أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قيح الثورة

في اعتقادي كي نفهم حقيقة الوضع في سورية اليوم، والإحاطة بأسباب "القيح" المرافق للثورة في مظاهر متعددة، لابد لنا من رؤية بعدين متلازمين، إذ إن الاكتفاء بأحدهما قد يؤدي إلى زيف الرؤية، وما يمكن أن تحمله من سوء في الممارسة أو من صعوبة في رسم صورة للوطن تليق بالسوريين:

البعد الأول من حقيقة الوضع في سورية: "كما تكونوا يولى عليكم"
في الحقيقة ما كان لنظام الاستبداد أن يستمر لولا الثقافة الاستبدادية المتأخرة الموجودة في المجتمع السوري بكافة حيزاته ومستوياته، وهذه الثقافة تجد تجلياتها في ميادين عديدة: في علاقة الأب بأبنائه، وعلاقة المعلم بالتلميذ، وعلاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الكبير بالصغير، وعلاقة رجل الدين بالناس، وعلاقة رئيس الحزب بأعضاء الحزب، وعلاقة شيخ القبيلة بأتباعه.... إلخ. فجميع هذه العلاقات سلطوية ولا تنتج إلا ثقافة استبدادية تشكل الأرضية الملائمة والتربة الخصبة لظهور نظام سياسي قائم على الاستبداد والفساد.

هذا يعني أن السوريين، بشكل أو بآخر، يتحملون مسؤولية وجود النظام السوري واستمراره، ويتحملون بعض المسؤولية عن القيح المرافق لثورتهم، وبالتالي عليهم أن يعيدوا النظر بكل ما من شأنه إعادة إنتاج ظواهر الاستبداد والتشبيح في الدولة والمجتمع مستقبلاً، وهذا عمل طويل ويحتاج إلى استراتيجيات وبرامج عمل حقيقية على مستوى التربية والتعليم والمجتمع المدني والسياسة، وحتى على مستوى المؤسسة الدينية.

البعد الثاني من حقيقة الوضع في سورية: وكما يولى عليكم تكونوا
الثورة كالعمل الجراحي، يرافقها أو يتبعها اختلاطات. وهذه الاختلاطات الكريهة أو المربكة تتبع في شدتها وقوتها وسوئها درجة سوء النظام الذي قامت ضده هذه الثورة، فإذا كان النظام القائم على درجة عالية من السوء فإن الثورة التي تقوم ضده ستحتوي من المساوئ والأخطاء و"القيح" ما يعبِّر عن الخراب الذي أدخله هذا النظام في المجتمع.

فالأخطاء التي رافقت الثورتين التونسية والمصرية تدلّل على طبيعة النظام السياسي الذي حكم في كل من تونس ومصر أصلاً، وبالمقارنة مع أخطاء الثورة السورية نستنتج ببساطة مستوى الانحطاط الشديد للنظام السوري مقارنة بالنظامين التونسي والمصري. بالتالي فإن الأخطاء في الثورة السورية ليست دلالة على سوء في الثورة بقدر ما هي دلالة على درجة بشاعة النظام الذي حكم سورية لنصف قرن.

لا زال العراقيون إلى اليوم يعانون من قذارات نظام صدام حسين على الرغم من مضي عشرة أعوام على رحيله، وأضيفت إليها قذارات النظام العراقي الحالي، فالأنظمة السياسية لا تموت بالسكتة القلبية، كما لا تبنى الجديدة منها بفعل سحري.

لعلي أستطيع تكثيف هذه الفكرة بالقول: قل يا أيها السوريون ما أصابكم من خير فمن ثورتكم، وما أصابكم من سوء فمن نظامكم.

الثورة تقدِّم فرصة للتطهر من أخطاء وقذارات الماضي، وهذا لا يحدث –إن على مستوى الفرد أو المجتمع- بين ليلة وضحاها، أي لا يحدث بمجرد الانضمام للثورة، أو حتى بانتصارها، بل ستكون لحظة الانتصار كلحظة الولادة التي يبدأ معها عمل وبناء جديدان. وفي الطريق إلى انتصار الثورة، وبعد انتصارها، سيخرج إلى السطح كل العفن والقذارات التي زرعها نظام الحكم في مجتمعنا عبر نصف قرن من الزمان.

فإذا وجدنا اليوم، على سبيل المثال، فرداً في الثورة يتصرف بسوء، فإن ذلك إدانة للنظام القائم بالدرجة الأولى قبل أن يكون إدانة للشخص ذاته. فالعسكري الذي انشق عن جيش النظام مثلاً وأعلن انضمامه للثورة لا يعني ذلك أنه أصبح منزهاً عن الخطأ، أي لا يعني مجرد انضمام المرء للثورة أنه تحول في لحظة ما –كما حاول ويحاول بعض السذج إيهامنا- من شيطان إلى ملاك، بل يعني فحسب أن الفرصة أصبحت مفتوحة أمامه للتغير والتطور التدريجي. 

لقد نمت توجهات السوريين وقناعاتهم عموماً في ظل بيئة سياسية-ثقافية مسيطر عليها بشكل مطلق من النظام، فالنظام امتلك، لمدة نصف قرن، الأرض السورية وما عليها، وأجهزة الدولة والجامعات والمدارس والإعلام والجوامع وغيرها، وبالتالي من البديهي القول أن الثقافة السائدة في المجتمع السوري هي من إنتاجه بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا يعني أن النظام مسؤول عن الكثير من الأمراض الموجودة في الثورة اليوم، كما يعني بالمقابل أن مجرد الانضمام للثورة لا يمنح المرء سمة المواطن "الصالح"، بل عليه أن يعلن القطيعة مع ثقافة نظام الاستبداد وأمراضه كي يكون هناك معنى لانضمامه.

هناك أخطاء كثيرة حدثت في الثورة، لكن هذه الأخطاء الحاصلة لا تهين الثورة أو تقلِّل من شأنها، بل هي إدانة للنظام ذاته. هذا ليس تبريراً لأخطاء الثورة ، كما قد يعتقد البعض، بل تفسيرٌ لها، كما لا يعني السكوت عن هذه الأخطاء، بل ينبغي فضحها ونشرها على الملأ، وهذا هو الفعل الثوري الحقيقي، أي التخلص من أدران النظام وماضيه وبناء المواطن الجديد والحياة الجديدة، فالثورة ليست لافتة نرفعها أو شعاراً نصدح به، بل هي فعل هدم وبناء متلازمين.

أخيراً، من المهم أن يكون التخلص من كل "القيح" على جدول أعمال الثورة في كل لحظة، وهنا لا بد أن تكون نظرتنا لأنفسنا وتاريخنا وتجاربنا وممارساتنا موضع نقد وتصويب بشكل دائم استناداً لرؤية البعدين المتلازمين لأسباب هذا "القيح" الضار بمستقبلنا.

(104)    هل أعجبتك المقالة (108)

اسماء * اردنية

2013-12-23

كويس بس ياريت لو قلت في نهاية مقالك " و هذا لن يتم الا اذا عدنا الى ديننا و اتقينا الله في كل امورنا ".


نيزك سماوي

2013-12-23

كما تكونوا يولى عليكم فيه ظلم ولا ينطبق هذا على الشعب السوري أبداً ، لأنه الشعب السوري أصبح في هذه الحال نتيجة الإرهاب والرعب والحصار الذي مارسه المجرم الطائفي الحاقد المقبور العميل مؤسس العصابة النصيرية العنصرية المجرمة في سوريا ، لقد خرب ذاك المجرم المقبور الخائن كل شيء في سوريا حتى وصل به إلى تخريب البشر إضافة للشجر والحجر والذي يكمل مشوراه المجرم الوريث ابن أبيه الخائن المجرم السفاح الكوهيني الواطي الحاقد الذي يلعنه الشعب السوري ويرحق نفسه كل يوم ملايين المرات ، إن العصابة النصيرية وبما أصبح يعرف الإحتلال النصيري المجرم الغاشم الطائفي العنصري البربري الجبان لسوريا والذي دام اكثر من أربعة عقود حتى بدأ الشعب السوري بثورته لنيل إستقلاله فبادرت هذه العصابة النصيرية المجرم بالقتل والإجرام لأن ذلك وسيلتها للبقاء لأنها تعيش على الدماء وعلى مص دماء الشعب السوري إن كان حياً أو ميتاً ، لتوجه الأقلام إلى القيح الطائفي النصيري المجرم للتوجه الأقلام إلى هذه الوحشية العنصرية الإجرامية التي تفلعها النصيرية ألم تسمعون الطيار المجرم النصيري الذي يلقي بالبراميل المتفجرة على رؤوس الأطفال في حلب ويصفه بالكلاب ؟؟!!! أيها الكلاب ..........أيها المجرمين أيها الوحوش الغادرة لن تحكموا سوريا بعد اليوم لن تحلموا ان تبقون فوق الأرض السورية بعد كل هذا الإجرام لقد قتلتم من السنة السوريون أكثر من نصف مليون سوري وبما أن القصاص العادل سوف يأتي يوما ما فإن العدالة يجب أن تقتص منكم مجرما مجرما شبيحا شبيحا لصا لصا فاسدا فاسد ديوثا ديوثا كوادا كوادا.


حومصي

2013-12-23

هداك الله أيها العلماني وخلصك مما أنت فيه من قيح.


الهرمزان الصفوي

2013-12-26

هناك بعض القفزات في المقال و تارجح بين تحميل اللوم للشعب السوري و بين تحميله للنظام و هو ديدن هيئة التنسيق فهم يريدون اللعب على الحبلين و مع التشدد المرعب من قبل النظام المجرم بعض الاحيان تجد ان هيئة التنسيق كالبينوكيو فهي لا تتمكن من تحديد الهدف على كل الكاتب يهمل تاثير الاستخبارات الامريكية التي معروف انها اشترت انقلاب البعث بمئتي مليون دولار و كل الرعاية و الدعم من كل الحكومات التالية لنظام الاسد الذين يعلمون كم هو دكتاتور و كم هو بشع و منحط.


Eyad

2013-12-28

يعني بعد كل هالكفر وولدنة الحرام يلي شفناهم في ناس بتنادي بالعلمانية.


حلم جميل

2014-01-08

شكرا للكاتب على ما كتب، و أعتقد من خلال مراجعة التعليقات أدناه و ربما أعلاه و الله أعلم أنه ساعد في نكش القيح و هو الطبيب و يعرف أن الجرح و الدمل لا يشفى الا باخراج القيح منه. دعوني أيها الناظرين الى الثورة على أنها ثورة دين أقرب الفكرة لكم من منظور ديني فأقول هل من أمر خير كله؟ هل من فعل لا يخالطه ولو قليل من باطل؟ هل من أحد بلا خطيئة؟ الثوار بكل أنواعهم من كتب و من هتف و من حمل اسلاح أطهر الناس و لكن ألا يقترفون الأخطاء؟ ألا يعقل أن يتغلب حب الانتقام على فضيلة احقاقاق الحق؟ أا يعقل أن تعمي السلطة مستقبلا بصيرة من يمتلكها؟ أنا لست الكاتب لأعرف بالضبط ما كا يقصد و لكن المقال لم يبد لي الا تجريما الا للنظام و حتى عندما قال كما تكونوا يولى عليكم فانه ألقى باللوم على أبائنا الذين استكانوا للنظام منذ نشأته حيث اخترقهم كل من حيث نقطة ضعفه و من لم يتمكن منه قتله أو نفاه. حري بنا و احتراما لمئات ألاف القتلى و ملايين المشردين و الذين أؤكد لكم أنكم لا تتفقون مع جميعهم بالفكر و المنطق أن نتعالى عن الحقد و رغبة الانتقام و أن نوجه فيضان مشاعرنا لنبني وطنا لأطفالنا خير من الوطن الذي ورثناه و أن نعترف بالجميل لكل من ساهم بهذه الثورة و نتقاسم معه مكاسبها..


التعليقات (6)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي