أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العلمانية... بين مطرقة الإسلاميين وسندان العلمانيين

العلمانية تحت القصف الشديد، ولكن الظالم والعشوائي وغير المركز، من قبل الإسلاميين بشكل خاص والمتدينين بشكل عام.. وينبري للدفاع عنها علمانيون لا يقلون ظلما وعشوائية وقلة تركيز.

الجهل بالعلمانية هو سيد الموقف وهو القاسم المشترك بين الطرفين، والعلمانية تعاني من أنصارها العلمانيين بقدر ما تعاني من أعدائها الإسلاميين، حتى يكاد يستوي الطرفان في أذيتها.

أما عن الأعداء فعداؤهم يقوم على سببين، الأول اعتقادهم الراسخ أن العلمانية تناصب الدين العداء وتعمل على تهميشه والنيل منه، وهم بمهاجمتهم للعلمانية إنما ينتصرون لدينهم، والثاني اعتقادهم أن العلمانية صفة من صفات الأنظمة الاستبدادية السيئة السمعة والصيت، والتي تجلببت بالعلمانية وتحدثت باسمها على الدوام، وعلى رأسها النظام السوري، لذلك يرفضونها بحكم رفضهم لتلك الآنظمة.

أما المتعلمنون فيكاد ينحصر فهمهم للعلمانية بإبعاد الدين ورجالاته عن السياسة وإدارة شؤون الدولة، وكأن العلمانية ستكون بألف خير لمجرد ابتعاد رجال الدين عن التدخل في السياسة والشأن العام، كما أنهم يعتقدون أن الدين عدو ونقيض للعلمانية، فيتخذونه عدوا، ويتعاملون معه ومع معتنقيه على هذا الأساس.

أقول للأعداء أن أسبابهم في العداء للعلمانية ومهاجمتها غير صحيحة، وفيها الكثير من الظلم والتجني لأنها لا تستند إلى فهم عميق للعلمانية بقدر ما تستند إلى أقاويل وادعاءات ومظاهر معينة، فالعلمانية لا تعني الكفر، وهي ليست ضد الدين ولا تناصبه العداء، إنما تقوم على أن الدولة ومؤسساتها هي ملك لجميع المواطنين وفي خدمتهم جميعا وعلى مسافة واحدة منهم جميعا مهما كانت انتماءاتهم الأخرى، ومعيار الدولة هذا ثابت لا يتغير بتغير السلطات وأنظمة الحكم، وهو بعيد عن الصراعات والتجاذبات السياسية وغير السياسية.. ففرنسا دولة علمانية، وشعبها علماني بالكامل، رغم أن الفرنسيين يؤمنون بالله وكنائسهم ممتلئة بالمصلين، وعندما يذهب الفرنسي المسلم أو اليهودي أو البوذي لمراجعة مؤسسة حكومية فلا أحد يهتم لدينه، ولا أحد يهتم للون بشرته ولا لموقفه السياسي، فهو فرنسي وحسب.. وعندما يحكم الاتحاد الديمقراطي المسيحي ألمانيا (هو يحكم حاليا وترأسه أنجيلا ميركل) لا يتغير موقف موظف الدولة الألماني من مراجعيه المسلمين واليهود، ولا من مراجعيه من الحزب النازي أو حزب الخضر... 

كما أن ادعاء أنظمة الاستبداد بتبني العلمانية لا يعني أبدا أنها أنظمة علمانية، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فالأنظمة المستبدة لا تتورع عن استخدام أي أداة تساعدها على البقاء والسيطرة، وهذا هو حال الطغمة التي تحكم دمشق، والعلمانية بالنسبة لها مثل التقدمية ومثل المقاومة والممانعة ومثل مجلس الشعب ومثل حزب البعث والنقابات والمخابرات.. ومثل الفساد ومثل اللعبة الطائفية... كلها أدوات للتحكم والسيطرة على العباد وتدجينهم أو ترويعهم أو توريطهم أو إبعادهم.. ومن جانب آخر نجد أن هيمنة أنظمة الاستبداد على كل مقدرات الدولة والحكم يهدر أهم مبدأ من مباديء العلمانية وهو حيادية مؤسسات الدولة تجاه الناس والأديان والأحزاب والسلطات الحاكمة... وبهذا المعنى يكون نظام الحكم في سوريا، بهيمنته المطلقة على الدولة، من أكثر الأنظمة ابتعادا عن العلمانية وعداء لها.

العلمانية ليست موقفا من الأديان، ولا من أي فكر أو إيديولوجيا، إنما تقف على الحياد منها جميعا، كما أنها ليست إيديولوجيا منافسة للدين، وهي ليست إيديولوجيا أساسا، إنها مبدا يقوم على حيادية الدولة ويعلي شأن الحرية ويقيم الحد على التسلط والهيمنة من أي نوع كانت، ولا يعترف بجميع الفروقات القائمة على أسس دينية أو مذهبية أو سياسية أو اجتماعية، فتكون المواطنة هي المعيار الوحيد، ونكون بذلك أمام مجتمع أكثر استقرارا وانسجاما وأكثر قابلية للتمدن والتحضر. 

نأتي إلى العلمانيين، ومعظمهم من أصول يسارية، لنقول بشيء من الثقة أنهم كانوا أيضا أعداء للعلمانية وقدموا خدمات جليلة لأعدائها الإسلاميين، عبر فهمهم المشوه للعلمانية، وعبر تصرفاتهم وممارساتهم الحمقاء تجاه الأديان ومعتنقيها، فكان فهمهم للعلمانية يُختزل بإبعاد الدين عن السياسة والدولة، فتتحقق بذلك حيادية الدولة، وتنطلق بذلك عجلة التقدم والحضارة، ولم يدركوا أن مفهوم الحيادية هو مفهوم مطلق يقضي برفض اي نوع من أنواع الهيمنة والتدخل في شؤون الدولة ووظائفها، سواء كان المتدخل دينا أو إيديولوجيا أو سلطة حاكمة، ولم يفهموا أن تدخل الحزب الشيوعي أو القومي في شؤون الدولة يجرح العلمانية مثلما يجرحها تدخل الدين، فالعلمانية موقف من الدولة وحياديتها قبل أن يكون موقفا من الدين، ومن يرفض تدخل الدين في الدولة ويتغاضى بنفس الوقت عن تدخل الحزب الحاكم أو الإيديولوجيا المسيطرة إنما هو لا يعرف من العلمانية إلا إسمها.  

أما على صعيد الممارسة، فقد استخدم العلمانيون العلمانية كمنصة لمهاجمة الأديان، ولم يدخروا مناسبة إلا وسخروا فيها من الأديان، ووصموا المتدينين بالجهل والتخلف، ودفعوهم دفعا لكره العلمانية واتخاذ مواقف العداء منها.

أن تكون الدولة لا دينية حسب مبدأ العلمانية لا يعني أنها ضد الدين، بل يعني حصرا أن تكون بعيدة عن هيمنة أي دين، لكن يبقى من صلب واجباتها حماية الأديان والمعتقدات وتوفير المناخ المناسب لها لممارسة شعائرها. 

وكما أن العلمانية ليست ضد الدين، كذلك فإن العلماني ليس بكافر زنديق، وقد يكون تقيا ورعا، والقضية برمتها لا علاقة لها بالكفر والإيمان، إنما العلماني الصحيح هو شخص يؤمن باستقلالية مؤسسات الدولة وحياديتها تجاه الأديان والإيديولوجيات ويرفض كل أنواع الهيمنات، ويؤمن بحرية الآخرين وحقهوقهم المتساوية أمام القانون ومؤسسات الدولة استنادا إلى مبدأ المواطنة، ومن هذا المنطلق قد يكون هناك متدينون أقرب إلى العلمانية من معظم مدعي العلمانية من يساريين أو لادينيين.

تحمل العلمانية من الخير للدين بقدر ما تحمل من الخير للدولة، فغوص الدين في وحول السياسة سيؤدي إلى استغلاله من قبل السياسيين، واستخدامه كأداة لتنفيذ مآربهم، وبالتالي تلوثه وحرفه عن قيمه ومبادئه ورسالته الأخلاقية، وفي ابتعاده عن هذا المستنقع خير خالص له.. كما أن تدخل الدين في شؤون الدولة يعني التدخل في دستورها وقوانينها وأنظمتها وأدائها لوظائفها، مما سيدفعها للتخلي عن حياديتها تجاه جميع المواطنين، فيبدأ التمييز بينهم على أساس دينهم، الأمر الذي سيعزز من عوامل عدم الاستقرار في المجتمع، ويعمق الشروخ بين مكوناته، ويبعد المجتمع عن امتلاك ناصية العلم والتقدم والارتقاء.

من كُتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (114)

أحمد محمد

2013-12-21

يقع الكاتب في تناقض واضح و هو يدافع عن العلمانية. و الغريب أنه معجب بالتجربة الفرنسية لدرجة أنه استشهد بها فقال ففرنسا دولة علمانية، وشعبها علماني بالكامل، رغم أن الفرنسيين يؤمنون بالله وكنائسهم ممتلئة بالمصلين، وعندما يذهب الفرنسي المسلم أو اليهودي أو البوذي لمراجعة مؤسسة حكومية فلا أحد يهتم لدينه، ولا أحد يهتم للون بشرته ولا لموقفه السياسي، فهو فرنسي وحسب.. يبدو أن الكاتب لم يسمع بأن الحجاب ممنوع في الدوائر الرسمية و المدارس و أن المنقبة تسجن لعام كامل بسبب اعتقادها. بالمختصر نحن لم نر من العلمانية إلا محاربة الإسلام.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي