أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الله يحميها....... الله يحميها.. حسن بلال التل

''عندما تُذكر الشام في بلدي إربد رأساً يقال: الله يعمرها، وعندما تُذكر بغداد يقال: الله يحميها....'' الشهيد وصفي التل.

الآن وبعد أكثر من ستة وثلاثين عاماً على وفاة وصفي انقلبت الموازين وصار الواجب أن نقول الشام الله يحميها وبغداد الله يعمرها، علّ الله سبحانه وتعالى يستجيب لدعائنا ويُعمر بغداد السليبة بعد كل هذا الخراب، وعله سبحانه يحييها بعد أن ماتت بغداد ولم يشيع جثمانها الطاهر أحد.

في مؤامرة اغتيال بغداد اشترك الكل: عمر، وعباس، وحنا، وقاد هذه الأوركسترا جورج وفرانسوا.....، الكل شارك في المؤامرة الكل خاض بدمها وبأعجوبة الكل ضربها ضربة رجل واحد فأزهقوا روحها، ودنسوا جسدها، لكن في تشييع بغداد لم يمش أحد، كلهم اختلفوا على التركة، وبقي نعش بغداد ملقى بين الأعظمية وضريح الكاظم ينتظر دراويش بغداد ليحملوه إلى المثوى الأخير، لكن دراويش بغداد ماتوا....، كانوا أول الضحايا بعضهم سقط جوعاً وغيرهم سقط فقراً، والبقية سقطوا غدراً، وعندما تجد بغداد من يحمل جسدها فلن تجد في مقبرة العروبة موضع شبر لترتاح فيه، فقد امتلأت بالمدن الشهيدة والقضايا الوئيدة، وجثث المناضلين المغتالين.

قتلت بغداد بيد أبنائها وإخوانها وأبناء عمها الذين انساقوا كالخراف الضالة وراء الراعي الأمريكي، الذي أغراهم أولاً بالناي والمزمار حتى إذا ما حبسهم داخل الحظيرة أشهر السكين وقال تناطحوا ومن يغلب يعش، وتركهم يقتتلون بينما استدار هو نحو التركة لينهبها.

خمس سنوات وخمسة أيام مرت على احتلال بغداد ولن أقول سقوطها؛ فبغداد لم تسقط ولن تسقط، قد تجرح قد تقتل وقد يحاول مغتصب قذر أن يفرض نفسه عليها، لكنها تعيش واقفة وتموت واقفة؛ فالمدينة التي يضم ترابها جسد أبي حنيفة، وموسى الكاظم، إن ضعفت رجلاها عن حملها، لبعثا من قبريهما وحملاها على الأكتاف، وبعد أن تبث فيها الحياة من جديد ويشتد عودها ستستدير ويستديرا معها نحو كل أولئك الذين خاضوا بدمها باسمهما ليعلماهم كيف يكون الحفاظ على الأوطان وحفظ الدين والعرض.

خمس سنوات وخمسة أيام مرت على احتلال بغداد ظهر خلالها عشرات الشّيع والفرق والطوائف، وظهرت أديان كنا نظنها انقرضت وأسماء لم نعلم أنها موجودة على وجه الأرض، ناهيك أن تكون قيادات وزعامات دينية وسياسية، والكل يحدوه رغبة وهاجس واحد هو الحصول على حصة أكبر من كعكة العراق، وحصة أكبر من المصالح الشخصية إلى درجة أن القلة التي حافظت على طهرها من أهل تلك البلاد وصلوا إلى مرحلة من اليأس جعلت أغلبهم يفضلون المراقبة عن بعد والموت مع وطن يموت على أن يخوضوا في ذلك المستنقع بكل دنسه، والقلة من تلك القلة التي اختارت أن تضحي في سبيل الوطن، منهم من دنّس ولطّخ ومنهم من قتل وخُضّب بدمه.

خمس سنوات وخمسة أيام مرت على احتلال بغداد كان نتاجها أن حصلت حفنة ممن باعوا الوطن على الكثير من المكاسب وقليل من الفضل والشرف، فيما حصل باقي الوطن العراقي وأبناؤه على الكثير من الدم والقتل والدمار، ولو سألت أم كاظم أو أم عثمان أو أم بولص لأكدن جميعهن أنهن كن وما زلن يشتركن في حي واحد، ومصير واحد، وما زلن كل صباح يجتمعن حول فنجان قهوة مُرّة علها تكون أقل مرارة من فقد الولد والزوج والأخ، ولأكدن أكثر أن الرصاصة التي تخرج من فوهة مسدس مجهول تستقر أيضاً في صدر ضحية مجهول لا يهتم قاتله إن كان سنياً أو شيعياً، صابئاً أو مسيحياً، فكما أن الكفر ملة واحدة، فالقتل ملة واحدة والقاتل رسول الموت والكفر معاً لا يهمه من يقتل أو لم يقتل.

يا بغداد خمس سنوات وخمسة أيام مرت، وما زال دمك رطباً وجراحك لم تندمل؛ فالشهداء لا تجف جراحهم حتى يبعثوا بها يوم القيامة نازفة تشهد عليهم، لكنني أرجو أن لا يطول رقادك وأعلم أنك ستبعثين من بين الرماد كطائر الفينيق لتنفضي الغبار والرماد والدماء عن كتفيك وتنتقمي لأبنائك ممن ادعوا أنهم أبناؤك، فأنت تعلمين يا بغداد أن الأم إن طال سكوتها فقسوتها لا تزول ولا أشد من غضب الأم على من تجرأ على إيذاء أبنائها، وأنت يا بغداد أم لكل العرب، فقومي ولا تطيلي السكوت فقد أنّ العرب من طول الأذية وقسوة الأم.

[email protected]

(112)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي