هي حلب.. مرة أخرى تتصدّر عناوين النشرات، إنْ بجانبها العسكري أو المدني، لتعيد وتقول بأن ما حدث ويحدث وسيحدث لا يسمح للمتابع التغاضي عنه.
اشتباكات جديدة، وما بين سقوط مناطق والاستحواذ على أخرى، يعيش الحلبيون ترقباً صامتاً لا يقطع استمراره إلا شظايا القذائف والقصف بالطيران الحربي اليومي الذي يستهدف أحياءها "المحررة" الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة بشقيها الحر والإسلامي.
ويلعب العامل النفسي لسكان المدينة دوراً كبيراً في تحديد هوية اليوم الذي يعيشونه، فتقدّم قوات النظام من الطرف الشرقي لها فتح الباب على مصراعيه للأقوال والشائعات التي بدأت تغزو الشارع، فمنهم من يقول إن الجيش سيقتحم ومنهم من يذهب أكثر من ذلك إلى أنه اقتحم فعلاً وسيطر على كذا وكذا.
وحدث قبل فترة أن بثّ تلفزيون "أورينت" خبراً يقول فيه إن قوات النظام قطعت الطريق الواصل من حلب إلى مدينة الباب، وذلك بعد وصوله قوات النظام إلى "النقارين" حيث رصد الطريق الواصل إلى تلك المدينة بالقناص، مما أدى إلى قطعه، إلا أن خبر الـ "أورينت" جاء على الشكل التالي: "قوات النظام تقطع طريق الباب بالقناص"، وللعلم فإن حياً كاملاً في حلب يدعى "طريق الباب" أمر أوهم المتابعين أن الجيش دخل إلى ذلك الحي وسرعان ما انتشرت تلك الشائعة لتمتد بعد "البهارات" لتصل إلى أن الجيش سيطر على طريق الباب والشعار والصاخور حتى.
وتعطي تلك الحادثة مؤشراً واضحاً إلى مدى تقبّل الشائعة في الوسط الحلبي، فالترقب هو سيد الموقف هناك، خاصة بعد سيطرة كتائب تنظيم "داعش" على معظم مفاصل الحياة هناك وتداعي كتائب الجيش الحر أمامها إما "مبايعة" أو تفككاً، وساعد إلقاء القبض على بعض القادة في إضعاف بعض الجبهات كـ "حسن حزرة"، فيما يستمر حصار كتائب "شهداء بدر" المرابطة في حي الشيخ مقصود والأشرفية في الجزء الشمالي للمدينة ليصبح بين فكّي كماشة (قوات داعش شمالاً، وقوات النظام جنوباً) دون استطاعة "داعش" القبض عليه أو تفكيك كتائبه.
ويبدو أن قوات النظام تنبّهت للوضع النفسي المزري الذي يعيشه السكان في الوقت الراهن، فضلاً عن الوضع المزري أيضاً لنفسية المقاتلين إثر خسارة جبهات هامة كـ اللواء 80 ومبنى المواصلات في النقارين شرق المدينة، فكثّفت من عمليات القصف الذي يستهدف المدنيين، أمر كان الحلبيون يعدونه نادراً خلال عشرة أشهر على الأقل (يقصد القصف الكثيف المركز وليس القصف العشوائي الذي يضرب مرة كل يومين أو ثلاثة).
معبر الموت وحكاية الدروع البشرية
في حلب يمشي السكان دون قصد على قاعدة عامة تقضي بأن كثافة القصف ومدته هما من يحدد قرار النزوح، فعلى سبيل المثال نزح المئات بل الآلاف عند بداية دخول الجيش الحر بسبب القصف المركز والطويل زمناً، إلا أن أكثر من نصفهم عادوا عقب التهاء قوات النظام بالجبهات المفتوحة، وللوضع المعيشي الأفضل نسبياً من مناطق النظام، عبر المعبر الوحيد بينهما "معبر كراج الحجز" في بستان القصر، والذي أغلقته الهيئة الشرعية بعد أيام من ارتفاع وتيرة تقدم قوات النظام في الجبهات الشرقية للمدينة.
وجاء إغلاق المعبر بشكل مفاجئ حيث أعلنته الهيئة الشرعية قبل يوم واحد فقط، مما نتج عنه العديد من الحالات الإنسانية المزرية كأن يبقى رضيع في بستان القصر بينما لم تستطع أمه العودة من المناطق النظام بعد ذهابها إلى الطبيب، فيما تضرر عشرات من الطلاب ممن ما زالو يداومون في الجامعة فضلاً عن مئات الموظفين المواظبين على الدوام في دوائرهم لدى مناطق سيطرة النظام.
وفي الأسبوع الماضي شهد حي بستان القصر مظاهرتان احتجاجيتان لم تستطع الهيئة الشرعية أن تحتويها امام جامع "أنس بن مالك"، لتقوم باستدعاء سيارة بيك أب على رشاش "دوشكا" وقامت بإطلاق النار في الهواء لتفريق الناس، وسحب هويات من أصروا على البقاء.
ولم تعط الهيئة الشرعية سبباً واضحاً في الإغلاق المتزامن مع اشتداد وتيرة الأعمال العسكرية مكتفية بعبارة "أسباب أمنية"، إلا أن مصادر ميدانية أكدت لـ "زمان الوصل" أن العامة هنا يتناقلون شائعات عن أن السبب الرئيس هو منع الناس من النزوح باتجاه مناطق النظام، والإبقاء عليهم كدروع بشرية في حال استطاع النظام الاقتحام إلى تلك المناطق، إلا أن آخرين ذهبو للقول إن الإغلاق جاء على خلفية التخوف من عناصر شيعية قررت الدخول إلى بستان القصر والقيام بتفجيرات انتحارية في يوم عاشوراء.
وأتت تلك المظاهرات أكُلها أخيراً حيث اضطرت الهيئة أن تفتح المعبر لمدة ساعتين "للحالات الإنسانية" كما قالت في بيانها، إلا أن ما حدث أنها اضطرت وبعد الضغط الشديد من المتجمهرين أن تفتحه لجميع العابرين الذي احتشدوا وعلت أصواتهم.
ونقل مصدر ميداني عن "أبو الليث" أمير المعبر قوله إن أمر إغلاق المعبر أتى "من فوق" من جهات عليا وليس بيده، في إشارة منه إلى مجلس شورى المجاهدين والذي يتحكم بمعظم مفاصل ما يحدث في مدينة حلب.
الطريق إلى تركيا.. ملاذ أخير
في ظل كل تلك الاضطرابات التي تحدث بالجزء المحرر من حلب، يبقى الطريق إلى تركيا هو الملاذ الأخير للهرب، ولأن معظم الأهالي لا يمكلون جوازات سفر فإن طريق التهريب هو الحل، وهو طريق كان سهل العبور قبل عام، إلا أنه اليوم مزدحم بحرس الحدود التركي وعربات الـ "بي ام بي" التي تمنع الهاربين من العبور "بشكل غير شرعي"، فضلاً عن أن حرس الحدود التركي قام بقتل أكثر من شخص حاول العبور خلال الفترة الماضية.
حلب - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية