أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إشكاليات التمثيل المعارض: جنيف 2 نموذجاً أخيراً

ملأ اسم مؤتمر جنيف الآفاق وتحدث به الكبير والصغير والعامة والخاصة والسياسي والعسكري والسوري وغير السوري. وبعد أنهار الدم النازفة على مذبح الوطن وبعد التنكيل نادر المثيل الذي عاناه الشعب السوري وما يزال على يد سفاح قاتل وزمرته المجرمة وبعد أن عبثت كثير من الأيدي بالثورة السورية. تتراكم الرؤى والأفكار عن ذك المفصل القادم المفعم بالتحدي السياسي والثوري والإنساني بآن معاً. وإدلاء الجميع بآرائهم حول ذلك الاستحقاق ليس بالجديد ولا بالمستهجن فمن حق الجميع المشاركة في القراءة والتنظير بل وربما التحضير لذلك الاستحقاق. ولكن المشكلة التي لا تنفك مستمرةً في مسار الثورة هي في إسقاط الشخصي على العام وإعمال الإيديولوجيات الصدئة في كل حدث من أحداث الثورة وكل مفصل من مفاصلها. فترى كثيرين منا لا يستطيعون قراءة الأحداث إلا ضمن ثنائية الأبيض والأسود، ولا يستطيعون الرؤية إلا من خلال إلا ما تصور لهم إيديولوجيتهم أو ظروفهم أو مصالحهم الشخصية أو الفئوية أو أهداف ما يمثلونه من مصالح دول إقليمية أو دولية، والقليل القليل منا من يرى الأمر ضمن ضوابط وطنية واضحة المعالم ومكتملة الأركان. 
وترتبط عقبة الإسقاط الشخصي للأداء على المسألة الأهم بين يدي مؤتمر جنيف وهي مسألة التمثيل، فبينما يتزاحم المعارضون على أبواب الأخضر الابراهيمي المبعوث الأممي والعربي في سبيل حجز مقعدهم في جنيف معتقدين أن من سيحظى بالتواجد في المؤتمر العتيد سيرسم مستقبل سوريا وسيكون له أولوية التواجد في مستقبل سوريا السياسي، يحول موضوع التمثيل الحقيقي دون طموحات كثير من الساعين وراء جنيف. 

فلم يعد يكفي لا للداخل ولا للخارج أن نقول ونعيد بأن الغرب والعالم قد أعطى قبوله للائتلاف منذ أكثر من عام ليمثل الشعب السوري. أولاً لأن ما جرى عندها قد تم إسقاطه في الكثير من المحطات الدولية سواء بسبب أداء المعارضة أيام المجلس الوطني أو في زمن الائتلاف وسواء أكان ذلك قبل الانقلاب الذي أتى بمتصدري الواجهة الحاليين أو بعده، فإن ما تلا ذلك من أحداث يدل على تراجع ذلك الدعم بشكل لا يقبل التأويل. وثانياً لأن العالم قد منح الائتلاف اعتبار التمثيل افتراضيا على أمل ما سيكون لا ما كان، ولعب معهم لعبة الاعتراف القانوني والسياسي ليخفي تردده فصدقه البعض نظراً لضحالة معرفتهم بأبجديات القانون والسياسة الدولية. ولكن وحتى إن افترضنا جدلا أن العالم قد منح الائتلاف ثقة التمثيل إياها على أمل تحسين أحواله وتحويله إلى قيادة بديلة حقيقية...فما هو الحال اليوم بعدما كاد أن يفشل في الاختبار... والسؤال الجوهري بالتالي هو من يمثل الشعب السوري الثائر بجميع فئاته وعلى رأسهم المقاتلون القابضون على الجمر والمنشقون العسكريون المقاتلون، والصابرون المحتسبون أبناؤهم الشهداء والمهجرون قسرياً والمنشقون من العاملين في الدولة من مختلف القطاعات، أين هؤلاء من المعادلة؟ أين دماء أبنائهم ومواقفهم من الجزار ومن النظام القاتل...أليس هؤلاء هم حملة المشروع الوطني السوري الحقيقي ...أليس هؤلاء هم سوريا القادمة... أتمثلونهم حقاً؟ ليس لدى أي سوري أدنى شك بأن التمثيل المفترض تمثيل يتراوح بين المعدوم والضعيف الى حد التلاشي. ومن جانب آخر تطفو مسألة الربط بين الداخل والخارج على السطح فبينما المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نربط العمل العسكري بالسياسي في خدمة الثورة لتحقيق الأهداف التي خرج الناس من أجلها منذ اليوم الأول للحراك سواء بالقوة أو على مائدة المفاوضات، نجد أن الهوة لم تزل قائمة. 

فإن كان الوضع الدولي يضغط باتجاه الذهاب الى جنيف لمفاوضة النظام ومعلميه الدوليين، فالتمثيل التفاوضي يجب أن يرتبط بمحددات تتعلق أولاً بمن يدفع ثمن الاستمرار في المواجهة العسكرية من مدنيين وعسكريين وكذلك من سيدفع ثمن إعادة تأهيل النظام بشكل آخر –لا سمح الله- حتى لو تخلصنا من رأسه العفن. ومن جانب آخر لا بد أن يرتبط التمثيل بأداء المفاوض البعيد من جهة عن المزايدات التي اعتاد عليها أساطين المعارضة والبعيد عن محاولة تعلم مهارات التفاوض قبيل أو أثناء العملية التفاوضية كما نرى اليوم. إن ارتباط التفاوض بحملة المشروع الوطني السوري وكذلك بالأداء والكفاءة سيغطي ولو شيئا يسيرا من صعوبة الحصول على تمثيل سياسي وشعبي حقيقي. أما أن يجتمع غياب البوصلة وانعدام الكفاءة وضعف الأداء –على الأقل قياساً على ما رأينا في السنتين والنصف التي مضت- وتسلط البعض في المعارضة من أجل تصدر الواجهة في هذا الاستحقاق القياسي الأهمية في تاريخ سوريا ...فعندها نقول: أي جنيف يتحدثون؟ 
لا عذر اليوم لمن يصر على استعمال الأدوات والآليات التي خبرناها خلال الفترة الماضية فكانت مع النظام من أسباب شقاء السوريين، لا عذر اليوم للجهلة وحديثي العهد بالسياسة انعدام روح التعاون بينهم والانغماس بالشخصي على حساب العام. 

فإن كان الحل السياسي قادما عبر مؤتمر جنيف الممتد عبر الزمن، الخيار المفضل للغرب، فإن من يحدد تفاصيل ذلك الحل وشروط تطبيقه هم المقاومون المثابرون على الإنجازات المتتابعة على الأرض السورية وهم شرفاء المعارضة المتقنون للعمل الدبلوماسي والسياسي المنهمكون في العمل المحترف والجاد المؤمنون بسوريا الموحدة الحاضنة لجميع أبنائها، المدعومون والداعمون لكتائب الثوار المدافعة عن ثوابت الثورة. 
يستحق منا هذا الشعب أن لا نرى المعطيات بألوان الأبيض والأسود بل بألوان الطيف كاملة، ومن غير المقبول بعد اليوم أن نغوص في قراءات ذاتيةٍ لا تعكس الا البؤس في الأداء وروح الانهزام والانقسام الداخلي الذي يعيشه البعض منا أو تلك التي تعكس غباء المزايدة على الآخرين باظهار الشدة في المواقف سعياً لتلميع صورة هذا الفصيل او تلك المجموعة. 

إن من يرتقي بأدائه اليوم فيبتعد عن الواجهة فاتحاً الباب للعمل الجاد المحترف سيسجل اسمه بأحرف من نور وسيسهم في تحقيق ثورتنا لنتيجتها المنتظرة في التخلص من الطاغية وأتباعه وطي تلك الصفحة الكريهة من تاريخ سوريا المعاصر. أما من يصر على متابعة عبثه السياسي المغرق في الدروشة والابتعاد عن الأصول فلن يغفر له السوريون إغراقه في هبله.

من كتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي