قال الناقد السوري أدونيس إنه علوي بالولادة، لكنه لايملك "مشروعا علويا"، متجنبا كالعادة تحميل أي جزء من المسؤولية لنظام دمشق عن الجرائم التي يرتكبها، ومحاولا تبرئته وإظهاره في صورة المغلوب على أمره لأن "اللعبة تخطت هذا النظام"، كما إنه لا يوجد من يتخلى له بشار عن الحكم، إذا أراد التخلي!
وفي حوار مطول أجرته معه جريدة النهار اللبنانية، ألصق "علي أحمد إسبر" (أدونيس) كل تهمة الوحشية بالثوار وبدينهم، قائلا: "لم أكن أفكر أو أتصور أن مواطناً سورياً وعربياً يبقر بطن امرأة حبلى، ويخرج الجنين، ثم يقتلها. لم أكن أتخيل أبداً أن يأتي واحد، باسم الثورة والدين، ويذبح إنسانا باسم الله الرحمن الرحيم، ويقطعه ويضعه في كيس، ويرسله إلى أهله. كان الأمر مفاجئاً لي، لم أكن اتخيله. هذا يؤكد أننا كنا قاصرين في فهم عقلية شعبنا، وفي فهم وضعه، وفي فهم الصراع الدولي. كنا قاصرين في التحليل، لعل هذه التجربة تساعدنا لنكون أوسع نظراً، وأعمق في التحليل".
واللافت أن ماقاله "أدونيس" هنا يشابه بل يكاد يطايق ما قاله بشار مرارا، عن ضرورة إعادة فهم المجتمع السوري، الذي أنتج كل هذا "الإرهاب"، ولكن اللافت أكثر أن هذا المجتمع الذي انتقده أدونيس ووصمه بالوحشية، هو نفسه الذي عاد لامتداحه في نفس اللقاء عندما قال: "الشعب السوري يقاتل من أجل الحرية والكرامة وهو شعب متقدم جداً"!!
وبالعودة إلى الحوار، سألت "النهار" "أدونيس": من يقومون بهذه الأعمال الوحشية ليسوا سوريين، بل غرباء من أصقاع الأرض؟، فكان جوابه: ولكن يسكت عنهم الجميع، ولا يستنكرون أعمالهم.
وعندما سأله المحاور: ما النداء الذي توجهه إلى النظام السوري، وأنت تنتمي إلى المذهب الديني نفسه، من أجل انقاذ ما تبقى من سوريا؟
رد "أدونيس": "هناك تصحيح، أنا ولدت علوياً، ولكن ليس لدي أي مشروع علوي. الإنسان يكون طائفياً، إذا كان لديه مشروع طائفي. الإنسان ليس مسيحياً أو سنياً أو علوياً أو شيعياً بولادته. الإنسان يكون سنياً أو شيعياً أو مارونياً بمشروعه. أنا منذ طفولتي ضد الطائفية، وفي الحزب السوري القومي الاجتماعي، هذه مسألة مفروغ منها كليا. وأنا ضد الأديان، بمعنى المؤسسة، لكنني مع المؤمنين واحترم إيمانهم الديني كاملاً. لست ضد الدين والإيمان الفردي إطلاقا، لكنني ضد الأديان المسيَّسة، والتي تفرض نفسها كمؤسسات على المجتمع".
"النهار": وما النداء الذي توجهه إلى النظام في سوريا؟
"أدونيس": "هل المسألة باتت محصورة في النظام؟ أعتقد أن المسألة تخطته إلى لعبة استراتيجية كبرى للقوى الكبرى، وأظن أن النظام أصبح هو أيضاً جزءاً من اللعبة.
"النهار": وأي نداء توجهه إلى الاطراف المتقاتلة، وإلى الشعب السوري لإنقاذ بلده؟
"أدونيس": حتى الآن الشعب السوري، ككتلة شعبية، لم يدخل المعركة. هاجر، وترك بيته، وتشرد، لكنه لم يدخل عمقياً في ما يدور في سوريا الآن. لا توجد كتل شعبية تسمى بكتل ثورية.
النهار: من يحارب إذن في سوريا؟
"أدونيس": هناك مسلحون مدعومون بالمال وبالسلاح وبكل ما يريدون. هذا أمر معروف. وإيديولوجيتهم دينية. الشعب السوري ليست عنده إيديولوجيا دينية، بل هو يقاتل من أجل الحرية والعدالة، لكنه لا يقاتل من أجل اقامة نظام ديني أو إمارة دينية. الشعب السوري متقدم جداً".
هل ما تقوله يعطي النظام السوري مبررا لاستعمال الطيران والقتال بهذا الشكل العنيف؟
"أدونيس": كلا أنا ضد هذا الأمر. هناك الآن طرفان: واحد يهاجم، وآخر إما يستسلم او يهاجر. ثم لنفرض أن النظام يريد الاستقالة، فلمن يستقيل؟ لمن يعطي الحكم؟ الأمور غامضة، وخرجت من السيطرة الكاملة لهذا الطرف أو ذاك. صارت لعبة متكاملة ومتشابكة مع الاستراتيجيات الدولية.
وهنا يظهر مرة أخرى كيف يطابق أدونيس بشار في هذه النقطة (الاستقالة وعدم وجود البديل)!
"النهار": وما الحل في رأيك؟
أدونيس: لو كنت أملك الحل لما كانت مشكلة. ولكن آمل أن لا تنتصر القوى الدينية التكفيرية. إذا انتصرت هذه القوى، فسيكون انتصارها أولاً ضد الدين، وثانيا انتصارا بلعبة أجنبية استعمارية، وثالثا انتصارا ضد التاريخ.
وفي محور آخر حول موقفه من الغرب وديمقراطيته وقيمه، تجلت تناقضات "أدونيس" بصورة أكبر، فمن ناحية رأى أن "الغرب يمر بأزمة كبرى، ليست اقتصادية فقط بل ثقافية أيضاً... وهذه الأزمة تتجلى ثقافياً وسياسياً"، بل وأعلن ان "الديمقراطية الغربية فقدت بعدها الأخلاقي".
لكن "ادونيس" سرعان ما عاد ليصف مواقف زعيمة المعسكر الغربي (الولايات المتحدة) ورئيسها أوباما بأنها مشرفة، لأنها تعقلت ولم توجه ضربة لنظام دمشق، وحاورت ملالي طهران، قائلا: أعتقد أن مواقف الرئيس باراك اوباما الأخيرة حين امتنع عن شن الحرب (على نظام بشار) مثلاً، وأعطى الديبلوماسية مجالاً وفرصة، وحواره مع إيران وغيرها، والتي انتقدوه وقالوا إن فيها ضعفاً، هي مواقف تنم عن رؤية ثقافية عميقة، وستكون تاريخياً مشرفاً هائلاً لأميركا".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية