أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مؤشر الديمقراطية في "إسرائيل"... قراءة تحليلية ... هشام منور

يُعد "مركز "غوتمان"، والمتفرع عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، مرجعاً مهماً على صعيد الكم والنوع للمعلومات المتعلقة بدراسة مواقف وآراء الرأي العام الإسرائيلي منذ إقامة الكيان الصهيوني سنة 1948. ويضم المركز نحو ألف ومئتي بحث ودراسة أجريت منذ سنة تأسيس المركز 1947. وتشمل دائرة أبحاث ودراسات هذا المركز موضوعات وقضايا متعددة، كالعنف داخل المجتمع وثقة الجمهور بالحكومة والمؤسسة السياسية عامة والانتخابات البرلمانية والسياسة النووية واتفاقيات السلام والمستوطنات وحقوق المواطن والحريات الفردية وأداء الحكومة وقراراتها، وغيرها من المواضيع ذات الصلة الوثيقة باهتمامات الشارع الصهيوني ونخبه السياسية والفكرية، على حد سواء.
وقد أظهرت معطيات استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" لسنة 2008، والذي قام به مركز غوتمان ، أن 51 بالمائة من اليهود الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم "علمانيين"، في حين يعتبر 19 بالمائة أنفسهم متدينين أو حريديم، أي متدينين متشددين (10 بالمائة قالوا إنهم متدينون، و9 بالمائة قالوا إنهم حريديم)، فيما عدّ 30 بالمائة أنفسهم محافظين أو تقليديين.
واعتبر القائمان على تنفيذ الاستطلاع، (د. رفائيل فينتورا) و(ميخائيل فيليبوف)، من "مركز غوتمان" واللذان عملا تحت إشراف البروفسور (آشير أريان)، أن النتائج المتمخضة من هذا الاستطلاع شبيهة إلى حدّ كبير مع الصورة المرتسمة من معطيات سابقة لمكتب الإحصاء المركزي. أمّا عن الفروقات الطفيفة في النسب فقد تمّ عزوها إلى استعمال أدوات قياس متباينة قليلاً.
وقد بيّن الاستطلاع أن أعلى نسبة للعلمانيين بين اليهود هي بين المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، إذ بلغت 75 بالمائة منهم. وبموجب الانتماء إلى البلدان الأصلية المهاجر منها أظهر الاستطلاع أن 63 بالمائة من اليهود الأشكناز يعتبرون أنفسهم علمانيين، في حين أن 32 بالمائة فقط من اليهود السفارديم- الشرقيين يعتبرون أنفسهم علمانيين. فيما يعتبر 44 بالمائة من اليهود الإسرائيليين أبناء الرعي
ل الثالث فما فوق من مواليد البلاد أنفسهم علمانيين.
واللافت في نتائج الاستطلاع أن اليهود الإسرائيليين الشباب أكثر محافظة وتديناً من كبار السنّ. ويمكن ردّ ذلك، كما أوضح المشرفون على الاستطلاع، إلى ارتفاع نسبة الولادة لدى الجماعات المحافظة والمتدينة في "إسرائيل".
وفيما يخص حفاظ اليهود الإسرائيليين على العادات والتقاليد الدينية، أوضح الاستطلاع أن 13 بالمائة منهم يحافظون على هذه العادات والتقاليد بحذافيرها، ويحافظ 22 بالمائة عليها إلى حدّ كبير، بينما يحافظ 48 بالمائة عليها إلى حدّ قليل. أمّا نسبة الذين لا يحافظون عليها قطّ فقد بلغت 17 بالمائة فقط.
والجدير بالذكر أن تحليلاً شاملاً ومعمقًا لأنماط السلوك الدينية في إسرائيل، سبق أن أنجزه "مركز غوتمان" سنة 2000، أظهر أن الغالبية الساحقة من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يحافظون على تقليد واحد أو أكثر من العادات والتقاليد الدينية، مثل أكل الطعام الحلال (كاشير)، والامتناع من السفر في أيام السبت، والصوم في يوم الغفران أو في عيد الفصح العبري، وإضاءة الشموع في عيد الأنوار(حـانوكا).
وفي تحليل منهما لنتائج الاستطلاع الهام، اعتبر (د. رفائيل فينتورا) و(ميخائيل فيليبوف) أن هناك تقسيمًا ثابتاً خلال العقدين الماضيين للمجتمع اليهودي داخل "إسرائيل" يتكون من ثلاث مجموعات رئيسة على النحو التالي: نصف اليهود الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين، ونحو 30 بالمائة يعتبرون أنفسهم محافظين، و20 بالمائة يعتبرون أنفسهم متدينين أو حريديم. وعلى الرغم من تشكيل العلمانيين لما يقرب من نصف المجتمع ومجاهرته بعلمانيته، فإن نحو خُمس اليهود الإسرائيليين فقط يعلنون أنهم لا يحافظون على العادات والتقاليد الدينية مما يدل على أن النمط السائد لدى هؤلاء هو المحافظة على بعض هذه العادات والتقاليد داخل مجموعة كبيرة من الإمكانيات.
كما أكد كلا الباحثين أن التوزيع الثابت لفئات المجتمع بين علمانيين ومحافظين ومتدينين وحريديم عائدة إلى عاملين أساسيين هما: نسبة التكاثر الطبيعي العالية بين المحافظين والمتدينين، وخاصة بين الحريديم، والهجرة العلمانية الكبيرة فيما مضى من دول الاتحاد السوفييتي السابق.
على الرغم من زعم الحركة الصهيونية إبان نشأتها أنها حركة علمانية يسارية الوجهة والطابع، فإن التاريخ السياسي لهذه الحركة والكيان الذي أنشأته فيما بعد، لا يكف عن استغلال المقولات والدعاوى الدينية اليهودية في جميع ما تمارسه أو تتخذه سياسياً من مواقف، وقد جاء الاستطلاع الأخير ليبين مدى اختباء المجتمع الصهيوني العلماني أصلاً والمبتعد عملياً عن تعاليم الدين اليهودي خلف تلك العادات والشعائر الدينية الظاهرية لتعمية خوفه المقيم من تعرية دعوة حركته الصهيونية التي توسلت سابقاً بمقولات وتعاليم اليهودية لتسهيل قيام الكيان الصهيوني وزرعه كقاعدة استعمارية متقدمة لمشاريع الدول الكبرى المتعاقبة تاريخياً (بريطانيا أولاً ثم الولايات المتحدة)، ومن ثمّ لتمرير رؤاها العنصرية إزاء مستقبل الكيان الصهيوني وهويته واستراتيجيته كدولة مرتزقة ومخزن لأسلحة توتير المنطقة دائماً وتفجيرها لاحقاً.




كاتب وباحث فلسطيني


(114)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي