أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العدو النعمة والصديق النقمة

حديث الجولاني الأخير لمحطة الجزيرة، وسهرة مقيتة مع بعض مدعي العلمانية، دفعاني للتفكير بهذا الموضوع وكتابة هذه السطور.

كيف يمكن لعدو أن يكون نعمة ومنقذا ومخلّصا لعدوه؟ وكيف يمكن لصديق أن يكون لعنة ونقمة على صديقه؟ وهل يحتكر السوريون هذه الظاهرة أم أنها موجودة لدى غيرهم؟

تحارب جبهة النصرة مع شقيقاتها داعش وغيرها من تنظيمات إسلامية تكفيرية متطرفة النظام السوري، ويشير ظاهر الحال إلى أن هذه التنظيمات هي الأكثر عداء للنظام والأشد شراسة في محاربته، كما يشير ظاهر الحال إلى أن النظام يبادلها نفس العداء وبنفس الشراسة... لكن أصبح جليا، ومنذ زمن بعيد، أن باطن الحال، أو حقيقة الأمر شيء آخر، إنه شيء مختلف إلى حد التناقض، وما قاله الجولاني ليس إلا تأكيد للمؤكد الذي يقول أن وجود تلك التنظيمات وما تقوم به يشكل خدمة خالصة جليلة للنظام السوري لا يقدمها أكثر الحلفاء والأصدقاء وفاء وإخلاصا، ويمكن القول بثقة أن هذه الخدمات أنقذته من السقوط وأطالت عمره وأمدته بأسباب بقائه، والعكس صحيح أيضا، فليس هناك من خدم تلك التنظيمات وعزز وجودها وأمدها بأسباب بقائها ونموها على الأراضي السورية مثل عدوها النظام السوري.

أبدعت التنظيمات الإسلامية المتطرفة في صناعة كل ما يحتاجه الغرب من مبررات لعدم التدخل العسكري أو السياسي الفعال، وعدم تقديم المساعدات العسكرية اللازمة لحسم الصراح لصالح الثورة، فهو يراها بديلا أسوأ من النظام، ويرى أن إزاحة النظام لن تأتي إلا بأعداء حقيقيين للغرب، وأن تسليح المعارضة المعتدلة قد يؤدي إلى وصول السلاح إلى أيدي المتطرفين، ولا شيء أسوأ في ذاكرة ووجدان تلك الدول والشعوب مما فعله التطرف الإسلامي في بلادهم، وهجمات ايلول 2001 وهجمات لندن ومدريد وغيرها محفورة في ذاكرتهم.. وطالما الأمر كذلك فلا باس ببقاء النظام واستمرار الحرب، ولو أدى ذلك إلى دفن نصف السوريين.    

وبسبب تلك التنظيمات وما تجود به من خطاب وممارسات طائفية ازداد أبناء الطائفة العلوية التفافا حول النظام وتمسكا به، كيف لا وهناك من يكفرهم ويهدد بإبادتهم، ويشهر فتوى ابن تيمية في وجوههم؟

وها هي الأقليات والكتل المحايدة والصامتة تزداد ابتعادا عن الثورة وانحيازا باتجاه النظام رغم وحشيته الأسطورية، أيضا بسبب خطاب تلك التنظيمات وبعض تصرفاتها الهمجية المتوحشة التي يستحيل قبولها، فالخطاب إسلامي، والهدف دولة إسلامية تحاكي دولة الخلافة، وهذا ما تخشاه وترفضه تلك الفئات.

وعودة إلى الأمير الجولاني، فقد ثبت الرجل كل روايات النظام وأكاذيبه التي بذل الغالي والرخيص لتثبيتها، وعى رأسها أنه لا يحارب ثوارا بل إسلاميين متطرفين تكفيريين، كما أسقط الرجل من حديثه الثورة والجيش الحر، واختزل كل قضية الثورة بتنظيمات جهادية تحارب نظاما كافرا لإبعاده وإقامة دولة الخلافة وتطبيق شرع الله... فهل كان النظام ليحلم بخدمات بهذا الحجم وهذه الكفاءة والمفعول؟ ولو اجتمع عباقرة المخابرات في العالم لإيجاد طريقة لتلميع النظام ومساعدته وإنقاذه، فهل كان بإمكانهم اختراع ما هو أفضل من لقاء الجولاني مع الجزيرة؟ ومن ناحية أخرى هل كان للثوار وأنصارهم أن يتوقعوا طعنة نجلاء بهذه القوة تأتيهم من يد يفترض أنها معهم ولهم؟

النظام بالمقابل وفر للجماعات الجهادية التكفيرية الملاذ والبيئة المناسبة والأرضية الخصبة للنمو والازدهار على الأراضي السورية، بسبب حله الأمني وسياسة العنف العاري المفرط التي اتبعها ضد المحتجين والثائرين وضد بيئاتهم الحاضنة، وبسبب ممارساته وجرائمه الطائفية الفظيعة، مما جعل من وجود تلك التنظيمات المتطرفة أمرا مقبولا، بل ومرغوبا في أحيان كثيرة، بحكم عدائها المعلن ومحاربتها للنظام، وبحكم انعدام الأصدقاء الحقيقيين وانقطاع الأمل والرجاء من كل العالم. 

ما كان لعصابة اللصوص التي تحكم دمشق أن تحلم بهذا البقاء وطول العمر إلا بفضل خدمات أعدائها من داعش واخواتها وأولاد عمومتها، وما كان لهذه الأخيرة أن تحلم بموطئ قدم في بلادنا إلا بفضل خدمات عدوها النظام السوري.  

يمكننا الحديث عن ظاهرة الصراع بين العلمانيين والمتدينين عموما والإسىلاميين خصوصا بنفس الطريقة، فالعلمانيون بجهلهم وسطحيتهم كانوا أعداء العلمانية بجدارة، حيث حطوا من قدرها وسفهوا كل ما تنطوي عليه من قيم ومبادئ ومفاهيم فيها كل الخير للدولة والمجتمع،  وعلى يديهم تقزم مفهوم العلمانية ليصبح موقف عداء من الدين والمتدينين، فكان من الطبيعي على المتدينين أن يتخذوا من العلمانية عدوا، وكان من الطبيعي أن يستغل أعداء العلمانية تلك الفرصة للنيل منها... هذا ما قدمه أرباب العلمانية ومريدوها لعلمانيتهم.

أن يكون العدو نعمة والصديق نقمة فذلك لغز ينفرد به السوريون، وهو علامة فارقة من علاماتهم الكثيرة. 

(112)    هل أعجبتك المقالة (115)

محمد غريب

2014-01-01

السيد نادر ومن خلال سلسلة مقالات نصب نفسه ليحدد من الثوار ومن غير الثوار ومن هو العلماني ومن هو لا ومن هو طائفي ومن هو لا ومن هو إسلامي ومن هو لا، بل ذهب أبعد من ذلك ليبرر للغربيين تآمرهم ضد الثورة وليبرر لكثير من الأقليات تخاذلهم عن الثورة وكأنها خاصة بالسنة فقط، بل وأكثر من ذلك اختزل أغلب من يقاتلون تحت مسمى "الإسلاميين المتشددين التكفريين" ـ وهو بالمناسبة مصطلح انفرد النظام وحلفاؤه باستخدامه ليَصِف السنة به ـ متجاهلاً كثيراً من الحقائق التي ظهرت مؤخراً لتثبت أن هذه التنظيمات هي مجرد عصابات تابعة للنظام تحت مسمى الإسلاميين الثوار، وهي وليست حتى تنظيمات متشددة أو "تكفيرية" كما قال الكاتب، ولم يوفر لها هذا "الثقل" و"الكبر" سوى الإعلام "العدو" بمبالغاته و"الصديق" بكثرة انتقاداته... أنصح بقراءة مقال د. عوض السليمان.. /https://www.zamanalwsl.net/news/44955.html ـــــ.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي