"ثورية" المفتي حسون

من سخرية الأقدار أن يطالب مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد حسون بإلغاء مادة التربية الدينية من المناهج التعليمية وإحلال مادة الأخلاق والتربية الوطنية بدلاً منها، في الوقت الذي يقف به "مهاجر" ليبي ينتمي لـ"داعش" داخل حرم جامعة الاتحاد الخاصة واعظاً أهل الرقة بضرورة التزام نسائهم وبناتهم باللباس الشرعي، وإلا فعقاب "الدولة" سيكون لهم بالمرصاد.
قبل الثورة بسنوات ظهرت في الساحة السورية أصوات تطالب بذات ما جاء به المفتي مؤخراً..يومها قامت الدنيا ولم تقعد، وجوبه أصحاب هذه الدعوة من صحفيين ونشطاء مجتمع مدني وحقوقيين بالتسخيف والتسفيه والمحاربة سواء على المنابر أو حتى في وسائل الإعلام..وكانت حجة أصحاب المؤسسة الدينية بأن تنحية هذه المادة أو حتى استبدالها بمادة عن الأخلاق العامة التربية سيفتح الباب للطائفية والانحلال ورفض الآخر..يومها اكتفت الدولة ممثلة بوزارة التربية بالصمت.
وبعيداً عن طريقة تدريسها التي تعتمد الوعظ، والفصل بين الطلبة وفقاً لانتمائهم الديني بطريقة فجة تتناقض مع أسس العملية التربوية، بقيت هذه المادة غير مفهومة، فهي مادة مرسبة وبذات الوقت لا يحسب مجموعها في محصلة الطالب في القبول الجامعي إلا إذا أراد الانتساب لكلية الشريعة، ورغم مجموعة القرارات التي قامت بها الدولة السورية قبل عدة سنوات على طريق "العلمنة" منها استبعاد المنقبات من السلك التعليمي وإلغاء المظاهر والرموز والطقوس الدينية من أماكن العمل أو المقاهي أو حتى السيارات الخاصة، لكن بقيت كتب التربية الدينية بعيدة كل البعد عن هذه القرارات وأكثر من ذلك تم اعتبارها "انعكاسا دقيقا وأصيلا لقيم المجتمع السوري، انطلاقاً من العلاقة الوثيقة بين العروبة والإسلام" وفق تعبير وزير التربية أمام البرلمان آنذاك، رغم أن الجميع يدرك بأن الدولة لم تكن يوماً علمانية ولن تستطع، ولم تكن في يوم من الأيام تعنى بالإنسان كي تعنى بالعروبة أو الإسلام..لكنها أجادت دوماً تحريك الأصابع أو قطعها متى شاءت المصلحة.
بغضّ النظر عن الأسباب التي دعته لذلك أو إذا كانت الدعوة من تلقاء نفسه، وبغضّ النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا السياسي والأخلاقي مع الرجل، ولكي نكون منصفين لابد من القول إن المفتي حسون في هذه النقطة بالذات كان "ثورياً" بما تحمله كلمة ثورة من معنى حقيقي يهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في بنية المجتمع، وسيذكر التاريخ أن رجل دين مسلما سنيا تصدى لما توقف نشطاء المجتمع المدني عن المطالبة به لانشغالهم بلملمة جراحهم أو لتغييبهم عن الساحة قتلاً وخطفاً وتهجير سواء من قبل السلطة الأمنية أو القوى المسلحة التي باتت تسيطر على المناطق التي اعتاد النشطاء وصفها بـ "المحررة"، ومن سخرية الأقدار كذلك أن يواجه كثير من أبناء الثورة ما أدلى به حسون بالتسفيه والسخرية والمحاربة..لكن بلا شك ما دعا إليه الرجل هو نقلة من النقلات التي كان مجتمعنا بأمسّ الحاجة إليها...فكرة تأخرت دهراً وجاءت في الزمن القاتل، ومن الطريف أنها جاءت على لسان ذات الرجل الذي هدد يوماً عواصم الغرب بوجود الاستشهاديين على أراضيها.
من كُتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية