"هل سيدخل الجيش الحر إلى جرمانا؟" سؤال يطرح بإلحاحٍ هذه الأيام، بعد دخول مدينة عدرا العمالية، وقبلها دير عطية وكذلك مدينة صدد، وهو التساؤل الذي جعل المدينة في حالة استنفارٍ وتأهب هذه الأيام، الأمر الذي يتوازى مع جملة اعتقالاتٍ للنازحين، يخشى من أن تطال حتى نشطاء المدينة الدرزية، والتي تضم خليطاً متنوعاً من الأديان والطوائف والقوميات.
ومنذ انطلاقة الثورة حاول النظام في أكثر من مرة الإيقاع بين جرمانا ومحيطها السني، لا يمكن سردها في هذه العجالة، ونجح في تسليح ما يزيد عن 600 عنصر من اللجان الشعبية، ممن تورطوا بأعمال سرقة ونهب وقتل وتشبيح، وفي المقابل، كانت معظم الكتائب التابعة للجيش الحر تنفي أي نيةٍ لديها في دخول المدينة، معبرةً عن قناعةٍ ضمنية بأهمية أن تكون المدينة حضناً آمناً للاجئين، بالرغم من تطاول الشبيحة وما كان يسمى باللجان الشعبية وأفعالهم المعادية للثورة وللسلم الأهلي، لكن هل تغيرت النوايا تجاه هذه المدينة؟.
*شائعات الاقتحام
ما يسمى بجيش الدفاع الوطني حسب مصادر مطلعة، يطالب اليوم بتعزيز القدرة العسكرية للحواجز المنتشرة في المدينة وعلى أطرافها، ودعمها بالمزيد من الأسلحة، لكن النظام لا يستجيب إلى مطالبهم، رغم رسائله المتكررة لهم بأن الهدف القادم "للمسحلين" سيكون مدينة جرمانا، وسط شائعاتٍ يتم تمريرها عبر صفحاتٍ موالية للنظام تتحدث عن تفجير نفق بين المدينة وبيت سحم من المتوقع أن يدخل عبره "المسلحين" إلى المدينة، وبعد انتشار الشائعة تتراجع تلك الصفحات، وتؤكد أنه ورد خطأ في هذه المعلومة.
ولمزيدٍ من الفتنة يزيد من نشره لقصة عدرا العمالية والدور الذي لعبه النازحون، ليؤكد لمسلحي المدينة من الدفاع الوطني، أن عدوكم داخل جرمانا، وهو ما زاد من أعمال التشبيح، والاعتقالات للنازحين ممن تقدر أعدادهم بحوالي 80 نازحا تم اعتقالهم منذ بدء أحداث عدرا العمالية إلى اليوم.
موقع المدينة يعتبر أحد المواقع الاستراتيجية سواء للنظام أو للمعارضة، فهي جزء من الغوطة الشرقية، كل المدن المحيطة بها، ثائرة اليوم على النظام وتعاني من حصار الجوع والموت، حيث تقابلها من جهة الجنوب بلدات عقربا وبين سحم وشبعا ويفصل بينها وبينهم طريق المطار، وإلى الجنوب الغربي الحجيرة والحجر الأسود والذيابية، وإلى الشرق المليحة وصولاً إلى زبدين ودير العصافير، وأيضاً إلى النشابية والبلالية، حيث المعارك الطاحنة، وفي الشمال عين ترما وسقبا وعربين وصولاً إلى حرستا، وفي الشمال الشرقي كفر بطنا وحمورية ومسرابا.
*أقليات مذعورة
وبهذا الموقع الجغرافي فإن المدينة يمكنها أن تكون مدخل الثوار إلى دمشق، والوسيلة الأهم للسيطرة على طريق المطار، إلى جانب إمكانية كسر الحصار المفروض على الغوطة، لكن هل سينظر الثوار إلى الموقع الجغرافي مغفلين الواقع الديمغرافي؟.
المدينة تضم غالبية صامتة تنتظر انتهاء الحرب الدائرة، لا تريد أن تكون ضحية النظام، كما أنها تخاف من فزاعة المتطرفين، وهي ورقة لنظام الرابحة بالنسبة للأقليات الدرزية والمسيحية التي تقطن المدينة، إلا أن صمت الغالبية طغى عليه أصوات الشبيحة، الذين صبغوا المدينة بصبغة الموالاة إلى حد التشبيح، وبالتالي لن تكون المدينة حضناً آمناً للثوار، ليست البيئة الحاضنة للقتال، فحتى معارضتها بغالبيتها تذهب إلى حد التفكير برومانسية في إسقاط النظام، عبر العمل السلمي، واللاعنف، الذي يضمن حق الدفاع عن النفس لكنه لا يبرر عمليات الهجوم.
أما من ناحية التسلح، فالمدينة بما باتت تمتلكه من سلاحٍ في أيدي الشبيحة قادرة على خوض معارك طاحنة، على مبدأ حرب العصابات، إلى جانب ما تضمنه من أفرعٍ ومقراتٍ أمنية "بيوت الشبيحة جزء منها كونها تحولت غلى مقرات اعتقال"، علاوةً عن أنها المكان الأكثر أماناً لضباطٍ الصف الثاني والثالث من الجيش والأمن.
* جرمانا معركة الحسم
وحتى الآن كتائب الجيش الحر وجيش الإسلام، تبدو غير معنية بنفي أو تأكيد وضع المدينة في حساباتها خلال المرحلة القادمة، لكن النشطاء يستبعدون أن تدخل للمعارضة المسلحة في هذه المقامرة، إلا إذا كانت ضمن هدفٍ شاملٍ هو الوضول إلى دمشق، ما يعني أنها ستكون في المرحلة النهائية، وحين يكون الجيش الحر والكتائب الأخرى حققت انتصاراتٍ على صعيد سوريا، وباتت العاصمة هدفها النهائي.
ويرى أحد الناشطين الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن المدن التي سبق ودخلها جيش الإسلام وغيره من الكتائب كان الهدف من ورائها الحصول على الإمداد، إلى جانب أنها بعيدة إلى حدٍ ما عن متناول النظام، ويمكن أن يخرج منها عبر انسحاباتٍ تكتيكية كما حدث في دير عطية، لكن الحال مختلف مع جرمانا، فالمعركة فيها ستكون معركة "كسر عظم" إن صح التعبير، وليس من السهل حسم المعركة فيها، حيث ستكون استنزافاً للعتاد وللأفراد بالنسبة للمعارضة، واحتمالات فشلها كبيرة جداً.
زينة الشوفي - دمشق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية