يحل اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فيما يرسم أطفال سوريا ونساؤها، ومنذ أكثر من ٣٠ شهراً، تفاصيل معاناة الشعب السوري بدمائهم، دون أن يجدوا موقفاً إنسانياً حاسماً لوقفها.
وإذا أردت الحديث في هذه المناسبة عن حال المرأة في بلادي، فلا بد من التذكير بأنها كانت تتحمل عبئاً كبيراً قبل الثورة، وأنه تضاعف في ظلها، لتدفع الضريبة الأكبر في واقع حوّله النظام إلى جحيم في كل المناطق الثائرة، وتابعت هذه المهمة جماعات جهادية متطرفة عن طريق التنكيل بأهل تلك المناطق.
كان الحرمان من الأبناء أول ما عانته المرأة السورية، ثم توالت المظالم والمصائب، ونالها من العذاب أضعاف ما نال الرجل، التهجير والاضطهاد والتشويه وفقد الأعضاء وموت الأبناء، وصولاً إلى الاعتقال والتعذيب المرير في المعتقلات الفظيعة للنظام الذي رفض كافة المناشدات للإفراج عنهن. كما نال بعض الفتيات ــفوقه ــ ما جاوز الحد والاحتمال وهو "الاغتصاب"، كما زاد من معاناة المرأة، مقارنة بالرجل، عاطفتها القوية التي جعلت وقع المظالم عليها أشد إيلاماً، فحملت آثاراً نفسية لا تتحملها الجبال.
لقد سنّ المجتمع الدولي قوانين حماية المدنيين أثناء الحروب. كما سعى القانون الدولي الإنسانى إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة من المدنيين، وأتى قرار مجلس الأمم رقم 1325 ليؤكد دور المرأة كعنصر فعال فى السلام والأمن.
أما نظام الأسد فعمد إلى استهداف النساء والأطفال، باعتبارهم أهدافاً سهلة ومؤثرة على استمرار الثورة، ما دفع كثيراً من المدنيين إلى الهجرة، وهو ما يفسر أنّ أغلبية النازحين هم نساء وأطفال. فعند غياب السلام تصبح المرأة الضحية الأولى التي تعاني من ويلات الحرب وتتحول فوق ذلك كله إلى نازحة ولاجئة.
وأدت حرب الإبادة الجماعية التي يشنها النظام إلى ظهور مشكلة الأرامل، فتغير الدور الاجتماعي والاقتصادي للمرأة، وتعقدت أحوال زوجات المعتقلين والمفقودين دون أن يتضح وضعهن القانوني، ودون معرفة مصائر أزواجهن، وعدم قدرتهن على دفن أحبائهن والحداد عليهم، عدا عن أثر ذلك على تربية الأطفال بغياب الأب، وعدم القدرة على الزواج مرة ثانية.
وكشف تقرير أعدته الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عدد القتلى منذ اندلاع الثورة تجاوز 100 ألف، 88% منهم مدنيون مقارنة بـ57% في الحرب العالمية الثانية، كما بلغت نسبة النساء والأطفال 12%، وهو ما يؤكد على تعمّد استهدافهن، إذ يقتل النظام 6 مواطنين كل ساعة، وطفلاً كل ساعتين، وامرأة كل 3 ساعات، في إصرار منه على انتهاك أبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.
وبعد كل هذا يتساءل السوريون: كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل تلك الصور المفجعة، صورة الأم التي تبحث عن جثة طفلتها بين جثث الأطفال
الممددة على الأرض في رواق المشفى الميداني في الغوطة الشرقية؟! كيف
له أن يتجاهل صيحات الأمهات اللائي خرجن مضرجات بالدماء من تحت ركام
القصف في القصير وهن يصرخن: (أطفالنا ما زالوا في الداخل)؟!! ألا يعد
هذا أقسى انواع العنف ضد المرأة؟!
كيف لي أن أتحدث عن حقوق المرأة السورية وهي تفقد لأدنى الحقوق التي
تقرها المبادئ فوق الدستورية في العالم؟! كيف وقد أصبح الشعب كله مجرداً من حق المواطنة والحياة، وباتت المرأة تبحث عن حقها في الوجود لا أكثر، حتى ربة المنزل التي لم يكن لها طموح سوى العيش في بيتها إلى جانب زوجها وأولادها حرمت من السقف الذي يجمعها بعائلتها، فهي إما مرمّلة أو ثكلى، أو مهجرة أو قتيلة، أو كل ذلك معاً!
أخيراً، فإننا لا نستطيع تناول وضع المرأة السورية بشكل منفصل، فالمعالجة لن تنجح باقتصارها على النتائج دون النظر إلى الأسباب الكامنة في طغيان النظام الحاكم. المرأة في سوريا تناديكم، أنقذوها كي لا تستمر معاناتها وموتها وفقدانها لأطفالها. وكلكم تعلمون أن الحل الوحيد لكل مشاكل السوريين هو التخلص من نظام الطاغية.
ورغم فداحة الواقع، ستظل المرأة السورية الرافعة الحقيقية التي تمنع سقوط آلاف الأسر وانهيارها، وستبقى الملاذ الآمن والأمل الوحيد لإعادة بناء المجتمع السوري وحياكة نسيجه المتماسك، ستشارك إلى جانب الرجل في لمّ الشمل وتحقيق التنمية وستكون المنطلق الصلب لإعادة بناء سوريا، سوريا الوطن والإنسان.
* عضو في الائتلاف الوطني ورئيس وحدة الدعم
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية