أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حول وثيقة الجبهة الإسلامية... غياث بلال*

قامت الجبهة الإسلامية المعلن عنها حديثا بنشر وثيقة تتضمن تعريفا بها وتعدادا لأهدافها وتوضيحا لإستراتيجيتها في العمل. 

وأثارت هذه الوثيقة بعض الجدل في الأوساط المختلفة المتابعة للشأن السوري. بعد الاطلاع على نسختها الصادرة بتاريخ ٢٢ نوفمبر ٢٠١٣ أجد من الضروري إيراد الملاحظات التالية حولها:

● إن مجرد إصدار وثيقة عن كيان ناشئ حديث الولادة توضح ماهيته وأهدافه وإستراتيجيته وتحدد كذلك 
مجال عمله وأدواته يعد تطور مهم ونقلة نوعية في آليات التنظيم والإدارة للكيانات الناشئة في الواقع السوري. وبغض النظر في المضمون فإن الخبرة التراكمية للمقاتلين والناشطيين السوريين باتت اليوم أوضح حيث يمكن معاينة صورها ونتائجها في العمل المدني كما العمل العسكري مع الإقرار بوجود تباينات في المستويات بين المناطق المختلفة على المستوى الوطني.

● المفاهيم والمصطلحات الواردة في الوثيقة: (الدولة, الشرعية, الإسلامية, العلمانية, االديمقراطية, السيادة, ..وغيرها من المصطلحات) هي مفاهيم عامة وحمّالة أوجه متعددة، ولا يمكن فهمها إلا في سياقها الاجتماعي والحضاري وكذلك في ضوء تطور التجربة التاريخية التي أنتجتها: فعلى سبيل المثال لا الحصر:
○ مفهوم ومضمون كلمة "إسلامي" واسع جدا وكذلك تطبيقاته تختلف كثيرا باختلاف المكان والزمان: فما هو إسلامي في تركيا يمكن أن يتم التعامل معه على أنه ليبرالي علماني في مصر ويمكن النظر إليه كمتفلت في اليمن ومن الممكن أن يتم فهمه على أنه كفر في أفغانستان. مثال ذلك: مسابح العائلات "الإسلامية" في تركيا.
○ كذلك مفهوم العلمانية في ألمانيا حيث تجمع الدولة الضرائب للكنيسة يختلف عنه في فرنسا بشكل كبير حيث يمنع تعليق الصليب في الصفوف المدرسية, وتطبيق وممارسة الديمقراطية في الولايات المتحدة يختلف عنه في بريطانيا بشكل كبير.

○ وفي السياق نفسه يمكن الوصول إلى أن المفاهيم المذكورة في الوثيقة في كل ما يتعلق بنظرية الحكم والسلطة تحتاج إلى توضيح وتطوير. وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الدولة الإسلامية وماهيتها وتعريفها العملي.
إن غياب التطبيقات العملية لمفهوم الدولة الإسلامية يعيد للأذهان تجارب إنتاج دولة ولاية الفقيه أو الملكيات العربية أو دولة العراق والشام الإسلامية. وجميع هذه النماذج بعيدة عن طموحات الثورة وطموحات عموم السوريين في دولة الحرية والعدالة والكرامة. حيث إن هذه المفاهيم الثلاثة هي معاني متأصلة في مقاصد الشرع الحنيف, ولكنها مفتقدة جميعا في النماذج المذكورة أعلاه للدولة والتي جميعها تحمل بدورها صفة "الإسلامية" ويسمى الحاكم في أحدها بأمير المؤمنين.

● الابتداء بالأهداف قبل طرح الاستراتيجيات له دلالة هامة على انغماس القيّمين على الوثيقة بالواقع الحربي اليومي مما يشير بدوره إلى ترتيب أولوياتهم بإنهاء الحكم الاستبدادي اليوم قبل البحث عن السلطة. من الواضح الجهد المبذول في صياغة الوثيقة وكذلك بعدها عن الطائفية والانتقام رغم صدورها عن كتائب تخوض حرب شرسة مع نظام طائفي, إلا أنه هناك ضرورة ملحة لتوضيح مفاهيمها وتطويرها. لعل الاطلاع على التجارب السياسية للحركات والتوجهات الإسلامية الأخرى التي خاضت في فلسفة مفهوم الحكم أو تمكنت من خوض التجربة كحركة النهضة في تونس سيساعد الناشطين والعاملين في سوريا على تطوير نظريتهم للحكم الإسلامي. 

● هناك ضرورة ملحة اليوم على مساحة العالم الإسلامي لتطوير مفهوم ونظرية الحكم لدى الحركات والأحزاب الإسلامية لتتمكن من إنتاج نموذج للحكم وإدارة السلطة قادر على الإفادة من منجزات التطورعلى صعد الإدارة والحكم, وقادر كذلك على توفير الحرية والعدالة والكرامة لكافة المواطنين في الدولة على حد سواء.

يبقى من المهم الإشارة إلى القيّمين على الوثيقة أشاروا في خاتمتها إلى أنها نتاج جهد بشري يسعى للوصول للأصوب والأنسب, وبالتالي يمكن لهم فهم السطور السابقة على أنها نصيحة ودعوة للبحث والمراجعة.


*أكاديمي سوري
(117)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي