"زمان الوصل" فسط حلب...الناس بين فسطاطين وللموت أكثر من معبر

مقاتل من لواء التوحيد يستهدف قوات الأسد في حلب... - رويترز

قصف ونسف.. وليل يخفي في جوفه خاطفين "مجهولين" على الأقل بالنسبة لذاك الشعب الذي يرزح ومنذ عامين تحت وطأة ارتفاع الأسعار الجنوني، وغياب الكهرباء والماء والحاجات الأساسية، هي ذي حال حلب المدينة.. التي تشظّت مؤخراً عسكرياً تحت وطأة سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" للجزء الشمالي للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام وبشكل مفتوح ممتد حتى الحدود التركية تقريباً.

قصة مدينتين..
منطقتان متداخلتان يفصل بينهما معبر "الموت" كما يسميه أهل حلب، الشرقية والغربية، ليس الاسم دقيقاً تماماً، فالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام تشغل الجزء الشرقي بشكل كامل بالإضافة إلى الجزء الجنوبي فيما عدا الجنوبي الغربي في "الحمدانية"، وأيضاً المناطق الشمالية في "بني زيد"، وأجزاء من حيي "الشيخ مقصود والأشرفية".

وما حدث من تقسيم لتلك المدينة حمل ومنذ بداية دخول الجيش الحر إليها جملة من المصاعب التي تخضع في غالبية الأحيان إلى متغيرات السياسة، ومزاج قناص، ومراوغة هيئات وجهات أنشئت في الثورة، بل امتدت أيضاً لتخدم أيضاً أمزجة ومصالح المهربين بين المنطقتين.

تشكَّل معبر بستان القصر في المنطقة التي تقع جنوب منطقة "المشارقة" الخاضعة لسيطرة النظام، تشكّل تلقائياً مع تعذر المرور من أية شوارع أخرى بين المنطقتين (الحر والنظامي) بسبب تحوّلها إلى جبهات عسكرية، وخضع هذا المعبر لتغير دائم في إدارة دفته مع تغير الجهات التي تسيطر عليه في منطقة بستان القصر.


فُتح المعبر وأغلق عشرات المرات لأسباب مختلفة كان آخرها التهريب الذي كان (ومازال) يتم بين المنطقتين، حيث يقوم المهربون بتمرير المواد الغذائية والمحروقات التي منعتها الهيئة الشرعية من المرور إلى جهة سيطرة النظام، خاصة في تلك الفترة التي انقطعت السُبل بمناطق النظام تمثّل بحصار اقتصادي رفع أسعار كلّ شيء خاصة المواد الغذائية إلى أضعافٍ مضاعفة.

مؤخّراً فتحت الهيئة الشرعية التي تدير أمور المناطق الخارجة عن سيطرة النظام المعبر بعد إغلاق طويل دام لأيام أحدث شَرخَاً كبيراً خُصوصاً لأولئك الذين تشرّدوا بين طرف النظام وطرف الحر.

وبدأت الهيئةُ الشرعية فتحها للمعبر في 17 من الشهر الماضي وحددته من الساعة 10 حتى 12 ظهراً وللحالات الإنسانية فقط، مالبثت أن وسعت التوقيت ليصير حتى 2 ظهراً وشيئاً فشيئاً عادت الأمور إل ما كانت عليه سابقاً، فتح المعبر بشكل كامل للمشاة حتى مع البضائع، ولوحظ أن اليوم الاول فقط لفتح المعبر لم يشهد أية حالة قنص، فيما استمرت تلك الحالة مع بدء اليوم الثاني، وماتزال حتى الآن حيث يسقط يومياً شخصان بمعدل وسطي برصاص القناص.

ورغم ذلك يشهد المعبر اليوم اصطفافاً لـ أكثر من 50 عربة نقل تنتظر الإذن بالعبور من وإلى بستان القصر.

*أول الأحياء تحريراً وآخرها على لائحة "الدولة"
تقابلك "بستان القصر" مباشرةً بعد قطعك للمعبر أول ما يطالع المرء بعيد العبور حاجز أول أغلق الشارع بكامله وترك فتحتين صغيرتين من اليمين واليسار لعبور المشاة الذين غالباً ما يسقط منهم قتلى قبل الوصول إلى ذلك الحاجز برصاص قناص يقول نشطاء المعارضة إنه من طرف النظام (قناص القصر البلدي، وقناص الإذاعة) فيما يذهب المدافعون عن النظام إلى اتهام الحر بذلك.

بعد عبور هذا الحاجز الذي شهد ازدحاماً هائلاً في الأيام الأخيرة يصادفك حاجز آخر مكون من حافلتي نقل عام وضعتا فوق بعضهما البعض وترك الجانب الأيسر من الطريق مفتوحاً لعبور المشاة، ويلاحظ الكمية الهائلة لآلاف الرصاصات على الحافلتين واللتين يبدو أنهما عاشتا أجواء ساخنة كثيفة.

وبعد العبور تأخذك جلبة الباعة وأصوات سائقي سيارات الأجرة والتي تنادي المارة في مشهد يذكرك بشكل كبير بكراج الراموسة أو كراج حرستا في دمشق، أو حتى المعابر الحدودية بين البلدان، كما تلاحظ الانتشار الشديد لباعة الخضار والمأكولات والبسطات التي تبيع الأشياء الصغيرة كـ القداحات والدخان والحلوى..الخ.

ويكاد يكون الخروج من تلك المنطقة للسيارات التي دخلت من المناطق الأخرى شبه مستحيل بسبب الازدحام غير الطبيعي، لتطالعك فور العبور لافتة كتب عليها "يمنع اصطحاب المواد الغذائية والمحروقات وحليب الأطفال واللحوم" (طبعا العبارة موجهة للذين يريدون الخروج من المنطقة إلى مناطق سيطرة الجيش النظامي).

تميزت بستان القصر بنشاطها السلمي المدني، وكثرة وجود الناشطين فيها، خاصة أولئك الذين يتهمهم تنظيم "الدولة" بـ "العلمانية"، مصطلح انزاح لغوياً تماماً وبات يعني "الكفر"، كثرة الناشطين وتوزع النشاط المدني كل ذلك جعلها مقصداً للصحافة الأجنبية في بداية الحراك، إلا أن تنظيم الدولة لا يخفي نيته بـ "تحريرها" كما يقول ناشطون، إذ م زالت تعتبر حتى الآن خارجة عن سيطرة التنظيم بالرغم من دخول "الدولة" إليها عبر دوريات بشكل مؤقت.

يقول نشطاء من بستان القصر إن الهيئة الشرعية التي تدير جميع الأراضي المحررة، لا تستطيع الوقوف بوجه "الدولة" وإنما تطبق قراراتها على المدنيين في الغالب وفي أمور تعتبر من الجزئيات التي لا معنى لها سوى أنها تصنف بخانة "ضد المواطن".


ويستشهد هؤلاء مثلاً بقيام الهيئة مؤخراً بجباية مبالغ مالية من أصحاب البسطات بحجة تنظيم الشارع، وأشيع بين العامة أن أجر البسطة الواحدة 250 ليرة، بينما ستكون للمحلات 500 ليرة، الأمر الذي تسبب باشتباك بين بعض الباعة ودورية من الهيئة أدى إلى استشهاد طفلة ومقتل رامي "دوشكا".
وتعتبر الدولة الإسلامية منطقة بستان القصر "علمانية" رغم عدم وجود أي شيء يدل على ذلك، سوى أن الأنشطة المدنية فيها كثيرة ويتجّمع فيها الناشطون الذين تطغى أفكار التجديد والثورة عليهم.

ويدورحديث دائم عن بستان القصر كونها على لائحة الانتظار في أن تفتح على يد الدولة، كون الأخيرة، سيطرت على أماكن أخرى وسمت ذلك "فتحاً".

"الدولة"
في استمرار دائم، تسيطر الدولة الإسلامية في العراق والشام على معظم المناطق "المحررة"، وتمتد تلك السيطرة حتى الريف الشمالي وصولاً إلى "كفر حمرة" و بلدة "حريتان" الاستراتيجية من حيث وصلها "حلب" بالريف الشمالي والغربي.

ومن منطلق أن الاشتباك العسكري هو من يولد الحدود، فلا حدود واضحة لسيطرة "الدولة" في الأحياء المحررة، إذ تتداخل مناطق النفوذ بعضها ببعض، والاشتباك الأبرز مؤخراً ورسم حدوداً فعلاً، هو الاشتباك والمطاردة التي قام بها عناصر من تجمع "فاستقم كما أمرت" أثناء عملية مطاردة عناصر من الدولة كانوا اعتقلوا الناشط "أحمد بريمو" أدت إلى إصابة عنصرين أثناء الاشتباك مما دفع تجمع "فاستقم" إلى وضع حاجز عند دوار الصالحين.

كما يأتي اشتباك الدولة مع مقاتلي "خالد حياني" في لواء "شهداء بدر" في منطقة الشيخ مقصود والخالدية، في نفس خانة رسم الحدود لمناطق السيطرة، ولا تخلو المناطق التي لم تدخلها "الدولة من مكتب دعوي أو حتى مقر صغير كما في "الكلاسة" أو في القرى الصغيرة في الريف الشمالي.

الكهرباء نسفت من القاموس.. والماء "تخبئها"
بهذا العنوان يصف "عبد الله" أحد سكان حيّ الفردوس الوضع الحياتي، فالمناطق التي ترى الكهرباء لمدة ساعة أو ساعتين في الأسبوع، هي من الأحياء المحظوظة.

والساعة هي عبارة عن 45 أو 50 دقيقة، يقول "عبد الله" متهكّماً.

وتلعب سيطرة"الدولة" في الفترة الأخيرة على المحطة الحرارية دوراً بارزاً في مشكلة الكهرباء، إذ كان الوضع قبل تلك السيطرة متمثلاً باتفاق بين النظام والحر عبر وسيط (مبادرة أهالي حلب) يقضي بأن يؤمن الحر الوقود، في حين يشرف النظام على تشغيل المحطة، الأمر الذي نسف بعد سيطرة الدولة على الأخيرة.

يقول "عبد الله" بتنا تخزن كميات من الماء، فلا تعرف متى تقطع، خاصة مع غياب الكهرباء، وباعتبار أن المضخات غالباً تحتاج الكهرباء فقد شهدنا انقطاعات متكررة مؤخراً، الأمر الذي يجعل الوضع متأزماً.

وساعد استقرار سعر الدولار في حدود الـ 145 إلى 150، بتحقيق نوع من الارتياح بما يخص الأسعار، التي تبقى أكثر بعشرة أضعاف عما كانت عليه قبل الأحداث، فيما تستمر المحروقات بالارتفاع كما اشتد الشتاء.

بانوراما جبهوية..
تميزت الفترة الأخيرة الممتدة منذ أشهر في مدينة حلب، إلى حالة استرخاء تام في الجبهات الداخلية، وإن صح التعبير فإنها كذلك منذ دخول الحر قبل عام نصف تقريباً، فجميع المناطق التي سيطر عليها الحر في البداية هي ذاتها اليوم، لم يتقدم فيها شبراً واحداً، بل حتى أنه تراجع في بعض المناطق كـ الإذاعة، الجديدة، ثكنة هنانو (سيطر عليها ليومين فقط)، الصاخور (بعد القبض على حسن جزرة)، ويعزو نشطاء ذلك إلى التشتت في القيادة واختلاف الإديولوجيات بين الكتائب، ولو كانت في غالبيتها ذات توجه إسلامي.

ولا يمكن التكهن مستقبلاً بما ستكون عليه الحال كون جميع المتغيرات العسكرية والاقتصادية والسياسية مرهونة بـ بما يخاط بـ "كاريدورات" السياسيين والاجتماعات الدولية، ويترقب الجميع "جنيف2" عاقدين أملاً ولو كانوا يعرفون أنه في الغالب سيكون واهياً، لإيجاد مخرج يعيد لهذه المدينة ضجيجها وألقها السابقين.

عابد ملحم - حلب - زمان الوصل
(106)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي