هل سيسقط جنيف نظام الأسد؟
كان الهدف الرئيسي والشعار الأساس للثورة السورية منذ قيامها في آذار ٢٠١١ هو إسقاط نظام الأسد، بالطبع ليس هناك تعريف سياسي أو تحديد قانوني لعبارة الإسقاط هذه، وإنما كانت مستنسخة من شعارات ثورات الربيع العربي الأخرى في تونس واليمن وليبيا ومصر، لكن عموما كان الفهم الشعبي العام بحكم كل هذه الثورات شعبية بالأساس وليس لها قيادة سياسية، يعني ذهاب رأس الهرم السياسي ممثلا في الرئيس عن موقعه سواء عبر الاستقالة الطوعية كما في حالة مبارك، أو في الهروب كما في حالة زين العابدين في تونس، أو في التسوية السياسية مع ضغط الدول الإقليمية والدولية كما حدث في اليمن، أو القتل كما في حالة القذافي، وبالتالي كل الجهود السياسية والعسكرية في سوريا كانت تتركز على رحيل الأسد بأي طريقة كانت، وبالتالي ما زال رحيل الأسد هدفا لا محيد عنه للثورة السورية برغم الآلام الكثيرة والمعاناة الضخمة.
عاند الأسد منذ البداية مفتتحا عهدا جديدا في سوريا يقوم على القتل والإبادة، أصبح الشعب السوري ينظر أكثر وأكثر باتجاه ما يسمى المجتمع الدولي عله يساعده كما جرى في ليبيا، عله يساعده في وقف آلة القتل اليومية التي لم تتوقف يوما، كان المجتمع الدولي يوما بعد يوم يخذل السوريين وينساهم ويحاول جاهدا محو معاناتهم وتشويه ثورتهم كما هي صورة الثورة السورية في الإعلام الدولي.
الآن أصبح واضحا أن اللغة العسكرية هي اللغة الوحيدة في سوريا، لكن الوعود الإقليمية في تسليح الجيش الحر لم تساعده في إسقاط النظام وإن نجحت في طرده في الكثير من المناطق والمدن المحررة، لكن الأسد ازداد وحشية وشراسة وباتت معها معاناة المدنيين والشعب السوري معضلة بحد ذاتها، والأرقام تتحدث عن نفسها لجهة عدد الشهداء والنازحين واللاجئين والجرحى والمشردين وغير ذلك كثير مما أصبح يشكل المادة اليومية للإعلام اليوم، لكن وبالرغم من كل ذلك هذا لم يدفع المجتمع الدولي للتدخل العسكري لإسقاط النظام وإنهاء معاناة الشعب السوري، بل إنه يقدم بديلا اليوم يقوم على ما يسمى مؤتمر جنيف، قائم على فكرة تقليدية في كل النزاعات الدولية وهي إحضار الأطراف كلهم مع داعميهم من قوى إقليمية ودولية من أجل التوصل إلى حل تلتزم كل الأطراف بتطبيقه لأنها شاركت في صناعته، ويقوم على مبدأ بما أن الحل العسكري فشل، ولم يستطع أي من الطرفين تحقيقه لذلك لابد من تفاهم الطرفين على حل سياسي.
بكل تأكيد فإن الثورة تشعر بأنها أصيبت بجرح عميق، فبعد كل الذي جرى وما قام به الأسد يطلب من الشعب السوري أن يتفاوض مع جلاده وقاتله، وهو بكل تأكيد من الصعب فهمه فضلا عن تقبله، لكننا يجب أن نعترف بأننا لن نستطيع تحقيق نصر عسكري دون تدخل عسكري، وطالما أنه ليس هناك أي تدخل عسكري في الوقت الحالي فلابد من اتباع طرق أخرى من أجل تحقيق الهدف ذاته وهو إسقاط النظام عبر الوسائل السياسية، فجنيف معركة سياسية أكثر صعوبة من المعركة العسكرية على الأرض، لكن إذا نجحت المعارضة السياسية في كسبها فإنها ستحقق نصرا حقيقيا، لا سيما وأن الكلمة المفتاح في جنيف والتي اتفقت كل الأطراف عليه هي تشكيل جسم انتقالي، سواء فهم الروس أن الأسد جزء منه أو لا، فإن الأطراف الدولية اتفقت كلها على أن سوريا لن تحكم عبر الأسد في المرحلة الانتقالية، وإنما من خلال هذا الجسم الانتقالي، فإذا ما نجحت المعارضة السورية في تركيز كل المفاوضات القادمة في جنيف على تشكيل هذا الجسم يكون إسقاط النظام قد تحقق عبر وسائل سياسية، يبقى تطبيق هذا الاتفاق عند إنجازه، وهنا غالبا ما تلعب الأطراف الراعية أدوارا في تنفيذه لأن مصداقيتها في عقد المؤتمر تتعلق بقدرتها على تنفيذ توصياته، وقد نجحت مسبقا في إجبار الأسد على تنفيذ الاتفاق الخاص بالسلاح الكيماوي وتسليمه، وبالتالي فهناك فرص كبيرة ربما تتحقق في إجبار الأسد على التنازل عن السلطة لصالح هذا الجسم الانتقالي صاحب الصلاحيات الكاملة التنفيذية والتشريعية، بما فيها الصلاحيات الأمنية والعسكرية، وأن هذا الجسم سيعود من جنيف إلى دمشق للحكم كما ذكر الإبراهيمي، وبالتالي المعركة الحقيقية بين المعارضة يجب أن تكون حول نذهب أم لا نذهب إلى جنيف، أو من سيذهب إلى جنيف ومن لا يذهب؟ وإنما المعركة الصادقة كيف ننجح في إنجاز هذا الجسم الانتقالي ذي الصلاحيات الكاملة بالسرعة القصوى لسحب الشرعية السياسية والقانونية من الأسد وحكومته وتسليمها إلى هذا الجسم، فالمعرفة الحقيقة هي تشكيل وتحديد أسماء وصلاحيات هذه الهيئة الانتقالية التي ستحكم سوريا المستقبل من دون الأسد.
من كتاب "زمان الوصل" - مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية