بداية هل هذه رسالة شخصية، أو رسالة من الشعب؟ فإذا قلتُ أنها من الشعب، فسيقال لي ومن أنت لتكتب بإسم الشعب؟
في الواقع، إن المسألة ليست تمثيلا رسمياً أو غير رسمي، وإنما هي نقل المشاعر والشكاوى والمعاناة والمطالب التي يقول بها الأكثرية الساحقة من الشعب والتي تٌري صُورا لها في كتابات المفكّرين، وتعليقات القرّاء المعلقين في الصحافة المكتوبة والإلكترونية، وفي حوارات جلسات الأصدقاء والمعارف والأقرباء، فإذا دلّت جميع هذه الحوارات على رأي واتجاه واحد، علمْتَ أن هذا هو رأي الشعب بمجمله. ويضاف إلى ذلك عامل أساسي آخر هو المضمون الصادق المُطابق للواقع في مضمون الشكوى والمطالبة. وهذه كُلها لا تحتاج لتمثيل رسمي أو غير رسمي، وكم من الممثلين الرسميين واشباه الرسميين ينطقون خلاف مصلحة الشعب ويعلنون خلاف آماله وآلامه لسبب أو لآخر؟
نعود إلى المهم وإلى الإنعقاد المُقرر، وما يأمله ويريده الشعب منه:
أولا: مسؤولية قيادات الحزب في نتائج أعمال الحكومة:
هل يعتبر قادة حزب البعث أنهم يُمثلون الشعب حقاً؟ ويمثلون مصالحه وآماله ويعملون لتحقيق أهدافه؟ السؤال يبدو في ظاهره ساذجا. ولكنه في الواقع أكثر عمقا مما يُظن للوهلة الأولى. فإن كان الجواب المُتوقع والمُستعجل بنعم، فلماذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال أكثر من خمسين سنة من حكم الحزب، وهي مُدّة أكثر بكثير من كافية للتغيير والتطوير وتنفيذ المبادىء والأهداف؟ لا بل إن السنوات الأخيرة من حكم الحزب قد حققت انحرافات عن مبادىء الحزب وأهدافه ذاتها، وتراجعات داخلية مؤلمة تتناقض مع فكر الحزب، وتسببت بانتكاسات سياسية وأمنية واقتصادية ومعيشية وفكرية على مختلف المستويات، وهي تقرر بالتالي انتهاء مبرر وجود واستمرار الحزب في السلطة، قائدا للشعب والأمة إذا استمرت ذات السياسات والتسلطات وأشخاص الحكومة. بمعنى آخر إذا كان الحزب قد فشل في تحقيق ذات أهدافه فيما يزيد عن نصف قرن، فهل يُمكن - إذا لم تتغير الإستراتيجيات والممارسات التنفيذية - تحقيق الأهداف التي هي المبرر الوحيد لتأييد الشعب في استمرار الحزب واحتكاره للسلطة؟
ثانيا: أقف عند تعبير تغيير الإستراتيجات والممارسات، وإنتقل إليها:
1. أكرر القول بأنه إذا كانت الدورة القادمة هي نسخة جديدة ومنقحة من المؤتمرات الروتينية الدورية شبه الشكلية والتي ستضاف إلى لائحة الإنعقادات السابقة، وإذا كانت لمجرّد إعلان تأييد الإنجازات الوهمية المتحققة حتى الآن، فأقول ويقول الشعب معي، فلا ضرورة لمزيد من النفاق والخداع. وإذا كانت لتكرار إعلان شعارات لا زلنا نسمعها منذ خمسين عاما وتحقق الكثير من - عكسها- أكيداً، بما يتمثل في تراجعات مبدئية مؤلمة، وإنجازات عكسية ضخمة، وفشل عام في مختلف نواحي الدولة، وفساد زاد أضعافا مُضاعفة عما كان الشعب يأنُّ منه منذ سنوات وعقود، وتسلّطٍ غير مشروع كريه ومرفوض، يخل بمصداقية الدولة والحزب الحاكم وإمكانية التقدم، وذلك من مراكز قوى الفساد والتسلط، وبعض رموز الأمن، والأقرباء المُقربون الأنانيون والمنحرفون،على السلطة والحكومة والشعب، وإذا كان الإنعقاد سيكون لمجرد مناقشة أزمة متفرعة عن التناقضات والأخطاء الكبيرة المذكورة، وهي أزمة الغلاء التي اصطنعها منحرفو الفريق الإقتصادي الدردري، المخالفون أساساً بعقيدتهم السياسية والإقتصادية لمبادىء الحزب وأهدافه، وذلك للعمل على إصدار حلول جزئية مُسكنة ينتهي مفعولها بعد شهر أو أكثر، فإذن فلا ضرورة للإنعقاد، وتكرار ذات الأقوال وإصدار ذات البيان الختامي المتكرر. وانتظروا إنا منتظرون.
2. وإن كانت النية صادقة في التغيير، لا، لم يعد التغيير كافيا، بل بالإنقلاب الكامل على كثير جدا من المواقف والسياسات والإنحرافات، والتصحيح الجذري، وإنهاء التسلط والفساد، فأهلا وسهلا، والشعب - الذي أنا منه ولا أمثله رسمياً - يرحب بذلك وهو جلُّ ما يريده ويطلبه، ويُطالب به.
ثالثا: ما هي مطالب الشعب ؟
هي بسيطة جداً، وهي تتمثل تماما بما يطلبه أي شعب في العالم من نظامه ومن حكومته ومن الحزب الحاكم عنده. كان يُمكن أن أتوقف عند هذه النقطة وأكتفي، ولكن لضرورة التوضيح ومسؤولية المطالبة ومقارنتها مع ما سيصدر، سأُبين أهمها وأمري إلى الله:
1. في السياسات الخارجية:
1) العودة إلى الهدف الإستراتيجي للحزب في العمل على تحرير فلسطين كاملة، واعتبار الحديث عن السلام وسلام الشجعان والجولان مقابل السلام، هي مجرد تكتيكات مع الدائرة الدولية، والتي لا تحقق مطالب الشعب العربي السوري، ولا أيٍّ من الشعوب العربية، ومن باب أولى عقيدة حزب البعث العربي "الإشتراكي سابقا والإجتماعي منتظرا".
2) إن التعامل مع حكومة العراق يجب أن يتوافق مع مفهوم الحزب ورأي الشعب، وهو حاليا تعامل مع حكومة خائنة تعمل وتُطالب باستمرار الإحتلال، تحقيقا لمصالح طائفية وفسادية شخصية للمسؤولين العراقيين، مع بعض الفاسدين السوريين من النخبة المُتسلطة. وتفرض عقيدة الحزب سحب الإعتراف بالحكومة العراقية وسحب التمثيل الديبلوماسي معها، والعودة إلى التغاضي عن تسسل المقاومين مهما كانت إنتماءاتهم. وذلك ما لم تُعلن الحكوم العراقية صراحة مطالبتها وعملها لتحديد جدول زمني لانسحاب قوات الإحتلال، وإيقاف محاربة الجيش العراقي لفصائل المقاومة، وتوجيهه بدلا من ذلك لمحاربة قوات الإحتلال.
3) لقد سئم الشعب العربي من استمرار أكذوبة التضامن العربي الزائف وقممها الفارغة، وإن عقيدة الحزب لتفرض اللجوء إلى العمل العربي الفعّال من خلال محور عربي تقدمي يماثل أو يُقارب سياسة ومبادىء الحزب الوحدوية والمتحررة من التبعية لأي دولة أجنبية، وبذل الجهد لانتفاضة الشعوب العربية واتخاذها أنظمة تنخرط في المحور العربي التقدمي المذكور تمهيدا وتحضيراً للسير الفعلي في إنشاء دولة الإتحاد العربي. إن المبدأ يبقى مجرد مبدأ ما لم تلحقه خطط لتنفيذه. ووضعنا العربي المنهزم الحالي هو نتيجة لعدم رسم الخطط التنفيذية لتحويل الأهداف المعلنة إلى واقع على الأرض. وإنما كانت سياسات قيادات الحزب تكتفي بالإنفعال بالإحداث الداخلية والخاجية، وتتصرف على أساسها، وهذا لن يوصل إلى أي وحدة عربية ولو بعد قرون طويلة.
2. في السياسات الداخلية:
1) يفرض مفهوم الدولة أن يكون هناك سلطة شرعية وحيدة للدولة تقود البلاد وفقا لبرنامج محدد يتصل بأهداف الحزب الحاكم. ولمّا كان هذا هو غير الجاري في سورية إطلاقاً، وإنما هو تسلط فعلي من رموز الفساد والتسلط، ومن بعض قيادات الأمن، ومن بعض أقرباء السيد الرئيس الذين يُشاركون في الحكم نتيجة ادعاهم بالحق فيه وفق قوانين الميراث المالي، وتبعا لقدرات كلٌّ منهم على التسلط بامتلاكه قدرات مُشتراة للتأثير على الحكم. فإن المعالجة الأولى تبدأ من هذه النقطة. وهي حصر سلطة الدولة بالسلطة الشرعية المنتخبة من الشعب، وهذا لا يُمكن تنفيذه إلا بالقيام استنادا إلى الدستور، بتوقيف ومحاكمة جميع المتسلطين بغض النظر عن مواقعهم وقدراتهم وقراباتهم. وإذا كان الرئيس الراحل قد اضطر لإنقاذ البلاد والحزب بطرد رفعت إلى خارج البلاد، فالحال اليوم هي أخطر بكثيرجدا، وهي لا تكتفي بمجرد الطرد بل لا بد من المحاكمة وفقا للدستور والقانون، وذلك للتمكن من إنهاء جميع مظاهر التناقضات والإنحرافات على جميع مستويات السلطة والشعب.
2) أثبتت الحكومة الحالية وفريقها الإقتصادي المُجمع شعبيا على رفضه، فشلها الكامل في إدارة الدولة، وتسببها بكوارث عديدة ما كان لها من مبرر إطلاقا. ويقضي الواجب صرفها فورا، والتحقيق مع من تسبب بكوارث اقتصادية ومعيشية للشعب من أعضائها، أو شارك أو سهل مصالح فساد مشبوهة، وذلك فقا للقانون.
3) إن الإصلاح المعيشي لا يتحقق بزيادات رواتب، فهذا هو منتهى الجنون الإقتصادي، الذي سيخلق تضخما وارتفاعات أسعار لولبية لا نهاية لها. وإنما يتحقق بإلغاء ما تسبب بالتضخم والغلاء، وذلك بدءا من دراسة إعادة قيمة العملة السوري إلى أصلها قبل جريمة الفريق الإقتصادي بتخفيض قيمتها. ومرورا بإلغاء البدعة الدردرية الكافرة بمصالح الشعب وهي فكرة التوقف عن الدعم المُخرّب لجميع نواحي الإقتصاد الوطني بجميع مناحيه، فضلاً عن إساءة معيشة الشعب لدرجاتٍ وصلت فعلا لدرجة اليأس الذي قال عنه السيد الرئيس يوماً بأنه يسبب الإنفجار.
4) التأكيد على وجوب العمل على إعداد ومناقشة وإصدار منهج السوق الإجتماعي الذي أقره المؤتمر العام العاشر، والذي تسبب الدردري وفريقه في عدم كتابة حرف واحد منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات. والقيام بمحاكمة الدردري ومن تعاون معه لعدم تنفيذهم قرار المؤتمر العام المفروض دستوريا على الحكومة، مما تسبب بجميع الخسائر والكوارث الإقتصادية والمعيشية التي يتعرض لها الوطن والشعب السوري حالياً.
5) إصدار التشريعات الازمة لدعم القطاع الخاص الوطني، إلى أقصى درجة ممكنة، وذلك ضمن منهج السوق الإجتماعي، بما يكفل إنشاء شركات مساهمة قوية قادرة على إنشاء وسائل الإنتاج الوطني وإدارته، وكذلك العمل على عودة الرساميل الوطنية الضخمة المودعة في البنوك الأجنبة، وذلك بتوفير الضمانات القانونية الكافية لسلامتها. وهذه هي وحدها مصادر التمويل الحقيقية الفعالة التي يُمكن أن تُعيد بناء المؤسسات الإنتاجية في الوطن وذلك بعد جمود استمر طيلة عقدين ومنذ تسلط رفعت وعبد الرؤوف الكسم على الدولة والحكومة، وقيامهما بتخريب النقد والإقتصاد الوطني بما هو معروف. والإستغناء بشكل كبير عن فكرة الإستثمار الأجنبي التي لا تهدف لبناء وطن، ولا معالجة مشاكله الإقتصادية والمعيشية للشعب، وإنما جلّ همها الحصول على ما يُمكنها من المكاسب مع شركائها ووكلائها من الفاسدين.
وأقرح لضمان تنفيذ ذلك كله، إحداث وزارة خاصة مستقلة عن وزارة الإقتصاد مهمتها تأمين الحلول التشريعية والتنفيذية الفورية والازمة لمجابهة جميع الصعوبات التي تعترض مسيرة القطاع الخاص، ومراقبة تطورها، ومشاورة أصحابها، وتزيدها بما تحتاجه أو تطلبه من معونات من فنية ومالية وتقريرية...إلى آخره
6) العمل على إعادة القدرة لمؤسسات وشركات القطاع العام، وذلك بتغيير الإدارات الفاسدة ومحاكمتها جدّيا وفقا للقانون، وتعيين الخبرات الأمينة النزيهة، وتزويدها بالتشريعات التي تتيح لها إدارة الشركة كما لو كانت شركات قطاع خاص، والعمل على تأمين تجديد الآليات والآلات وتزويد مستودعاتها بما هو ضروري من قطع الغيار والمواد الأولية الازمة للإنتاج.
وأقترح لضمان نجاح شركات القطاع العام إحداث وزارة خاصة تُنقل إليها جميع شركات القطاع العام مهمتها تأمين الحلول التشريعية والتنفيذية والإدارية الفورية والازمة لمجابهة جميع الصعوبات التي تعترض مسيرة الشركات العامة.
7) إطلاق الحريات العامة وإلغاء الرقيب المفروض وصيا كريها ومرفوضا على الشعب وعلى الفكر والتبادل الفكري والسياسي الحرّ بين المواطنين.
8) وأخيرا وهو يأتي أولا من حيث الأهمية: العمل على إنهاء مرحلة مؤلمة من تاريخ الشعب والحزب وهي مرحلة الفساد الذي وصل لحدو تآكل الحزب والنظام وغلإقتصاد والمشروعية الدستورية والقانونية، والعمل على إصدار قانون يعتبر ارتكاب الفساد بمثابة جريمة الخيانة العُظمى، وتنفذ على مرتكبه ذات عقوبات الخيانة العُظمى. والعمل على تنفيذه فورا وعلى كبار الفاسدين قبل صغارهم.
هل هذا كلُّ ما في الأمر من المطالب الشعبية؟ لا بالطبع، فهذه لا نهاية لها حتى نصل إلى مرحلة الجمهورية الفاضلة، والتي ليس لها مكان على هذا الكوكب. ولكنها البدايات الأساسية التي لا بد منها لإعادة تسيير البلاد باتجاه الحق، والوصول إلى القوة والإنتاجية الحقيقة ورفاهية الشعب، وإلى مرحلة لم الشعب حول الحزب والقدرة على انتشار فكر الحزب في جميع أرجاء الوطن العربي.
بكل احترام/
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية