معبرٌ جديد بدأت ملامحه تتبدّى داخل المناطق المحررة في مدينة حلب، وكأن قدر تلك المدينة أن يتم تقطيع أوصالها مراراً، فعلى مدار سنتين تقطعت كافة الطرق الواصلة بين شرقها وغربها بسبب تحولها إلى جبهات بين مناطق النظام والحر، ليتشكل معبر "بستان القصر" تلقائياً.
أما اليوم وبعد التطورات المتسارعة داخل المدينة، وقيام ما يشبه انتفاضة جديدة بين جبهة ثوار سوريا مع الجبهة الإسلامية، ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، فغدت المناطق في حلب المحررة مفصولة جغرافياً بين "شمالية" شبه خاضعة لتنظيم الدولة وجنوبية خاضعة للجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين.
الخريطة العسكرية لحلب باتت اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى، فوجود الثغور من كافة الأطراف حول المناطق المحررة في المدينة والذي يقابله النظام كفيل بأن يكون فرصة ذهبية للأخير للانقضاض عليها، فضلاً عن تجهيزه رتلاً ضخماً جنوبي شرقي المدينة من طرف "حماه".
تسلسل تاريخي..
يسيطر الجيش الحر، في الخريطة القديمة على معظم المناطق الشمالية من المدينة بما فيها "الشيخ مقصود" وأجزاء من حي "الأشرفية، بالإضافة إلى كافة المناطق الشرقية ابتداءً من الصاخور ومروراً بكرم الجبل باب الحديد، أغيور، المدينة القديمة، القلعة، الكلاسة، المعادي، وصولاً إلى بستان القصر باتجاه الجنوب وأجزاء كبيرة من صلاح الدين وسيف الدولة.
ولعبت الأحداث الكردية في وقت سابق بخروج مجموعات كثيرة من حي الشيخ مقصود، شمالي المدينة لتبقى تلك المنطقة غير واضحة المعالم جغرافياً، إلى جهة السيطرة فتداخلت فيها بين النظام والفصائل الكردية والجيش الحر، وتنظيم الدولة.
وبقيت المناطق المحررة حتى وقت قريب متداخلة النفوذ بين عدد كبير من الفصائل دون وضوح حدود جغرافية لتلك الفصائل، والتي تضم "لواء التوحيد، جبهة النصرة، تنظيم الدولة، لواء الفتح، نور الدين زنكي، تجمع ألوية فاستقم كما أمرت، حلب المدينة، درع الشهباء..الخ".
ملامح معبر جديد يقسم "المحرر" إلى قسمين..
المواجهات بين تنظيم الدولة الإسلامية وبقية الفصائل المقاتلة داخل المدينة مؤخراً، كانت العرّاب الرئيس لقدح شرارة التقسيم الجديد للمناطق المحررة، وإن كانت لم تتضح معالمها بشكل دقيق، فقبل يومين وصل عناصر تجمع "فاستقم كما أمرت" برفقة حركة النور الإسلامية وكتائب "نور الدين زنكي" إلى دوار "المرجة" ليكونوا تماماً على تخوم المقر الرئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية في "قاضي عسكر"، إلا أن عناصر الدولة المتمركزين في مخفر "الصالحين" قاوموا بشراسة دون أن يستسلموا، رغم قيام الكتائب المقاتلة بحصارهم.
وتزامناً مع ذلك أرسل تنظيم الدولة مؤازرةً كبيرة لهؤلاء من الجهة الشمالية (قاضي عسكر)، الأمر الذي دفع "جيش المجاهدين" جنوباً حتى دوار "الصالحين"، لترتسم بذلك أول حدود واضحة لمناطق النفوذ بين الطرفين.
وقام تنظيم الدولة الإسلامية بتعزيز الحاجز الذي أقيم في المرجة ليكون أول نقطة عبور نحو الشمال المسيطر عليه بشكل شبه كامل لصالح الدولة، وبذلك تنقسم المناطق المحررة في مدينة حلب والتي تشمل كافة المناطق الشرقية إلى "شمالية وجنوبية".
هوامش..
- تسبّب التقسيم في المناطق المحررة بوضع حرج في كلا الجانبين للفصائل المقاتلة، وذلك بسبب انتمائها، فمثلاً تم إلقاء القبض على أكثر من 200 عنصر من تنظيم الدولة في مناطق سيطرة تجمع "فاستقم" في المشهد وبستان القصر والأنصاري، وبالقابل تم إلقاء القبض على عدد من المنتمين لجيش المجاهدين الجبهة الإسلامية وقتل عدد من العناصر التابعة للتوحيد في مناطق سيطرة تنظيم الدولة.
- لوحظ تحسّنٌ كبير في قدرات الجيش الحر من حيث المراوغة والتنظيم والتكتيك، على عكس ما كان متوقعاً، الأمر الذي يعود إلى تراكم الخبرات خلال 3 أعوام من القتال ضد النظام، الأمر الذي تسبب بصدمة لعناصر التنظيم المعروف عنهم خبراتهم ومهاراتهم العسكرية.
- ينتقل الأهالي بين الشمال والجنوب مشياً على الأقدام، وبات من الصعب اليوم الانتقال إلى مناطق النظام رغم فتح معبر بستان القصر، إذ أصبح المواطن مضطراً لعبور معبرين، وإن كان الأخير لم يسمَّ معبراً بشكل رسمي.
- عناصر تنظيم الدولة تحتجز عدداً كبيراً من المعتقلين في المقر الرئيسي لها في "قاضي عسكر" وينتظر الكثير خبر تحريرهم، رغم ورود تسريبات تقول إن التنظيم قام بنقلهم إلى مكان مجهول.
عابد ملحم - حلب -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية