أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشجرة والحارس: حكاية بلد وثورة ... محمد عالم

يحكى أنه كانت هناك قطعة أرض فيها شجرة عظيمة يملكها مجموعة من الأشخاص كانوا يطلقون عليها اسم (سوريانا(، وكانت ثمار هذه الشجرة تسر الناظر ومحصولها يدرّ لهم الخير الكثير والربح الوفير. وكان ينصّب جهد هؤلاء الأشخاص كله في الاعتناء بها، وكانوا فرحين جداً بها، يتنعمون بخيراتها ويتفيؤون ظلالها. 

وكان مستوطنو قرية (فالسطون) المجاورة والمحاذية لهذه الشجرة يعتقدون أنها من نفس بذرة الشجرة التي أكلت منها حواء، فكانت سبباً لهبوط الجنس البشري من الجنة، وذلك حسب ما أخبرهم به مخاتير هذه القرية المتعاقبين. وكانوا يقولون لهم: يجب علينا التخلص من هذه الشجرة لدرء مخاطر زراعة أشجار أخرى من بذور ثمارها على أطراف قريتنا فتصيبنا أيضاً لعنة أبدية في الحياة الدنيا.

وفي يوم من الأيام قام مستوطنو قرية (فالسطون) بإرسال رجل إلى أصحاب هذه الشجرة، فجاء الرجل ومعه عصبة من الأشخاص كان الشرر يتطاير من عيونهم. قاموا بتهديد أصحاب شجرة (سوريانا) بقوة السلاح لبناء مسكن لهم ولمتزعمهم بجانبها، وأجبروهم على التخلي عنها بحجة تأمين حمايتهم من مستوطني (فالسطون)، وقالوا لهم: إن هؤلاء المستوطنون المجرمون يكيدون لكم ولشجرتكم ولهذه الأرض كيداً، لذلك سنقوم نحن بحماية هذه الشجرة والاعتناء بها، وسنعطيكم حصة كافية من ثمارها ومردود محاصيلها، ولكم أن تزرعوا ما تشاؤون في محيطها من خضروات دون أشجار الفاكهة كي لا تحجبوا رؤيتنا ومراقبتنا لمستوطني (فالسطون)، وإن من يقترب من هذه الشجرة سيتعرض للضرب حتى الموت.

سلم أصحاب الشجرة بالأمر المقدر والقضاء المسطر، وعلى الفور أمر الرجل أعوانه ببناء بيت له أمام تلك الشجرة، وقال لهم: أريد للبيت شرفة أستطيع من على كرسيي الهزاز فيها قطاف الثمار. وعلى مدار سنين طويلة كان الرجل وأعوانه يجنون من ثمار تلك الشجرة ويأكلون مما لذ وطاب منها، وكان أعوانه سنوياً يقومون ببيع محصولها وبإيداع المال في خزائن زعيمهم وخزائنهم دون أن يمسّ جزء منه جيوب أصحاب الشجرة الأصليين، وكان الرجل في كل مرة يقول لهم: إننا ندخر المال لزيادة تحصين الأسوار المحيطة بالشجرة لرد كيد الكائدين والمعتدين من مستوطني (فالسطون) المحاذية. وكان كل ما يحصل عليه أصحاب الشجرة الأصليين هو القليل القليل مما يتساقط من ثمارها فقط.

ومع مرور الزمن، كان اهتمام الرجل وأعوانه بمردود الشجرة المادي يزداد..واعتنائهم بها يقلّ، كما أنهم فرضوا على أصحابها الأصليين ضرائب لا يحتملوها على زراعة خضرواتهم حولها فاضطروا للتوقف عن الزراعة. فقدت الشجرة الكثير من نسغها وسماد تربتها فتيبست وتشققت، ولكن أغصانها اليابسة كانت تمتد بشكل عجيب باتجاه شرفة هذا الرجل أسبوعاً بعد آخر. 

وفي أحد الأيام طلب الرجل من أعوانه قطع هذه الأغصان، ولكن في كل مرة كانت أغصانها اليابسة تتجدد باستمرار، وكأن تقطيعهم لهذه الأغصان كان يجعلها تشب وتقوى. وذات مرة طلب الرجل من أعوانه قطع الشجرة والتخلص منها نهائياً..فقاموا بذلك مراراً وتكراراً لكنها كانت تستعصي على فؤوسهم في كل مرة، وكأنها كانت تستمد قوتها من حرقة أصحابها الأصليين وألمهم.

تعجّب الرجل من حال هذه الشجرة، فشكى ذات مرة ما هو فيه إلى أصدقائه، فقالوا له: دعنا نجرب القيام بربط أغصانها نحو الاتجاه الآخر، وبهذا فإنها ستنمو في ذاك الاتجاه فيبتعد عنك الأذى. وقاموا من فورهم لتنفيذ الفكرة، لكنهم وجدوا أن الأغصان قد قست وغلظت وباتت تستعصي على التطويع. جن جنون الرجل هنا وقال: أريد الآن حلاً لهذه الشجرة اللعينة التي باتت مصدر إزعاجي الوحيد، لا بل لعنتي وسقمي...فأشار عليه أحد الأصدقاء هامساً: يؤسفني أن أقول لك أنه ينبغي عليك أن تنقل مكان إقامتك، وإلا فإنك ذات صباح ستفتح باب شرفتك لتجد أن أحد غصونها قد استقر في إحدى عينيك!

 أكاديمي وكاتب سوري

(135)    هل أعجبتك المقالة (135)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي