يتراصف المتنبي وطه حسين ودستوفسكي وشكسبير وهيغو، بأناقة وثبات على رفوف المكتبات الأدبية بمجلدات ذات طباعة فاخرة، راح الغبار يزيد من تراكمه عليها، ويتأكد صاحب المكتبة يوميا من (الموجود) الحالي للكتب المتراصفة على الرفوف دون تغيير يذكر وبنظرات عميقة متحسرة على العقود المنصرمة حين كان الطلب على الكتاب الأدبي أكثر من اليوم.
ويحمل باعة الكتب القديمة صناديقهم الثقيلة بالكتب العتيقة والمتنوعة الموضوعات في مدخل شارع النجفي بمدينة الموصل (400 كم شمال بغداد) ويفرشونها على الأرض بانتظار قراء الكتاب ومن يبحث عن كتاب قديم أو مثقف يريد إضافة كتاب ما الى مكتبته.
ومع ثورة المعلومات التي أغرقت السوق التجارية بنظم المعلومات وانتشار العمل بأجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات (الانترنت) بجانب ثورة الشاشة الفضية التي أغلقت دائرة القراءة بشكل كبير من خلال عشرات البرامج المنوعة بين المسلي والعلمي والإخباري والفني، وانشغال العراقيين عامة والموصليين خاصة بالعمل اليومي لتوفير لقمة عيش للعائلة والتواصل في دخول الحروب وظهور المشاكل داخل الأسرة أبعد بشكل مباشر الفرد داخل الاسرة عن القراءة والتواصل مع الثقافة بأوجهها المتعددة.
وابتعدت الحاجة عن القراءة والبحث عن المعرفة باستثناء الدراسة في المدرسة أو الكلية وهناك من وصل إلى مرحلة متقدمة من العمر ولم يفتح كتابا واحدا يقرأه بعيدا عن نشاطه التعليمي اليومي أو حتى دخل مكتبة أهلية أو حكومية أو زار مكتبة الجامعة بحثا عن مصدر لكتاب منهجي.
فيما ينظر أبناء الجيل الحالي الى من أبيض شعره من الأجيال السابقة بعين (حسودة) اذ كان لهم المتسع من الوقت للقراءة والجولات بين المكتبات لشراء الكتب و(التهامها) بالقراءة من الجلد إلى الجلد وقراءة الكتب المتنوعة من قصص وشعر وفلسفة وتاريخ.
وبالمقابل نشاهد أن الوقت الذي يمضيه الفرد من الشباب (خاصة) بحثا عن عمل والعمل لساعات طويلة لتوفير لقمة العيش لعائلته ويكتفي بمتابعة الأخبار عبر شاشة الفضائيات.
ومع هذا فإن القراءة والتعلم وزيادة ثقافة الفرد تبدأ وتنتهي بالكتاب الذي يتوفر في المكتبات والسوق الأدبية وتتوزع قراءة الكتاب إلى قراءة الكتاب التعليمي وهو ما يتلقاه الطالب على طول فترة الدراسة والبحث العلمي وهو الحاجة للكتاب للتعلم ثم الحاجة إلى الكتاب في مرحلة التخصص والتعمق في موضوع ما وهي تحتاج للكتاب الدقيق في التخصص والكتاب العلمي هو ليس بالضرورة الارتقاء بالمستوى الثقافي في موضوعات وعلوم متنوعة بل الوصول إلى درجة متقدمة في التحصيل العلمي. حتى ظن كثيرون أن مع وصولهم الى درجة الدكتوراه أو الأستاذية أنهم بلغوا درجات عليا من الثقافة، والصحيح أنهم وصلوا درجات متقدمة في التعلم وليس الثقافة.
فالشاعر يقتني الدواوين التي تزيد من خصوبة مزرعة أفكاره وإنعاشها وتدعيمه بالمفردات والقوانين ويعمل القاص على (أسر) كل القصص وشراؤها وقراءتها وزجها في سجن مكتبته كذلك الحال للطبيب الجراح الذي يبحث ويراسل ويشتري الكتب ويطلع على البحوث المنشورة على شبكة المعلومات التي تعنى بعلم الجراحة.
وبجانب الكتاب التعليمي على طول مرحلة الدراسة، هناك قراءة الكتب المنوعة وحسب رغبات الفرد من شعرية الى القصة إلى العلمية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والرياضية وهي تقوم أساسا على هدف مميز هو بناء شخصية الفرد في التعرف على معلومات غزيرة ومنوعة في مجالات الحياة الكثيرة لترسم شخصية الفرد ثقافيا وتمكنه من التواصل في الحوار وتبادل الآراء والانطباعات وادارة الجلسات وإبداء الآراء في قضايا عديدة.
وتتسارع الأسئلة التي تسقط بسرعة سقوط الماء من شلال عالي التي نقرأ منها ما يجري في رافد صغير يتفرع من مياه الشلال وأهمها: هل يستمر الشباب في قراءة الكتاب؟ وأي نوع من الكتب يطالعون الآن؟ وماذا عن متابعة الفضائيات التي تهتم بثقافة الشخصية؟ وهل يتحاور الشباب وحتى الرجال ممن أصبحوا اليوم يديرون عائلة أو الموظف في موضوعات ثقافية واجتماعية مهمة؟
هل يشتري الطالب او التدريسي أو الكاسب كتابا يقرأه في وقت ما في النهار او في ساعات الليل بعد اعلان حظر التجوال والجلوس الإجباري في البيت؟ لنتوقف عند أكثر من محطة لكشف المزيد عن قراءة الكتاب.
يستمر (شيابنا) بقراءة الكتب حسب اهتماماتهم وهو تمرين يومي يزاولونه لسنوات طويلة وبعضهم أعاد قراءة أكثر من كتاب وهم يتباهون بامتلاكهم مكتبات (عامرة) بأمهات الكتب وضخامة المجلدات النفيسة فيها والنادرة.
خير جليس.. كتاب أم كمبيوتر أم انترنت؟ ... علي محمود
رئيس تحرير جريدة نينوى - الموصل - العراق [email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية