أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بوشكين و القرآن الكريم ... علي نفنوف

بوشكين و القرآن الكريم
يرى الروس في بوشكين ليس مجرد عبقري من عباقرة الادب بل يرونه من اعظم رجالات روسيا و يرون ايضا اذا ما انتهى لديهم كل شيء فأنه يبقى لديهم بوشكين 000
عاش بوشكين في عصر ثلاثة قياصرة 000
ينتمي بوشكين من جهة أبيه الى عائلة كبيرة جدا من السادة الاشداء الذين امتزجت حياتهم بمراحل حاسمة من تاريخ البلاد 000و من جهة أمه ينحدر من أصل أفريقي حبشي ذات 88 السمراء00تكلم بوشكين الفرنسية بطلاقة 00و أول ما قرأ القرآن كان مترجما باللغة الفرنسية تأثر كثيرا بالقرآن الكريم و السيرة النبوية الشريفة و قصص و روايات العرب0
هذا التأثير المثير للاعجاب كان محض دراسة الكاتب (مالك صقور) الذي تناوله في كتابه " بوشكين و القرآن " الصادر عن دار الحارث في دمشق , جاء هذا الكتاب في مرحلة هامة و خطيرة على مفترق العلاقات الدولية وعلاقات الشعوب بعضها ببعض في ظل ما يدور على كافة الجهات بما يسمى صراع الحضارات أو صدام الحضارات 0000
هذه الدراسة رغم تشعبها و العناء الكبير الذي أبرزه الكاتب كانت مطية سهلة تحت رعاف قلمه ربما لأنه مترجم و يتقن اللغة الروسية 000
لكن بقي المحور الاساسي في الكتاب هو ان الحضارات تتأثر ببعضها بشكل كبير و ما يؤكد هذا الرأي هو قول الناقد ( بيلينسكي) : ( بوشكين شاعر كل الشعوب 00بكل العصور و قد أهتم بالنماذج الانسانية الخيرة من حضارات الشعوب الاخرى ) 00و هو الناقد ذاته الذي أطلق على بوشكين لقب (موسوعة الحياة الروسية) 0
أذا كان التأثير روسي بحضارة القرآن و الأسلام أستهل الكاتب دراسته في تبيان كيفية وصول أنباء المشرق الى اوروبا و روسيا أبتداء من الفتوحات الاسلامية و حركة التجار العرب مشيرا الى انه لا تزال هنالك كلمات عربية محضة لا تزال تستخدم حاليا في روسيا مثل " قماش - الماس -مخازن - صندوق - عربة - إمام - مفتي - مسجد - قيراط - ياقوت - منارة - مئذنة - و غيرها " ص 23
مشيرا الى ان أعظم موقع في موسكو و أجمل شارع هو ( أرباط ) الذي يعتبر مطرحا لتجمع التجار العرب و مربطا لخيولهم 00و يتابع سرده لتطور الاطلاع على الشرق بسرد روائي مشيرا الى بعض القصص التي نقلت الى اللغة الروسية قبل عصر بطرس الاول مثل ( قصة : فرعون و يوسف ) و تاريخ ( الحكماء السبعة ) و ( لقمان الحكيم ) و (أيزوب العربي) 000 وبذلك كثرت المراجع العربية عن لغة و ثقافة و تاريخ العرب في عهد بطرس الاول 000 ربما كان هذا الاهتمام لاغراض سياسية على رأي المستعرب (كراتشكوفسكي ) , لكن و في عهد القيصرة كاترين نشطت الترجمة و تم طباعة القرآن من العربية الى الروسية مباشرة هذه الترجمة الناجحة هي التي أستخدمها الشاعر بوشكين 0
ثم توالى الاهتمام الروسي بأخبار العرب نظرا لاهتمام القراء و رغباتهم 000مذكرا بفضل المستعرب الكبير (كراتشكوفسكي) في نقل الثقافة العربية الى روسيا 000
كان هذا السرد المطول في كيفية انتقال ثقافة المشرق الى روسيا ليوضح لنا كيف تأثر بها بوشكين لكن تأثره الاكبر و الاعمق كان عندما نفي الى القفقاس حيث احتك بالمسلمين و جاورهم و تأثر كثيرا بسيرتهم و عاداتهم 000فما كانت ملحمته الشعرية ( روسلان ولودميلا) الا حكاية ( الف ليلة و ليلة ) التي اعجبت كثيرا بعالمها الغرائبي و حكاياها000
(روسلان ولودميلا) كانت سبب شهرته الواسعة و هو في بداية الظهور 00عاش فصول حكاية الف ليلة متاثر بها و عاشها و نقلها للعالم بصوته الشعري الرومانسي 00ثم ينتقل الى اشخاص الحكايات واصفا مدى تأثرهم بالسر القادم اليهم أو الخوارق التي تخلصهم من المصائب 00تماما كوصفة للشيخ الذي صادفه رسلان في المغارة اذ يقول :
فجأة عثر الفارس على مغارة
في المغارة ضوء , فأنطلق اليه
في المغارة شيخ مسن
هادىء القسمات أبيض اللحية ص62
لم تكن الثقافة و الرواية و القصة هي مصدر تأثره بل كانت العادات و احاديث الجان تثيره فقصيدته (الطلمسان ) و التي تعني ( التعويذة) و يقال عنها ايضا في العربية (الطلمسة) نقلها الى الروسيه كما هي و فيها يقول :
هناك قدمت الساحرة لي
بلطف التعويذة
و بلطف قالت
احفظ تعويذتي ص67
و (ليلى) لم تكن الا اسما عربيا واضحا في رومنسياته :
تركتني ليلى في السهرة
غير مبالية ص69
و مثلما رأى في العربي الصدق و الوفاءكان قد بادل العربي المصري بنفس الوفاء فخلده في قصيدته (محاكاة العربي ) :
واصفا ما رآه من سجايا و خصال و تواد و فيه قال:
فتى لطيف 00فتى جذاب
لا تستحي 00فأنت لي من زمان
ففي روحينا نار ملتهبة
و نعيش حياة واحدة ص70
هنا رجح الكاتب في تفسيره الى حنينه الى القارة الافريقية و اصول الشرقية 00
لكن تبرز قصيدته ( النبي) قطعة فنية فريدة منفردة تعكس مدى تأثره بالقرآن و سيرة الرسول العربي محمد (ص) يقول:
و جاءني صوت الرب :
انهض ايها النبي وابصر
لبّ ارادتي
و جب البر و البحر
و ألهب بفعلك قلوب الناس ص77
مستلهما هذه القصيدة من صورة فاطر دون منازع
( محاكاة القرآن ولغزها )
كثيرة التساؤولات لماذا حاكى القرآن 000و ما السر الذي جذبه الى القرآن 00تساؤولات عديدة تطرح نفسها في فصول الكتاب و التي جاءت متسلسلة بشكل متتالي و متوازي مع الاحداث التي مر بها الشاعر بوشكين زمن نفيه
و هنا دأب الكاتب في مقارنته الى اظهار مدى التأثر العميق و الفهم الكافي للقرآن و السيرة النبوية من قبل الشاعر بوشكين 000كما ان اوضح كيف كان القرآن و السيرة النبوية ملاذا روحيا له في محنته و معاناة و شعور الوحدة الذي شبه حاله بحال النبي محمد (ص)
و يرى بوشكين ان المحاكاة هي تأثر و أفادة و ليس عيبا او نقصا في الابداع بقوله : ( العبقرية لا اراديه و محاكاتها لا تعني سرقة مخجلة او فقر للعقل , بل تعني حافزا في اكتشاف فضاءات جديدة ) ص90
هذا الرأي أيده فيه الكثير فمثلا يقول ( بول فاليري) : لا شيء ادعى الى ابراز اصالة الكاتب و شخصيته من ان يتغذى بآراء الاخرين فما اليث الا عدة خراف مهضومة 0
و جاءت المحاكاة في قصيدة واحدة من تسع مقطوعات من الاولى نقتطف :
أقسم بالشفع و الوتر
أقسم بالسيف و معركة الحق
أقسم بنجمة الصباح
أقسم بصلاة العصر ص93
و هكذا تتوالى المقارنه بين مقاطع القصائد و آيات القرآن الكريم 00 حيث يلاحظ ان الشاعر يأخذ أحيانا نص القرآن كاملا و أحيانا يأخذ الفكرة و أحيانا يخرج عن النص و يكتب نصه بروح القرآن و أسلوبه و موعظته و موسيقاه ص101
و قد لا تتسع المساحة هنا للتعداد و المقارنة لكن كل ما أحتوته المقارنة تدل على مدى الابحار في عالم الانسانية و أتخاذ القرآن مثلا في الصدق و العدل و الخير و الحقيقة التي ستنتصر بلا شك
ثم يعود بوشكين ليرضى بقسمته و نصيبه و يعيش التواضع عملا بقوله تعالى : ( و لا تصغر خدك للناس , و لا تمشي في الارض مرحا , أن الله لا يحب كل مختال فخور )
ثم تأتي زوبعة الاسئلة من جديد 000
ما الذي أثار أهتمام بوشكين بالقرآن
ما السر الذي جذب بوشكين الى القرآن
و 000و 000 الخ
هذه التساؤولات طرحها الكاتب و حاول قراءة الاجوبة حسب المعطيات التي بين يديه و علل أسبابها فمثلا الاهتمام العالمي ( اوروبي - روسي ) في المشرق العربي و ثقافته و بوشكين لم ينفصل عن هذا الاهتمام 00و كذلك أصول بوشكين الشرقية - الافريقية - الاسلامية و نزعته الى الماضي الذي استل نسله منه 00الا ان موهبته كشاعر فذ و قدرته اللامحدودة لم تكن الا أحد أهم أسباب استيعابه للقرآن و تعلقه به , و في هذا يقول بوشكين
( ان العرب الهموا ملامح العصور الوسطى , النشوة الروحية و الرقة و الحب و مناصرة الخير والبلاغة)ص141
ثم يعود الكاتب فيعزي ذلك الى المناخ السياسي و الاجتماعي و النفسي الذي عاشه بوشكين 00 الشاعر المضطهد و المنفي فلم يجد من سيرة النبي سوى الصبر و الالهام و من القرآن سوى الغذاء لروحه المتوقدة في ذلك يقول :
في المغارة السرية
في يوم الهروب
قرأت آيات القرآن الشاعرية
فجأة هدأت روعي الملائكة
و حملت لي التعاويذ و الادعية ص144
أن تفجر الشاعرية الفذة لفتت انتباه بوشكين الى ابداعات الشعوب الاخرى قال ( بيلينسكي ) في قصيدته ( محاكاة القرآن ) 00 أنها ألماسة براقة في تاج بوشكين الشعري و أن هذه القصيدة تعكس روح الاسلام و جمالية الشعر العربي 0

(117)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي