سياسة الانكفاء الأمريكية وانعكاساتها السورية
من أهم ميزات الديمقراطية الأمريكية هي قدرتها على تصحيح ذاتها عبر دورة الانتخابات الدورية، فهكذا وبعد التدخل الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان وتورط الولايات المتحدة الكبير فيهما ماليا وعسكريا وتصاعد الخسارات البشرية، نشأ رأي عام واضح من أجل الانسحاب من هذين البلدين والتركيز على القضايا الداخلية الأمريكية، وقد استطاع هذا التحول في جلب باراك أوباما إلى الرئاسة من أجل تحقيق هذا الهدف.
وتاريخيا بعد كل تدخل أمريكي خارجي عسكري مباشر في الخارج تعقبه سنوات من الانكفاء والتحول نحو التركيز على السياسات الداخلية، وجدنا ذلك بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حرب فيتنام والآن بعد حرب العراق.
انكفاء السياسة الأمريكية الداخلية دفعت سوريا منه الثمن الأكبر فلا اهتمام في السياسة الخارجية الأمريكية حقيقة بما يجري في سوريا، وخاصة مقارنة بحجم ما يجري وبعدد الضحايا الذين سقطوا، فالسياسة الأمريكية تنظر إلى سوريا اليوم من زاوية واحدة فقط وهي أن أزمة إنسانية هناك ويجب عليها زيادة حجم المساعدات كلما تعرضت إلى ضغوط ما داخلية أو من حلفائها الإقليميين.
وعموما ينسحب ذلك على كل منطقة الشرق الأوسط عموما، ودول الربيع العربي بشكل خاص، وهذا الانكفاء الاستراتيجي الأمريكي سيقابله بكل تأكيد صعود للقوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور في المنطقة، وهو ما وجدناه في الدورين الروسي والإيراني اللذين وجدا في الانكفاء الأمريكي فرصة استراتيجية لهم للعب دور يفوق حجمهم وتأثيرهم بل وإمكانياتهم الاقتصادية والسياسية.
سياسة الانكفاء الأمريكي تنعكس حتى على كل التفاصيل الداخلية التي تقرر هذه السياسة وتصنعها، فعلى سبيل الأشخاص الذين يقررون هذه السياسة، لم تقم الإدارة باستبدال جيفري فيلتمان الذي كان مساعدا لوزيرة الخارجية كلينتون لشؤون الشرق الأدنى والذي انتقل إلى الأمم المتحدة ليصبح مساعدا للأمين العام للأمم المتحدة منذ أكثر من عام، وما زالت شيرمان التي خلفته تعمل بصفة مؤقتة، وهو يظهر حجم الاهتمام الذي يظهره البيت الأبيض بالشرق الأوسط، إذ هو لا يستلزم ملء الفراغ الذي خلفه أحد الخبراء والسفراء السابقين بخبير آخر مثله، وإنما يترك الموقع فارغا ليتم التعامل مع الملف السوري رغم كل تعقيداته على مستوى السفير فقط.
ويعود الأمر ذاته إذا قارنا حجم الأموال التي صرفت على أوروبا الشرقية بعد مرحلة التحول وعلى دول الربيع العربي بعد الثورات لرأينا حجم الاهتمام الضعيف والذي لا يرقى لحجم التحول الذي شهدته المنطقة والأثمان الكبيرة لحجم الضحايا البشرية التي تدفعها كل يوم.
لا يبدو أن هناك تغيرا سيطرأ على السياسة الأمريكية ما استمر أوباما في البيت الأبيض، اللهم إلا إذا تطورت الأمور في المنطقة وتغيرت أولويات السياسة الأمريكية هناك بتغييرات على الأرض دراماتيكية تستلزم تغيير سياسة الانكفاء هذه.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية