أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القصة القصيرة .. من الهجران إلى الصمت !

بعد فوز الكاتبة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل، عن انجازاتها القصصية فقط، هل يمكن القول إن زمن القصة القصيرة يعود للتألق بعد أن نافسته الرواية لسنوات! لعل فوز مونرو بنوبل هذا العام، في مواجهة مواطنتها كاتبة القصة والرواية المخضرمة مارغريت أتوود يستدعي أن نعود للتساؤل عن عودة زمن القصة القصيرة إلى الواجهة.

الكاتبة التشيلية ايزابيل اللندي وصفت القصة القصيرة بأنها "كالسهم، تنطلق مرة واحدة لتصيب الهدف".

أما القصة القصيرة عند موبسان فهي "أن يصور الكاتب أفرادا عاديين في مواقف عادية كي يفسر الحياة تفسيراً سليماً ويبرز ما فيها من ‏معان خفية".

ووصف يوسف ادريس القصة القصيرة بأنها أكثر الأشكال الأدبية إيجازا. وشبهها بالقنبلة الذرية، في صغرها وفاعليتها، فيقول: "هذه القنبلة يمكن – فقط – تصنيعها على أيدي أناس ذوي موهبة خاصة".

وقد عبر إدريس عن إيمانه بأن جوهر صنيعه القصة القصيرة أن يحررها من أي تأثير ثقافي غربي، ولهذا فقد تمرد عامداً على وصف قصصه بأنها ذات طبيعة تشيكوفية، أو أنه "تشيكوف" العرب، فقد وجه اهتمامه إلى خصوصية التعبير، واهتم كذلك بالتطور النفسي للشخصيات؛ حيث أن القصة نوع من الكشف، ينبغي أن يحدث أثراً قوياً "تحولاً" في رؤية القراء، تاركة أثرا مكثفا لدى القارئ .

ويجمع نقاد الفن القصصي على أن القصة القصيرة حدث شديد الكثافة بأسلوب رشيق. وفي رأي الناقد د. الطاهر أحمد مكي، أن القصة القصيرة هي حكاية أدبية تدرك لتقص، وهي قصيرة نسبياً وذات خطة بسيطة وحدث محدد وحول جانب من الحياة، لا في واقعها العادي والمنطقي، وإنما طبقاً لنظرة مثالية ورمزية ولا تنمي أحداثاً وبيئات وشخوصاً كثيرة وإنما توجز في لحظة واحدة حدثاً ذا معنى كبير.

ويعتقد البعض أن صوت القصة القصيرة بدأ في الخفوت دخولا في مرحلة الصمت بعد شيوع مصطلح "زمن الرواية" رغم أن هناك من يؤكد أن صوت القصة القصيرة سيظل يدوي في أرجاء الحياة, تلك آراء تستند إلى تجارب شخصية وأخرى تستند إلى واقع الحياة الأدبية. والسؤال: هل انتهى عصر القصة القصيرة؟

الناقد د. جابر عصفور، يؤكد أن القصة القصيرة من أهم الفنون الدرامية وهي توازي الشعر في كثافتها وصياغتها، وفي يوم من الأيام سئل يوسف إدريس عن معنى القصة القصيرة فطرقع بأصبعه وتوقف لكي يقول "إن القصة القصيرة لقطة سريعة خاطفة ذات عمق محفور في الوجدان".

وأضاف: لقد استطاع يوسف إدريس أن يخلق تيارًا في القصة القصيرة وصف بالمصرية الصميمة على غرار تيار تشيكوف في روسيا، وإدجار ألن بو في أميركا، وخلق معه أيضاً تياراً من كتاب القصة القصيرة نبغوا في هذا الفن أمثال: يحيى الطاهر عبد الله، بهاء طاهر، إبراهيم أصلان، محمد البساطي، ولا أعرف لماذا أصابهم الإحباط واتجهوا للرواية رغم أنهم أبدعوا في القصة القصيرة؟ ربما يكون ذلك لتوهم البعض أن الرواية ارتقاء بالكاتب وهذا ليس صحيحاً، فالكاتب الكبير حقاً هو من يمر بمرحلة كتابة القصة القصيرة لكني أعرف أيضاً أن دور النشر قد دعمت هذا الوهم برفضها نشر المجموعات القصصية قدر اهتمامها بالرواية فتحول كتابها إلى روائيين.
تاريخ مستحيل

ويرى د. حسام عقل أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس، أن القول بأن القصة القصيرة قد خفت صوتها اعتقاد خاطئ، بدليل وجود مجموعات قصصية صدرت مؤخرا ناجحة ولافتة، علاوة على التاريخ المضيء في القصة القصيرة الذي قدمه يوسف إدريس وهو تاريخ مستحيل تجاهله، لكن لا بد أن نعلم أن فن القصة القصيرة فن شديد التكثيف يحتاج إلى حرفية عالية في اختيار اللفظ والمضمون مما يرهق كثيرًا من الأدباء الشباب ويخيفهم من الاقتراب من إتقان هذا الفن والخوض فيه على عكس الرواية, لكن رغم ذلك ففن القصة القصيرة لم يخفت ولم يتوارَ.

وترى الناقدة فريدة النقاش أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن القصة القصيرة تعاني من إهمال شديد منذ سنوات وهذا واضح, مثلاً في المؤتمرات التي تقام سنوياً في القاهرة وغيرها من العواصم العربية للرواية والشعر مثلاً ولا تقام بالمثل لمجموعات القصة القصيرة، لكن هذا لا يعني أن القصة القصيرة قد ماتت بترويج بعض المثقفين والنقاد لما يسمى بزمن الرواية. من هنا فإن اتهام القصة القصيرة بالخفوت إجحاف وتعسف شديد في حقها.

الكاتب والقاص أحمد الخميسي يؤكد أنه لا يوجد شكل أدبى يندثر، فالأشكال الأدبية نشأت تقريبا مع بدايات اللغة طبعا ليس بشكلها الحالي، إنما فكرة الحدوتة والقصة والنكتة وكل هذه الأشياء ملازمة لتاريخ الإنسان، والقصة القصيرة هي الأقدم من الرواية في تاريخ الإنسان، ففكرة أن تندثر لن يحدث إنما يمكن أن تتقلص، أعتقد أن القصة كافية لدى للتعبير عن أفكاري، فى النهاية ليس الموضوع هو طبيعة القالب الذي أكتب فيه إنما ما أكتبه، فهناك روايات ماتت وعاشت أمامها قصص قصيرة والعكس.

وأضاف الخميسي: الناس عادة ما ينظرون للتجديد على أنه تجديد في الشكل، لذا كثير من الشباب يركز على الإبهار، إنما نقطة الانطلاق في التجديد في رأيي الخاص هو التجديد في المضمون، فالواقع حولنا مليء بالجديد وظواهر عديدة لا بد من التقاطها، فنحن لدينا الآن وفرة شديدة في الروائيين يعني تقريبا روائي لكل مواطن! إنما ماذا عن منتجهم الروائي؟ فالمهم هو ما يتناوله الكاتب.

بينما يرى الكاتب والتشكيلي عز الدين نجيب، أن سبب خفوت صوت القصة القصيرة راجع بالأساس إلى أن مجموعات القصة القصيرة لم تعد تلقى الاهتمام الواجب بها في الاحتفاء النقدي؛ فقد ألقي بمجموعات مهمة في الظل.. فالتعتيم الإعلامي بشكل عام على العمل الفني خصوصاً في غياب الندوات الثقافية والصفحات الثقافية قد أثّر كثيراً على ظهور الكثير منها، إضافة إلى أغلب صنّاع القصة القصيرة قد هجروها إلى ميدان الرواية بوهم أنها أكثر بريقاً؛ فالقصة القصيرة تحتاج دفعة حقيقية لإعادة تلميع كتابها وقضاياها مرة ثانية.

القاص محمد المخزنجي – من وجهة نظره – أن القصة لم يخفت صوتها، ولكن خفت عن طريق الإعلام الثقافي والنقد الانطباعي والترويج غير المفهوم لبعض النماذج الأخرى؛ فالقصة القصيرة هي امتحان كل كاتب جيد للدخول إلى دنيا الأدب، ولم يخفت صوتها، لكن الترويج للرواية هو الذي سعى إلى تأكيد هذا الرأي والتعتيم على براعة القصة القصيرة، وهي متميزة في ساحة القصة العربية عموماً وفي ساحة القصة القصيرة العالمية. وأستطيع القول بأنه عبر سنوات طويلة من الحديث عن زمن الرواية فلم تستطع رواية واحدة عندنا اختراق المستوى العالمي للكتابات والوصول مثلاً لقامة مجموعة روايات أميركا اللاتينية مثل "إله الأشياء الصغيرة" أو "ساعي بريد نيرودا".

وأكد المخزنجي أنه إذا أردنا تطعيم بانوراما الرواية العالمية بروايات عربية فسنجد إسهامنا قليلًا جداً ونادرًا! بينما لو أردنا أن نطعم بانوراما القصة القصيرة العالمية بقصص قصيرة فسنجد وفرة من القصص المميزة.

وفيما يتعلق بسبب هجرها من قبل كبار الأدباء وتحولهم إلى الرواية، قال "المخزنجي": الكبار لم يتخلوا عنها ولم يهجروها فلا يوجد فن يلغي فناً آخر، وكل قصة قصيرة بمثابة اختراع, وهذا لا يتأتى بسهولة لذا تلعب الفكرة دوراً أساسياً ومحورياً فيها.

مسألة النشر

بينما يؤكد القاص والروائي محمود الورداني، أن صوت القصة القصيرة لم يخفت ولا يزال كم المنشور أقل بكثير جداً من كم الإنتاج، ولكن تقلصت المساحات المتاحة للنشر؛ مما أدى إلى ظهور هذا الإحساس. ففي مرحلة يوسف إدريس مثلًا كانت هناك مجلات "إبداع"، "الكاتب"، "المجلة"، وكانت تفرد مساحات واسعة لنشر فن القصة القصيرة.. فكان هذا تحديًا لكل قاص لكي يطور أدواته ويقترب مما يريد. وأضاف بأن القصة القصيرة لم تفقد ضراوتها ولا فتيانها ولا يزال جيل الستينيات يكتب القصة القصيرة لكن المتاح للنشر ضئيل جداً؛ مما أرجعنا للوراء.

بينما يرى الروائي فؤاد حجازي: إن من يدعي أن صوت القصة القصيرة قد خفت فقد أصدر حكماً متعسفاً؛ فلقد كانت أول معرفتنا بروائينا الكبار من خلال مجموعاتهم القصصية لنجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس ويحيى حقي وجاء من بعدهم جيل آخر أمثال يحيى الطاهر عبد الله صاحب مجموعة "ثلاث ثمرات" و"حديث في الطابق الثالث" لمحمد البساطي، و"أوراق شاب" لجمال الغيطاني، وبعدهم محمد المخزنجي الذي برع فيها بمجموعته "رشق السكين"، لكن لماذا صارت الرواية بعد ذلك في المقدمة فهذا ما يحتاج إلى تفسير؟ هل لأننا نعيش مرحلة انتقالية؟ أم تغير في المزاج الفني؟ فهل هي مسألة سوق وعدم توزيع؟ لذا يركز الناشر على الرواية، ربما تكون أحد هذه الأسباب, وربما كانت جميعها، لكن تبقى القصة القصيرة من الرهافة والكثافة الفنية. .

خدمة وكالة الصحافة العربية
(118)    هل أعجبتك المقالة (127)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي