إذا قدر لهذه الجمعة أن يتمثل الثوار والمجاهدون شعارها، ويلتزموا به، فإن التاريخ سيذكر هذه الجمعة كمفصل يؤرخ به، لمرحلة ما قبل "نقل المعركة إلى مناطق الاحتلال الأسدي" كما سميت الجمعة، وما بعدها.
والعامل الرئيس في مفصلية هذه "النقلة" إن حدثت، ليس ردع النظام وضرب "خزانات" شبيحته البشرية، ولي ذراعه بقوة وتمريغ أنفه وسط حاضنته، رغم أهمية هذه الخطوات.. ولكنه المفصلي هو خروج "الأكثرية" من قمقم "الطائفية فوبيا"، التي كانت أقليات الداخل ودول الخارج تلوح بها في وجه هذه الأكثرية وتُشهرها فوق رؤوس أفرادها كالسيف، كلما هموا بعقاب النظام ببعض ما يعاقبهم به احتكاما لقواعد الشرع، أو على الأقل باتخاذ رد فعل يمثل ولو 10 بالمئة من "فعل" النظام، تمشيا مع جزء من المسلمة العلمية التي تقول إن لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه.
وبهذا المعنى سيكون "نقل المعركة إلى مناطق الاحتلال الأسدي" نقلة تاريخية أكثر منها ميدانية؛ لأنها تعني أن الأكثرية في سوريا قررت أخيرا حرق جميع مراكبها، ونسف كل جسورها، مع أقليات لاتكترث للمقتول بل وتساند القاتل، ومع "مجتمع دولي" لا صوت يعلو في أروقته وسراديبه فوق صوت التخاذل.
قد يظن البعض أننا نتمنى إحراق هذه السفن أو نسف تلك الجسور، ونفرح بهذا الفعل، لكننا في الحقيقة نوصف بدقة دون أي مواربة أو تلط خلف الألفاظ، ما كان يحذر منه السوريون الذين فاق صبرهم الجبال، وآن لهم أن يشهروا غضبهم في وجه اللامبالين والمتخاذلين في الداخل والخارج، كما أعلنوه من قبل في وجه النظام، الذي قضى بوحشية فساده وإجرامه على كل جميل في سوريا.. أفَيُلام الحليم إذا غضب، أو يستغرب من مدى غضبه بعد سنوات من الصبر والمصابرة يعجز عن وصفها الكلام؟
إن خروج أكثرية سوريا من قمقم "الطائفية فوبيا"، لايعني أنها ستبغي أو تجرم مقتدية بالنظام، فهذا ما لاتقبله الأكثرية نظريا، ولا يمكن له أن يسري عليها منطقا، لأن الأكثرية تعرف باطمئنانها البالغ -الذي يصل إلى حد الغفلة كما في سوريا-، وهذا الاطمئنان يورث الدعة والتسامح.
وليعذرني القارئ إن ذكرت مثالا شخصيا حدث معي، فقد خرجت في إحدى أمسيات بداية الثورة من صلاة المغرب في أحد مساجد دمشق، وكنت على موعد مع "لمّة" تضم أطيافا من الشباب الثائر، بينهم شاب مسيحي، فلما عرفني صديقي إليه، قلت له ممازحا: لماذا لم تكن معنا في صلاة المغرب، أليس شعار ثورتنا "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"؟!، فدهش ولم يحر جوابا، فزدت جرعة المزاح قائلا له على ما أذكر: لابد لك أن تصلي معنا، فنحن الأغلبية في هذا البلد والقرار قرارنا، فزادت حيرته، لاسيما أنه لم يكن يعرف عني وعن "مزاحي الثقيل" من قبل، وعندها أدركت أن الشاب "استوى"، فقلت له بلهجة مطمئنة: يا صديقي لا تقلق، فقد كنت أمزح، وحتى إن كنت جادا فعليك أن تدرك أن من صفات الأكثرية عندما تتولى السلطة أنها تحكم ولا تتحكم (كالأقلية غالبا).
إنها تاء واحدة بين "تحكم" و"تتحكم"، ويا لها من تاء دفعنا ثمنها نحن السوريين غاليا.
إيثار عبد الحق - من أسرة "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية