أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أمضى 23 عاماً في سجون النظام السوري: رحيل "مانديلا العرب" عن 84 عاماً

حاكم الفايز

عن عمر يناهز 84 عاماً توفي عصر أمس الجمعة المناضل الأردني "حاكم الفايز" الذي أمضى في سجون النظام السوري 23 عاماً وذلك منذ عام 1971 من قبل نظام حافظ الأسد عقب الانقلاب العسكري حينها، وسجن معه في سجن المزة سيء الصيت الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وآخرون من أعضاء القيادة القومية في حزب البعث العربي الاشتراكي عاما.

وبعد أن رفض العفو من حافظ الأسد أكثر من مره أفرج عن الفايز بأمر قضائي في العام 1993 وبعد عودته إلى الأردن أسس الفايز اللجنة الوطنية لنصرة العراق في العام 2000، إضافة إلى مساهمته في تأسيس لجنة مقاومة التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي. 

وبدأ مشوار المرحوم مع المرض في العام 2001 حيث أصيب بجلطة دماغية أثرت على نشاطه كما أصيب في العام 2007 بجلطة دماغية أخرى أدت إلى إصابته بعجز نصفي وجاءت وفاته إثر مضاعفات نتجت عن عملية انفجار المرارة في جوفه التي كان قد أجراها قبل قرابة الأسبوعين.

"مانديلا العرب" كما كان يحلو للعروبيين تسميته رحل بعد رحيل "مانديلا" الإفريقي بيوم واحد ولكنه ترك خلفه تاريخاً حافلاً بالكفاح والنضال من أجل الأمة العربية ووحدتها وظل الى آخر أيامه وفياً لمبادئه التي نذر نفسه لها، حراً أبياً لم يرتهن لنظام أوكيان سياسي، وكان حتى أيامه الأخيرة منشغلاً بتدوين سيرته الحياتية والنضالية، ويروي الفايز في هذه السيرة التي نشر جوانب منها موقع "عمون" كيف عاش يتيم الأب، وكان جده "مثقال الفايز" الإنسان الذي حاول أن يعوضه عن حنان الأب، ويتناول الفايز جوانب من مسيرته العلمية حيث انتسب في طفولته إلى مدرسة العسيلية الابتدائية التي كانت موجودة في وسط المدينة، وكانت هذه المدرسة مقابل الديوان الملكي ولم يكن بينها وبين الديوان سور، ويضيف: "كنا ونحن تلاميذ نشاهد الملك عبدالله الأول المؤسس باستمرار وكثيراً ما كان الملك عبدالله يزورنا في المدرسة ويتحدث معنا وأحيانا يطرح علينا أسئلة في اللغة والفقه وفي إحدى المرات شاهدني الملك المؤسس وسألني من أين أنت فقلت له من الفايز، وعندما قلت أن مثقال جدي قال لي الملك أنت ابن سلطان ومسح على جبيني وأوصى مدير المدرسة علي كما كان يوصي على جميع التلاميذ.

توزيع منشورات حزبية
من عمان انتقل "حاكم الفايز" إلى مصر لإكمال دراسته الثانوية هناك ثم عاد إلى عمان مرة أخرى ليغادرها إلى العراق في عام 1949 لدراسة الحقوق لتبدأ بعدها مرحلة النضوج السياسي حيث تعرف هناك على شاعر فلسطيني اسمه "أيوب طه" الذي بدأ بإعطائه نشرات ومطبوعات حزب البعث العربي الاشتراكي التي وجد فيها ضالته وفي هذا السياق يقول الفايز: "في أحد الأيام قررت قيادة حزب البعث توزيع منشور في كل أنحاء العراق وكان نصيبي أن أوزع المنشور في كلية الحقوق، ومع الفجر انطلقت إلى الكلية وكانت خالية إلا من الحارس الذي كان يصلي فدخلتها دون أن يشعر بي وقمت بتوزيع المنشور في جميع أنحاء الكلية وحتى في غرفة العميد وخرجت دون أن يراني، وفي الصباح اكتشفت أن المنشور لم يوزع إلا في كلية الحقوق".

ويضيف مانديلا العرب: "بعد أسبوع من توزيعي للمنشور طلب مني الأديب المرحوم "عبد الرحمن منيف" الذي كان أحد أعضاء قيادة حزب البعث أن أقابله في مكتب الحزب الرئيسي، وعندما ذهبت طلب مني أن أقسم يمين الحزب أمامه، وقال لي منذ الآن أنت بعثي ومنذ ذلك الوقت بدأ نشاطي الحزبي ولكن بعد فترة من الوقت بدأت السلطات العراقية بحملة مضايقات للعديد من الطلاب العرب الناشطين سياسياً وتم فصل بعضهم من الجامعة وكنت أحد المفصولين وقررت السلطات العراقية تسفيرنا من بغداد وعدت إلى عمان ومكثت بلا عمل.
وحول أجواء عمان في الخمسينيات من القرن الماضي يقول الفايز: كانت أجواء عمان مليئة بالعمل السياسي والحزبي وحافلة بالمظاهرات الكبيرة، ويضيف: أتذكر أنني كنت في منزل عمي عاكف وكان معي بيان حزب البعث الذي كان يرد فيه على بيان رئيس الحكومة "هزاع المجالي" الذي تصادف وجوده أيضاً في منزل عمي فقلت له يا باشا معي أمانة لك فأعطيته البيان فضحك وقال لقد وصلني قبل أن تعطيني إياه ولم يغضب مني.
ونظراً لإتقانه اللغة الانكليزية التحق الفايز بوظيفة هامة في مجلس الإعمار الذي كان مسؤولاً عن مشاريع تنموية ولكن النشاط الحزبي الذي كان مهووساً به جعله عرضة للاعتقال وفعلاً تم اعتقاله مع مجموعة من قيادة البعث ليمكث 48 يوماً وبعدها تم الإفراج عنه وجميع السياسيين الذين كانوا في السجن.

الجيش يطوق قاعة مؤتمر البعث !
وعن بداية انخراطه بالنشاط السياسي في سورية يقول الفايز: "ذهبت إلى دمشق عام 1966 للمشاركة في أعمال المؤتمر القومي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا المؤتمر كان نقطة تحول هامة في حياتي حيث تم انتخابي عضواً في القيادة القومية إضافة إلى ثلاثة من رفاقي الأردنيين (مجلي نصراوين، محمود المعايطة وضافي الجمعاني) ويضيف الفايز: "انتقلت للإقامة في دمشق استجابة لقرار المؤتمر الذي يلزم أعضاء القيادة القومية الإقامة في دمشق، وهناك بدأت حياة جديدة حيث أصبحت مسؤولاً عن مكتب المنظمات الشعبية في الحزب، وكان الأمين العام للحزب الدكتور "نور الدين الاتاسي" مشغولاً بشؤون الدولة وكان الأمين المساعد "صلاح جديد" الذي ترك رئاسة الأركان في الجيش السوري من أجل التفرغ للعمل الحزبي فأصبح يدير شؤون الحزب، خلال عمله الحزبي في سوريا نشأت علاقة خاصة وصداقة بين الفايز والأتاسي وصلاح جديد، ويروي الفايز الصراع الذي كان دائرا بين أقطاب الحزب والدولة في سوريا ويقول: "لقد بدا واضحا للجميع أن هناك خلافات داخل قيادة الحزب والدولة فكان هناك خلاف بين وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من جهة ورئيس الدولة الأتاسي وصلاح جديد من جهة أخرى وعمل الجميع في القيادة على تأجيل الخلافات إلى مؤتمر الحزب من أجل الحسم في المؤتمر، ويصف الفايز الخلافات التي سائدة داخل الحزب بأنها كانت صراعاً على السلطة ليس أكثر، ويضيف إن المؤتمر القومي للحزب انعقد عام 1970 وكان عدد أعضائه 78 مندوبا وحضر الأتاسي وجديد وحافظ الأسد المؤتمر ورفض هذا المؤتمر توجهات الأسد ولم يقف معه إلا خمسة أعضاء، وأثناء المؤتمر كان الصراع محتدماً ولكن بمجرد انتهاء أعمال المؤتمر كان الجيش قد طوق قاعة المؤتمر وتم اعتقال رئيس الجمهورية الأتاسي وصلاح جديد والدكتور يوسف زعين وغيره من قيادة الحزب بأمر من الأسد ويروي حاكم الفايز أنه تمكن من الهرب من سوريا إلى لبنان مباشرة مع ثمانية أعضاء من القيادة القومية للحزب من أجل تنفيذ قرارات المؤتمر وقام بالاتصال مع الطلاب البعثيين في أوروبا وبعض الدول العربية ولكن بعد فترة قليلة تم اعتقاله من قبل السوريين في بيروت ونقل مباشرة إلى سجن المزة حيث بقي هناك لمدة 23 سنة دون أن يسأله أحد عما فعل كما يقول.

ويردف قائلاً: "في السجن وجدت الأتاسي وصلاح جديد ومصطفى رستم ثم جاء ضافي الجمعاني وبقينا مع بعض طيلة فترة الاعتقال ويروي الفايز إن إدارة السجن طلبت منهم أن يكتبوا للرئيس حافظ الأسد استرحاما واعتذارا من أجل إطلاق سراحهم إلا أنهم كانوا يرفضون ويشير إلى أن إدارة السجن قررت تخصيص استراحة خاصة لأعضاء القيادة المسجونين لكي يستطيعوا أن يذهبوا إليها ويمضوا فيها الوقت وأن تتم الزيارات العائلية لهم هناك.

ويقول إن زوجته وأبناءه كانوا يزورونه مرة كل شهر في الاستراحة وعن لحظة الإفراج عنه من سجن المزة بعد 23 سنة من الاعتقال يقول حاكم الفايز: "في عام 1993 وبينما كنت مع صلاح جديد في الغرفة وأذكر أني كنت أحلق ذقني جاء قائد الحرس وقال لي يا أبا الفهد لملم أغراضك، فسأله صلاح إلى أين فقال سيتم إخلاء سبيل أبي الفهد وفعلا تم إخلاء سبيلي وتم نقلي من السجن إلى مكتب اللواء علي دوبا الذي كان مديرا للمخابرات السورية وقال لي أهلا رفيق ... فقلت له أي رفيق بعد 23 عاما في السجن .... فقال لي نحنا بنحبك هل لديك طلبات فقلت له أولا لا أريد أن أذهب من مكتبك بسيارات المخابرات وطلبت أن أتصل مع شخص سوري أعرفه وهو يقوم بإحضار سيارة من أجل أن تقلني من مكتب دوبا وطلبت منه أن أتصل بالسفارة الأردنية في دمشق، أما الطلب الثالث فقلت له أريد أن أقدم التعزية إلى عائلة الأتاسي، ثم طلبت منه الاستفسار عن أحد الرفاق السوريين أما الطلب الأخير فقلت له لي ذكريات في سوريا وأرغب بزيارة سوريا فيما بعد ولا أريد أن أمنع من دخول سوريا، فقال لي دوبا كل هذه الطلبات مستجابة.

ويروي إنه اتصل مع السفير الأردني في دمشق وكان آنذاك نايف الحديد وأخبره أنه تم إطلاق سراحه ثم قام بالتعزية بالأتاسي الذي يقول إنه أحبه كثيراً.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(152)    هل أعجبتك المقالة (150)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي