة إلى تكريم الصحفيين ورفع مستواهم المعيشي والاجتماعي والمهني، تسعى حكوماتنا إلى إضعاف صحافتنا وصحفيينا إلى درجة الذبح عبر إثقال كاهل الصحافة الأردنية بالضرائب، فبعد ضريبة الدخل ثم ضريبة المبيعات، وقبلها النسبة التي يتقاضاها وكلاء الإعلان والتي تصل في كثير من الأحيان إلى أضعاف نسبة الصحيفة من قيمة الإعلان، وقبل ذلك كله وبعده عبر ابتزاز الحكومة للصحف بالإعلانات، ها هي الحكومة تفرض على الصحف ضريبة الثقافة، وكأن الصحافة ليست من أهم وسائل وقنوات الثقافة ونشرها. مثلما أنها من أهم وسائل وقنوات احتضان المثقف ووصوله إلى جمهوره، فهل يعقل أن تمارس الحكومة هذا الفصل التعسفي بين الثقافة والإعلام، ثم تربط بينهما بسوط من عذاب اسمه ضريبة الثقافة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن أليس نشر الصحف للأعمال الإبداعية: شعراً وقصة ونقداً وحواراً، أليس هذا كله عملاً ثقافياً؟، فإذا توقفت الصحف عنه وعن احتضان المبدعين ما دامت حكومتنا الرشيدة قد قررت ممارسة الفصل التعسفي بين جناحي الثقافة ففرضت على أحدهما ضريبة تشارك في قصم ظهره؟، فكيف سيكون حال الثقافة والمثقفين إذا فقدوا أهم قنوات تواصلهم مع الجمهور والتعريف بهم؟.......
وإذا كانت السياسات الضريبية تمثل أحد أوجه النظرة الحكومية القاصرة نحو الصحافة، فإن قصور نظر الحكومة نحو الصحفيين أنفسهم وتخلف هذه النظرة أكثر من أن تُعد وتحصى وأولها هذا التعسف في منع الصحفيين من الوصول إلى المعلومات وهو حقهم القانوني. وثانيهما سياسة ''الاستزلام'' التي يُمارسها بعض المسؤولين في تعاملهم مع الصحافة والصحفيين، وثالثها هذا المستوى المتدني من رواتب الصحفيين والإعلاميين، وخاصة العاملين في أجهزة الإعلام الرسمي، ذلك أن الحكومات الأردنية المتعاقبة تعاملت مع الإعلاميين على أنهم مجرد موظفين يعاملون وفق نظام الخدمة المدنية، وهي بذلك تستبعد البعد السياسي والإبداعي في عمل الإعلامي. وهو خطأ قاتل يجب أن يتم تصحيحه فوراً، خاصة وقد صار الإعلام من أهم مقاييس قوة الدول وتأثيرها، ولذلك فإن الدول المتحضرة والساعية للعب دور إقليمي ودولي تعمل جاهدة على بناء مؤسسات إعلامية قوية ومتطورة، وتسعى لاستقطاب كفاءات عالية للعمل في هذه المؤسسات، من خلال تقديم إغراءات مالية ومعنوية جاذبة لهذه الكفاءات، في الوقت الذي تعمل فيه النظرة المتخلفة لحكوماتنا نحو الصحافة والإعلام على طرد الكفاءات من وسائلنا الإعلامية، الأمر الذي يفرض علينا المطالبة بنظام توظيف خاص للإعلاميين والصحفيين الأردنيين يراعي البعد الإبداعي والدور السياسي الذي يقومون به في خدمة الوطن وتوجهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويحترم الدور التنويري للصحافة والإعلام.
لقد تغولت الحكومات المتعاقبة على الصحافة الأردنية بسبب مسلسل الضعف والوهن الذي أصاب نقابة الصحفيين، والذي أسهم فيه بعض الذين تولوا أمر النقابة في مراحل سابقة، فحولوها إلى مجرد أداة من أدوات بناء شبكة علاقاتهم العامة الشخصية لذواتهم: وتحقيق مكاسب شخصية لهم سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وفي ظل هذا الانشغال بتحقيق المكاسب الشخصية وبناء شبكة العلاقات العامة لخدمة المكاسب الشخصية استمر تغول الآخرين على الصحافة والصحفيين، فكان التهديد بحبس الصحفيين سيفاً مسلطاً على رقابهم، وهنا نحب أن نتساءل عن دور نقابة الصحفيين خلال السنوات الماضية في تخفيف معاناة الصحفيين في ردهات المحاكم، وفي توفير قنوات دفاع حقوقية متخصصة للدفاع عن الصحفيين. متسائلين أليس من المعيب أن تتفوق بعض مؤسسات القطاع الخاص على نقابة الصحفيين في هذا المجال؟، ألم يكن بوسع نقابة الصحفيين حماية أعضائها قانونياً من خلال السعي لوقف التخبط التشريعي للحكومات فيما يتعلق بالتشريعات الإعلامية، وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة فيضاً من التشريعات الإعلامية المتضاربة والمتناقضة وكلها تمس الحياة المهنية والمعيشية للصحفيين والإعلاميين الأردنيين، فأين كانت نقابة الصحفيين من هذا كله فعلياً؟، وهل كانت مؤثرة أم كانت مجرد شاهد زور؟...
لا نريد الإطالة بالحديث عن الماضي ووصف الواقع وتشخيص الداء، فقد صار ذلك كله من المسلمات لدى أعضاء الهيئة العامة. التي صار من واجبها الآن التصدي بحزم لإصلاح هذا الواقع عبر صناديق الاقتراع بحسن الاختيار. أملين أن تهتم الهيئة العامة باختيار مجلس النقابة بنفس درجة اهتمامها باختيار النقيب، محذراً من ظاهرة جديدة على انتخابات نقابتنا تتمثل في رائحة الرشوة بالتوظيف وخلافه التي يلوح بها بعض المرشحين، مما يذكرنا بالمال الذي أفسد انتخاباتنا النيابية، وها هو يحاول ان يتسلل إلى انتخاباتنا النقابية، وعلينا أن نغلق الباب في وجه هذا اللون الجديد من الفساد الذي من شأنه أن يجلب المزيد من الفساد إلى بلاط نقابتنا وصحافتنا، وعندي أن قراءة التاريخ المهني والنقابي للمرشح مهم جداً عند الاختيار، فهناك فرق شاسع بين الصحفي الذي بدأ السلم من أول درجاته وبين من يهبط على رأس الهرم بالمظلة، ذلك أن الهابطين بالمظلات لا يحسون بمعاناة زملائهم، خاصة إذا كان هؤلاء الهابطون من أتباع سياسة الأبواب المغلقة؛ فالعمل النقابي حالة تطوعية قائم على التواصل والتفاعل، وهذا أول ما تحتاج إليه نقابة الصحفيين الأردنيين في المرحلة القادمة، لذلك لا بد من أن يهتم المجلس القادم للنقابة بالبحث عن آليات لخلق علاقة تبادلية تقوم على التفاعل بين الصحفيين ونقابتهم، لتتحول النقابة من خلال هذه العلاقة إلى مظلة حقيقية لكل الصحفيين الأردنيين، بما في ذلك الصحافة الأسبوعية والعاملين فيها، وبينهم أساتذة أجلاّء قدموا للمهنة الكثير الكثير، كما أن الصحافة الأسبوعية صارت من أهم مكونات الجسم الإعلامي الأردني، وأكثر روافع سقف الحرية للصحفيين، ولم يعد مقبولاً أن تقف النقابة موقفاً حيادياً من قضايا الصحافة الأسبوعية، ومسلسل الاستقواء عليها وابتزازها، وضرورة التمييز بين المطبوعة الصحفية والمطبوعة المتخصصة، وهنا لا بد من التنبيه إلى دور النقابة في حماية المهنة من الدخلاء عليها، وقد صار هؤلاء الدخلاء كثيرين وصارت خطاياهم تلصق بالصحفيين لإلحاق المزيد من الأذى بهم، و لعل حماية المهنة من الدخلاء هي أول خطوات الارتفاع بمستواها المهني والأخلاقي، والتقيد بأنظمتها وقوانينها، التي ضرب بها الدخلاء عرض الحائط، مستغلين ضعف النقابة وقعودها عن أداء واجبها في حماية المهنة والمهنيين، وعندما تحمي النقابة المهنة من الدخلاء فإنها تحمي كرامة أعضائها وسمعتهم وفرصهم في العمل التي يسطو عليها هؤلاء الدخلاء، كما تسد باباً من أبواب استقواء الحكومات على الصحافة والصحفيين من خلال استغلالها لخطايا هؤلاء الدخلاء لتشديد الخناق على الصحافة والصحفيين، سواء عبر التشريعات أو الضرائب ''والاستزلام'' أو المزاجية والشخصانية في التعامل معهما، وهي حالة يجب أن يتصدى لها المجلس القادم الذي يجب أن يمهد لذلك بالعمل الموصول لبناء جسور الثقة والتفاعل بين النقابة وهيئتها العامة. لتكون الهيئة عوناً حقيقياً للمجلس في مهماته القادمة، وأولها أن تكون شريكاً رئيسياً وفاعلاً في إعادة صياغة المشهد الإعلامي الأردني، وتنظيم قطاع الإعلام كله على أسس مهنية وسياسية واضحة يتم من خلالها تحديد موقع الإعلام الأردني والصحافة على وجه الخصوص في النظام السياسي والاجتماعي الأردني، والدور المطلوب منها في خدمة الأهداف الوطنية والقومية، ومن ثم تأهيله للقيام بهذا الدور عبر رفع السوية المهنية من خلال التدريب المتواصل والمتجدد لأعضاء النقابة، وإبقائهم على تواصل مستمر مع أخر التطورات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتسخير ذلك كله لتمكين الصحافة من القيام بمهامها الوطنية، وأولها تنمية الاعتزاز بالوطن والأمة، وهذا الاعتزاز يتم بالمواقف العملية وليس بالكلام أو بكيل المديح الزائف للقيادة الهاشمية وللأجهزة الأمنية؛ فبلدنا بكل مؤسساته يحتاج إلى العمل الجاد عبر المؤسسات القوية وليس للنفاق الممجوج بجمل إنشائية لم تعد تصلح كمواضيع إنشائية في المرحلة الابتدائية، ولقد صار من المسيء لبلدنا وقيادتنا الاختباء خلف القيادة لتمرير خطايانا وممارساتنا غير الصحيحة، فقيادتنا تحتاج إلى من ينفذ رؤاها بالعمل ولا تحتاج إلى من صاروا عالة عليها وحجر عثرة في وجه تطور بلدنا وهو التطور الذي يحتاج إلى بناء المؤسسات القوية، وهنا نحب أن نشير إلى أنه من الأهمية بمكان أن يتصدى المجلس القادم لنقابة الصحفيين للحفاظ على المؤسسات الصحفية الأردنية وجعل الكفاءة المهنية أساس العلاقة داخل المؤسسات الصحفية، ووقف عمليات ''الاستزلام'' والشللية عبر قهر إرادة الصحفيين من خلال التحكم بأرزاقهم ومواقعهم الوظيفية التي صار يحكمها مزاج هذا المتنفذ أو ذلك وليس الكفاءة المهنية، بل لقد تحولت بعض المؤسسات الصحفية إلى مزارع يسودها مناخ رديء وتفوح منها رائحة الفساد، بما في ذلك العبث بصناديق توفير الموظفين في هذه المؤسسات الصحفية...
وحتى تتمكن نقابة الصحفيين من حماية العمل المؤسسي فعلى المجلس الجديد أن يحول العمل داخل النقابة نفسها إلى عمل مؤسسي عبر إيجاد أمانة عامة واضحة المعالم، ووضع أطر عمل نقابي مالية وإدارية واضحة وشفافة..
إن المهمات التي تنتظر مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين القادم ثقيلة، وليس من بينها استعادة الاسكندورنة ولا تحرير طنب الكبرى والصغرى، بل إن أول ما نحتاج إليه إعادة بناء جسور الثقة بين الهيئة العامة ونقابة الصحفيين، وليس أخرها السعي لاستعادة مكتسبات الأسرة الصحفية التي فرّطت بها مجالس سابقة، بما في ذلك التأمين الصحي وصندوق التقاعد، بل والعمل على تحقيق مكاسب إضافية وفي هذا المجال فإنني أعتقد أن ما ورد في بيان تجمع الصحفيين المهني جدير بالتأييد والاهتمام، وأن يسترشد به المجلس القادم، لكي نصل جميعاً إلى النقابة التي نريد وأول ذلك أن نحسن اختيار النقيب ومجلس النقابة الذي نريد...
www.al-liwa.com
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية