أتصور أن تسلل "خبراء" حكام سوريا باكراً إلى المعارضات المتسلحة، قد أدى مهمته خير أداء .. بعد أن تحالفت ظروف متنوعة على "إجبار" قسم من المتظاهرين المطالبين بالحرية والعدل في 2011، على حمل السلاح الخفيف جداً دفاعاً عن المواطنين العُزل. عندئذ حانت اللحظة التي انتظرها الحكام للمباشرة في تنفيذ خطة قديمة، أكثر بنودها أهمية، تدمير البلدات والمدن التي تتمرد عليهم، بالأسلحة الثقيلة جداً من أجل إبادة فكرة التمرد نفسها، المناهضة لشعارهم في الحكم إلى الأبد.
رأينا كيف بدأت الانشقاقات للالتحاق بالمقاومات المسلحة التي بدأت تظهر هنا وهناك، بأسلحتها الخفيفة جداً والتي لا تفيد شيئاً إلا استدعاء وحشية الحكام وعساكرهم لإنجاز ما وعدوا أنفسهم بإنجازه.
وهكذا دُمرت بلدات الهضبة المطلة على العاصي من الشرق، من حمص إلى الرستن إلى تلبيسة وحماه وغيرها. ثم راحت "المعارك" تنتقل عشوائياً في الظاهر، تبعاً لبرنامج الحكام وتوفر الجنود والذخائر و"مازوت"الدبابات.
ومن منا لا يذكر كم وَجهتْ المعارضات من انتقادات لاذعة إلى حلب لأنها تأخرت في حمل السلاح؟ واتهُم تجارها وصناعيوها بالتواطؤ وبكونهم شركاء الحكام. ولم يدرك كبار الاستراتيجيين الذين قاتلوا الدبابات بالبواريد، فحوى خطة النظام المهتمة بتدمير بنية البلاد وتمزيق نسيج الشعب.
كذلك تعرضت منطقة القلمون مراراً إلى النقد بل إلى السخرية لأنها لم تسابق كتائب البواريد إلى التصدي بها للصواريخ الثقيلة.
وها هو دور القلمون قد حان، فازدلفت فصائل كثيرة متنوعة الأسماء والرايات، إلى القصير أولاً لتأمين الذريعة لتدخل عصابة حسن نصر الله للمشاركة علناً في تحرير هضاب "الجليل الشمالي" بعد أن توقف تحرير الجليل الجنوبي لأسباب فلسفية عميقة. ولما اكتملت الشروط فُتحت جبهة القلمون على اتساعها، وكان أول انتصارات المعارضات مسارعة الحكام إلى إغلاق جامعة القلمون وحرمان المئات من الطلاب من المحافظات كلها، من متابعة دراستهم خدمة لبرنامج المتوحشين في تجهيل من لم يقُتل أو يُسجن من شباب الوطن.
دون نسيان هجرة السكان في هذا الشتاء البارد إلى خيام العار المشمولة برعاية العالم الحر والمتحضر. وها هي معارك الكر والفر بقيادة خبراء النظام في صفوف الفصائل ذوات الرايات العجيبة والأسماء السخيفة والأصول المشبوهة، تحرر "قارة" هذا اليوم لتفقدها بعد غد، وهكذا هكذا وإلا فلا لا، تنتصر ثورة فقراء سوريا المطالبة بالخبز والكرامة والحرية دون أن يفطنوا إلى أنهم كانوا منذ مئات السنين غير مسلمين، مما اقتضى تجريد حملات من أجل نشر الإسلام بين صفوفهم.
أما قيادة المعارضات من غير المسلحين إلا بخلافاتهم العبثية، كدت أكتب البعثية، الذين أعجبهم شتات (دياسبورا بالفصحى) شعب الله المختار، فتوزعوا على أصقاع المعمورة، واثقين من قدوم يوم لا بد منه يظهر لهم فيه "بلفور" جديد يعيدهم إلى الأرض التي نُذرت إلى الدمار، لكي يجندوا أنفسهم في بناء هيكل الثورة الذي يهدمه كل يوم "نارام سن" المعاصر، فوق جثث السوريين.
لن أعتذر عن قسوة لهجتي لأن الكارثة أو الجريمة المنظمة التي تريد القضاء على السوريين تُفقد أي إنسان صوابه. وأسأل نفسي هل أريد القول إن المعارضات كلها واقعة في كمين الحكام الُمهيأ منذ سنين لقمع أي تمرد؟ نعم فالانتفاضة العفوية والتظاهرات السلمية في ربيع 2011، والتي انطلقت دون قيادات خبيرة لأسباب موضوعية معروفة، ما كانت مهياًة للتعامل مع جيش "نظامي" –أي خادم نظام– أُنسي ذكر الاحتلال الصهيوني للجولان، فأُوحي إليه أن "المتمردين" هم الذين ينبغي استئصالهم لتحرير البلاد منهم. والنتائج ماثلة أمامنا، فهل هناك مسوغ بعد سنتين وأكثر من شتات قيادات المعارضات الخارجية، لاستمرار خلافاتها، مستهترة بأرواح السوريين وبأرض الوطن؟ وهل الخلافات هي الاستراتيجية "السرية التي تحاول قيادات المعارضات خداع النظام بها، تمهيداً لمفأجاته بجبهة موحدة تهتز لها أركانه؟
أما كان ينبغي لقيادات معارضات الخارج الاتفاق على تعليق الثورة وابتكار استراتيجية جديدة لا تعتمد مجابهة الطائرات المقاتلة والصواريخ والدبابات بالبواريد؟ بخاصة وأن وعود تأمين أسلحة كفيلة بتحقيق بعض التوازن مع عسكر الحكام، أصبحت عرقوبيتها مضرب الأمثال؟.
أما كان هذا أجدى من بقائنا إلى اليوم نستمع إلى الردح الثوري بين من يريدها مسلحة أو منزوعة السلاح، دون الانتباه إلى انهيار الجماعة البشرية السورية ومعها ما بنته الأجيال على تراب الوطن.
هل كان يعيب الثورة انكفاء الفصائل المسلحة بالبواريد إلى ملاجئ آمنة في دول الجوار أو في بعض مناطق الداخل، والتحصن بها دفاعياً فحسب، حتى يدخل تغيير فعلي على ميزان القوى كما حدث في ثورات أخرى.
هذا كلام عبثي لأن ثورة بلا قيادة لا ينتظرها إلا مصيرها الراهن .. المؤسف أن "القيادات الثورية" متفاقمة عددياً واسمياً وهي كلما تفاقمت أعدادها واكبتها خلافاتها، مما يلغي أي أمل مهما كان ضئيلاً.
أيها السادة المشتتين خارج سوريا، ممن شكلوا التجمعات المتفرقة لا المتنوعة أرفع إلى مقاماتكم اقتراحاً مؤداه عقد لقاء يضمكم جميعاً، والاتفاق مرة واحدة فحسب، على اختيار دولة مجاورة واحدة تقيمون فيها معاً في مخيم يشبه الزعتري تتفرغون فيه للتفكير بأفضل وسيلة لإخراج سوريا من الكمين الذي هُيء لها منذ أكثر من أربعين سنة .. مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تقيكم من الصواريخ وقنابل الطائرات ومن الانتحاريين الذين سيتكاثرون حول مخيمكم لمنعكم من الاتفاق على أي أمر.
مشاركة من شخصية طلبت عدم ذكر اسمها
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية