أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السلاح الكيماوي والمأساة السورية

دفع السوريون ثمناً غالياً، وغالياً جدا نتيجة امتلاك الأسد للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، لم يدر في سوريا نقاش في السابق حول جدوى امتلاكها وفائدة أن تصرف مقدرات الدولة السورية واقتصادها على مدى عقود من أجل تطويرها، وما الفائدة من استخدامها؟

إلى أن استخدم نظام الأسد لهذه الأسلحة ضد الشعب السوري الذي خرج مطالبا بالحرية منذ آذار 2011، وبالتالي سيكون الشعب السوري أول المستفيدين من تجريد الأسد لهذا السلاح الكيماوي.

ما أود طرحه هنا هو أن استخدام الأسد لهذه الأسلحة لا يدخل من باب جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية بل ربما يدخل في باب جرائم الإبادة بالمعنى القانوني والجنائي، فهي تدخل في هذا الإطار من جهة اتساعها وتكرارها ومن جهة ترتيب الإطار القانوني في تنفيذ الأوامر من القائد الأعلى للجيش ممثلا في الأسد الى أصغر عنصر في الجيش النظامي أو مليشيات الشبيحة، ولا تدخل كل هذه الجرائم في باب ما يسمى الإبادة الجماعية أو Genocide التي غالبا ما تطلق قانونيا على تلك الجرائم التي تستهدف عرقا معينا بهدف القضاء عليه ومحوه من الوجود، وكان هذا التعبير وما زال محل جدال قانوني كبير وخلاف بين رجال القضاء والقانون، فالبعض يعتبر ما جرى في دارفور جريمة إبادة جماعية، لكن آخرين يرون أنها كانت جريمة ضد الإنسانية وليست جريمة إبادة، ونستطيع أن نستغرق في كل الجدل القانوني حول كل جرائم الإبادة التي سجلها التاريخ.

ما أريد التوقف عنده هنا هو تحليل الدوافع القانونية والتي تثبت أن الأسد يمتلك الشخصية التي تدفعه لارتكاب جرائم الإبادة مستدلا ذلك على حادثتين: 

الأولى استخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا في الغوطة الشرقية، فإذا قرأنا تقرير سيلستروم أو فريق الأمم المتحدة للتحري عن استخدام الأسلحة الكيماوية فإنه يكرر أكثر من مرة عبارة designed to cause maximum suffering to the Syria people أي إن الضربات باستخدام السلاح الكيماوي صممت كي تسبب معاناة قصوى للشعب السوري، فقد أطلقت الصواريخ المحملة بالسلاح الكيماوي في الساعة الثانية والنصف منتصف الليل تقريبا، بحيث يكون هناك شبه سكون في الرياح حتى لاتتشتت الغازات السامة، كما إن كل الأهالي والمدنيين كانوا نياما، ما زاد فرص وفاة عائلات بأكملها وعدم قدرتهم على النجاة، وقد جرى استخدام الصواريخ في منطقة مكتظة بالسكان المدنيين وبعدد كبير مما أدى إلى مضاعفة أعداد الضحايا من النساء والأطفال بشكل هائل، وبالتالي كانت الضربات مصممة بهدف قتل وإبادة كل السكان المدنيين في المنطقة وهي تثبت بكل تأكيد النية المبيتة للأسد في ارتكاب فعل الإبادة بحق السكان المدنيين.

وبنفس الوقت وكما يضيف التقرير فإن كثافة غاز السارين المستخدم تظهر بدون شك نية مستخدم السلاح الكيماوي إيقاع الأذى الأكبر ضد السكان المدنيين القاطنين في تلك المنطقة، والذين لا يمتلكون أي خبرة فيما يتعلق بتجنب أو معالجة آثار هذا الاستخدام، فعندما سمع الأهالي بوقوع الضربة بدأ السكان يصرخون، وبدل صعودهم إلى الأعلى لتجنب الآثار الكثيفة لغاز السارين المستخدم اتجهوا نحو الملاجئ، وهو ما زاد عدد الضحايا بشكل كبير خاصة من الأطفال والنساء الذين كانوا بالأصل نياماً، وقد استمعت إلى شهادة أحد الناجين من المجزرة، وأخبرني أنه فقد 40 شخصاً من عائلته. 

أما الحادثة الثانية فهي السياسة الجديدة التي بدأ يتبعها الأسد في حصار المدن "الجوع أو الركوع"، كما في المعضمية وداريا وحمص المدينة والغوطة الشرقية، والتي أدت لوفاة عدد من الأطفال جوعا، بسبب منع كل المساعدات الإغاثية أو الإنسانية من الدخول إلى المدن المحاصرة، بما في ذلك الطحين وكل أنواع الغذاء الأساسية، وهذه تعد بكل تأكيد سياسة منهجية في تجويع المدنيين وإجبارهم على الخضوع و الاستسلام أو مواجهة الموت بسبب نقص الغذاء والدواء، كل ذلك يظهر حس الإبادة لدى الأسد والنية المتعمدة في ارتكاب هذه الجرائم حتى لو أدت الى إبادة سكان المنطقة بأكملها. 

إذن يمكن إثبات نية الأسد في ارتكاب جرائم الإبادة هذه بحق الشعب السوري ويمكن الرد من خلالها على من شكك باستمرار بأن الاسد يملك غريزة الإبادة، بل إنه لايستبعد استخدامها بشكل أوسع في الشهور القادمة اذا لم يضع له حد ينهي المأساة السورية. 

ومن هنا تعود قضية التدخل الإنساني في سوريا إلى الواجهة، بسبب ازدياد عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير وتضاعف عدد اللاجئين.

لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين في ضوء مذاهب ومبادئ القانون الدولي المطبق مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصارا باللغة الانكليزية (R2P). ومنذ بداية الثورة السورية في آذار 2011 قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 150000 شخص. ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في يناير 2012 فإن القوات الحكومية في سوريا هاجمت المدنين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بالمدفعيات، ونشرت القناصين وأغارت بالطائرات المروحية والحربية على الأحياء السكنية، بل استخدمت الصواريخ الباليستية في قصف تلك الأحياء، كما قامت بتعذيب المحتجين الذين تم اعتقالهم، وكل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

مسؤولية الحماية: هو مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويمثل هذا المبدأ تطوراً عميقاً في الطرق التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر الدولة متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية.

واعتبرت سوريا غير ملتزمة بالواجب المكلفة به بموجب مسؤولية الحماية عندما قامت بشن الهجمات المستمرة على المدنيين العزل دون أي شروط أو قيود. وبذلك تنتقل مسؤولية حماية المواطنيين السوريين العزل إلى المجتمع الدولي.

في تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: "تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية سكانها –بغض النظر إن كانوا يحملون جنسيتها أم لا- من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة". ثانياً: يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتهم الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إن ظهر بشكل واضح فشل دولة في حماية شعبها. فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك بشكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد على الفصول السادسة، والسابعة، والثامنة من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى بدون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

ما يحصل في سوريا من حرب ضد المدنيين يوافق معايير مبادئ مسؤولية الحماية للتدخل الإنساني. وتعدى الأمر في سوريا حماية المواطنين فحسب، حيث قام رأس النظام بشار الأسد بمهاجمة الأحياء السكنية بصورة كثيفة باستخدام الدبابات، والمدفعيات، والطائرات المروحية المقاتلة.ثم استخدام الصواريخ البعيدة المدى وأخيراً استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، ويقع الآن على مجلس الأمن واجب الأخذ بعين الاعتبار خيارات أكثر حزماً وقوة بعد فشل الخيار السلمي في حماية المواطنين. وعلى الرغم من أن خيار إعطاء الإذن لمجلس الأمن بالتحرك لمعالجة الملف السوري هو الأنسب، إلا أنه يبدو أنه مستحيل سياسياً.

وبالنظر إلى الظروف الملحة التي تتطلب تحركاً فورياً يحق للمجتمع الدولي أن يتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب السوري تحت مبدأ مسؤولية الحماية. فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين ضمن تحالف دولي يشكل من خارج إطار مجلس الأمن وربما تحت مظلة أصدقاء الشعب السوري.

من كُتاب "زمان الوصل" - مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية
(112)    هل أعجبتك المقالة (118)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي