هذا ما يعنيه يوم التاسع من نيسان عام 2003م وأنقسم العالم والعرب والعراقيين والمسلمون وحتى الأمريكيين حيال ما حدث في التاسع من نيسان يوم سقوط بغداد. فالبعض اعتبره هزيمة للعرب والمسلمين تفرض عليهم إعلان الاستسلام والقبول بشروط المنتصرين. والبعض أعتبره عيد وطني, ونهاية لحقبة من الطغيان والاستبداد. وآخرون أعتبروه نكسة من النكسات . وآخرون أعتبروه بداية لعهد جديد تسود فيه الحرية والديمقراطية وتنتفي فيه المظالم ومظاهر الاعتداء على حقوق الإنسان. وآخرون حملوا مسئوليته ونتائجه الكارثية للرئيس جمال عبد الناصر وأنظمة الصمود ورفض الإذعان والاستسلام لإسرائيل والأمريكان. وآخرون أعتبروه بداية لمأساة جديدة على طريق الأحزان كسابقتها من اغتصاب فلسطين عام 1948م. وبعضهم راح يتيه كالديك المغرور على أنه أنتقم من العراق ونظامه وشعبه وجيشه ووفى بوعده بهتك العراق. والليبراليين الجدد المتصهينيين أعتبروه اليوم الشبيه بيوم الثورة الفرنسية. بريد الإلكتروني
التاسع من نيسان يوم كباقي الأيام,حمل وسيحمل للعالم الكثير من الذكريات والمناسبات والأحداث على الدوام.
لكنه في نظر العرب والمسلمين ذكرى حزينة, لأنه ذكرى مجزرة كفر قاسم ,واليوم الذي سقطت فيه مدينة بغداد.
أما في نظر العالم فهو بداية تقويم وتاريخ جديد. انطلقت فيه الولايات المتحدة الأميركية بقيادة إدارة الرئيس جورج بوش مدعومة بعصابة الصقور والمحافظين الجدد المجرمون والحمقى والأغبياء في تبني إدارتهم للإرهاب في كل حروبهم العبثية,وممارسة كل صنوف الجريمة والإرهاب, والدفع ببلادهم قسرا إلى مجاهل الهزيمة والسقوط الأخلاقي والتفكك والتشرذم والاضمحلال والاندثار.وسيبقى هذا اليوم من عام 2003م ذكرى هامة ومهمة في التاريخ وذاكرة الجماهير والشعوب في كل مكان من العالم لعدة أسباب. منها على سبيل المثال:
والمضحك أن بعض وسائط الإعلام المشبوهة راحت تروج لضرورة التسليم بكل ما تريد إسرائيل والادارة الأمريكية, وتعتبر أن العرب والمسلمين خسروا كل حرب جديدة ومحتملة إلى الأبد. و منهم من راح يلقي بحام غضبه على القيادة العراقية وجيشها. أو يسخر منهما كنوع من التشفي والازدراء والانتقام, على أنهما جبنا وهربا ولم يجابها الغزاة. ولم يحسنوا الإعداد للحرب والصراع وتنظيم الدفاع وقيادة معاركه على الإطلاق. وخرج علينا الرئيس الأمريكي جورج بوش يعلن بأنه انتصر في حربه وحقق ما أراد, وحرر شعب العراق. ورغم محاولات لجان الكونغرس التحقيق بجدية فيما حصل في هذا اليوم وما تلاه ,وإيجاد السبل الكفيلة لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية من الغرق في العراق, إلا أن جهوده ومحاولاته الحثيثة تصطدم بعرض المسئولين ممن يتم استدعائهم تقارير هشة وكاذبة بألف لون ولون, و تقبل ألف تفسير واحتمال. ولذلك تضيع جهوده هباء.
بعد مضي أعوام على يوم التاسع من نيسان عام 2003م رغم ما حمله ويحمل غيره من باقي الأيام من مآسي وكوارث ونكبات . بدأ العالم والشعب الأمريكي يستفيق على كثير من الحقائق التي لم تكن في الحسبان:
1. فالإدارة الأمريكية وقوات التحالف لم يخوضوا حربا بالمعنى الكامل لمعنى كلمة الحرب. وإنما قاموا بغزو همجي وإرهابي وتدمير مبرمج وبأسلحة محرمة ليرهبوا الجميع. ولتحقيق الانتصار خلال أقل من أسبوع, ومع ذلك عجزوا عن تحقيق أهدافهم ,واستمرت الأعمال التدميرية لأكثر من ثلاثة أسابيع.
2. وأن الجندي الأمريكي خدع من قيادته, بأن وجوده في المعركة لا يعني أية مجابهة مع الخصم. وإنما للسيطرة على الأرض والسكان. فالأسلحة الذكية والمتطورة وسلاح الطيران وصواريخ القطع الحربية هي من ستخوض الحرب وتتكفل بتحقيق النصر, وحضوره إنما هو نوع من الاحتفالية بالنصر.
3. والقيادة العسكرية المسحورة بتأثير أسلحتها وعتادها المتطور في حرب تحرير الكويت, جعلها لا تقيم وزنا لأي خصم , ولا تهتم بإعداد الجندي الأمريكي لخوض الحرب. فتحول الجندي الأمريكي إلى وحش كاسر هائج يطلق النار بكثافة وبشكل عشوائي حين يشعر حتى بمجرد تعرضه لأدنى خطر.
4. والإدارة الأمريكية التي اعتبرت يوم التاسع من نيسان يوم حصاد للعراق, كان حصادها سام ومر.
5. والحزبين الجمهوري و الديمقراطي الذين أيدا إدارة الرئيس جورج بوش في غزو العراق, باتا في حيرة من أمرهما الآن , ويتبادلان التهم والاتهامات. فالديمقراطيين أيدوا الحرب حتى لا يتهموا بأنهم وقفوا ضد مصالح بلادهم أولا, وحتى لا يفوتهم شرف نصر سريع كما اعتقدوا, فيخسروا دورهم السياسي في الحكم لعقود. والجمهوريين توهموا نصر سريع, ومكاسب ستبهر ألباب الأمريكيين ,فإذا بغزوهم يتحول إلى هزيمة نكراء , ومغطس ومستنقع غطسوا وأغرقوا بلادهم فيه . وبات الخروج منه عسير وشبه مستحيل, إن لم يتنازلوا عن الكثير,فستخسر بلادهم المصالح والاحترام والدور والقرار.
6. والمقاومة العراقية انطلقت مساء اليوم نفسه وبعد أقل من تسع ساعات على سقوط بغداد.وأصبحت هي الرقم الصعب وصاحبة الدور والقرار الفاعل بمجريات الأحداث في العراق, وحتى بمصير الغزاة. ورغم تجاهل الغزاة وحلفائهم لها والإساءة إليها باتت تحيرهم وتؤرقهم في كل ساعة من الليل والنهار.
7. وفي التاسع من نيسان بدأت إدارة الرئيس جورج بوش مسلسل عمليات تشويه معالم وقيم وصورة ووجه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وستبقى هذه العمليات في التشويه مستمرة طالما لم تتحرك شعوب هذه الدول لوضع حد لها, وتحاسب إدارتها على ملحق بهم وبأوطانهم وقيمهم من تشويه.
8. ووجود الرئيس بشار حافظ الأسد على سدة الحكم في سوريا قبل وبعد التاسع من نيسان عام 2003م بدد اليأس وزرع الأمل, بأن حاضر ومستقبل العرب والمسلمين والمسيحيين سيبقى مشرقا إلى الأبد. فدوره في إحباط المشاريع والمخططات الاستعمارية, جعله يكسب ثقة واحترام جميع الشعوب قاطبة.
9. والتاسع من نيسان كشف حقيقة أن بعض الجنرالات والساسة الأمريكيين كذابين ونصابين ومحتالين ومخادعين وهشين في شخصياتهم ومهنهم وأخلاقهم وسلوكهم وتربيتهم وسيئين وفاسدين لأبعد الحدود. وأن تقاريرهم وجهودهم ودورهم في حماية بلادهم وأمنها هشة ولن تفيد في شيء, أو تجدي نفعا.
10. وأن الحرب على العراق ليس لها من أسباب موضوعية أو مباشرة , وإنما كانت خدمة لمصالح إسرائيل أراد منها الجمهوريين منافسة الحزب الديمقراطي في كسب ود اللوبي الصهيوني, واقتناص أصواته. وكذلك عملية انتقام لمحاولة اغتيال بوش الأب, مقرونة بقبض رشاوى وعمولات من بعض الجهات.
11. قبل التاسع من نيسان بشهر وقف الرئيس جورج بوش كالطاووس يستخف بالعالم وبالشرعية وبأوروبا, ويملي على الجميع قراراته ورغباته, ويستخف بشيراك . وفي التاسع من نيسان عام 2003 م, وقف مزهوا يعلن انتصاره ويحدد على باقي الدول والحكومات ما يجب عليهم أن ينفذونه. وبعد عام راح يتسول كالشحاذ الدعم والتأييد من الجميع وحتى من المرتزقة و المليشيات والصحوات والعصابات. وحتى من المالكي والسنيورة والحريري وسمير جعجع والجميل ودحلان وأبو ريشة ووليد جنبلاط. لعله يخرج سالما بريشه. فعاملته الشعوب والجماهير والحكومات بكل ازدراء,وبات يرجم من شعبه كما يرجم الشيطان في منى بعد نزول الحجاج من عرفات. ورغم الهزيمة التي تقض مضاجعه وتؤرق شعبه,وانفضاض معاونيه وشركائه ومشجعيه وحزبه وصقوره ومحافظيه ورموز إدارته القتلة والمجرمين من حوله. ورغم تشرد الملايين وقتل أكثر من مليون عراقي و 4000 جندي أمريكي وعشرات الألوف من المرتزقة, وإصابة أكثر من مئة ألف جندي أمريكي بعاهات جسدية وأمراض نفسية , وتصاعد ظواهر الفرار والانتحار والإغتصاب داخل الجيش الأمريكي, وارتفاع معدلات الهجر والطلاق في أسر الجنود. فما زال يصر ويهذي في كل ساعة من النهار على أنه هو من نشر الحرية والديمقراطية في ربوع العالم, وحمى حقوق الإنسان, وأنه المنتصر الأوحد, وأنه رسول من رسل الله.
12. في التاسع من نيسان عام 2003م, أسفر المتحالفين والمتواطئين عن وجوههم الحقيقة , وراحوا يفاخرون بدورهم في احتلال العراق. ويهددون ويتوعدون كل من لا ينصاع لهم بأنه سيلقى نفي المصير ونفس العقاب. وبعد هزيمة إدارة بوش في العراق على يد أبطال المقاومة العراقية الباسلة , باتوا أشبه بمن ضرب على رأسه بحجر فأصيب بالشلل, بحيث لم يعد قادرا على الوقوف أو السير باتزان. ويعيش حالة رعب من أن تحاسبه جماهيره , أو يحاسب من العرب والمسلمين على السواء.
بأختصار شديد يمكن القول: انه في مثل هذا اليوم مكر الرئيس الأمريكي جورج بوش وحلفائه وصقوره ومحافظيه مكرا تزول له الجبال. واستخفوا بعقول الشعوب والجماهير, ونظروا بازدراء للشعوب والحكومات وللعرب وللمسلمين وللعراق. وقرر الرئيس جورج بوش وإدارته أن يسلكوا طريق الإرهاب . ويعتبروا الإرهاب هو النهج والمنهج والأسلوب وحتى الممارسة الأجدى والأصلح والأنفع والأمثل في الفكر النقاش والحوار والتصريح والخطاب. وفي الحرب والسياسة الداخلية والخارجية والثقافية والاقتصادية الاجتماعية والقضاء والتشريع وإدارة شؤون بلاده, وحتى قيادة العالم بمنطق الإرهاب. فإذا بمكرهم يتبدد ويتهاوى وينهار.
السبت:12 /4/2008م
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية