لم يكن قد مضى شهران على تأسيسها.. حتى أصدرت محكمة قضايا الإرهاب حوالي 100 قرار بحق 3 آلاف معتقل وقد تراوحت الأحكام ما بين 7 كحد أدنى وإعدام كحد أعلى. وينتظر آلاف المعتقلين اليوم صدور أحكام بحقهم بعد أن وصل عدد القضايا المحالة إلى محكمة الإرهاب أكثر من 100 ألف قضية، وبعض القضايا يصل عدد المتهمين فيها إلى مئات المعتقلين وفي بعضها الآخر يوجد عشرات المعتقلين.
تعتبر محكمة الإرهاب واقعة خطيرة في تاريخ القضاء السوري، ووصمة عار حقيقية توصم جبين كل قاض أو مستشار فيها، ذلك لأنّ هذه المحكمة لا تستند إلى قانون سواء على صعيد ظروف وخلفيات نشأتها أم على صعيد آلية عملها، كما أنها لم تستمد شرعيتها من قوانين المحاكمات الدولية..إنها محكمة النظام لمن قام وخرج ضده، محكمة طائفية بامتياز.. بنيت على أساس طائفي بحت، يمسك الأمن السوري بكل مفاصلها، يشرف على كل جلسات التحقيق مع المستجوبين .. يصدر القرارات ويعطي إخلاء السبيل لمن يشاء ويحكم من يشاء حسب هواه، وفي نهاية الأمر يدعي أمام الرأي العام أنها محكمة عادلة لا تصدر أحكاما قاسية مقارنة مع سابقتها(محكمة أمن الدولة).
تشم رائحة العفن الأمني من كل زواياها المرعبة، تنتشر عناصر الأمن في كل مكان وقد يتمكن أحدهم وبرتبة مساعد أول ومن خلال انتمائه الطائفي فعل ما يعجز النائب العام عن فعله، تم تعيين كل القضاة هنا بقرار أمني، من لا يرتشي فيهم، تديره عصا الأمن.. ومن يستقيل يُخطف ومن يحاول إثارة الضجة ورفع رأسه مرة واحدة، يُقال من منصبه في غضون ثوان وبهاتف من فوق.
المحكمة العسكرية ولا محكمة الإرهاب
بتاريخ 1/10/2012بدأ السجناء يتداولون خبر إنشاء "محكمة الإرهاب" سمعوا بها أول مرة في ذاك العام المشؤوم للاعتقالات التي كانت بالآلاف، وسرعان ما انتشرت الشائعات بينهم، بادئ ذي بدء اعتقدوا أنها ستكون الجهة التي ستنفذ الإعدامات الميدانية بحق كل من شارك بالأحداث الأخيرة، وأنها ستحاكم المتظاهرين أحكاما قاسية، وسترحل "حملة السلاح" إلى سجن "صيدنايا" لتحاكمهم محكمة الإرهاب التي لم تكن تعترف بمراسيم العفو الصادرة عن رئاسة الجمهورية، همست لي محامية حينها ـ اعتقلت بسبب نشاطها في المحكمة العسكرية بدمشق: "الأفضل أن نحول إلى المحكمة العسكرية فهي أفضل من الإرهاب لأنها إرهاب فعلا".. تجمع حولها عشرات المعتقلات يسألونها إن كانت الأحكام ستصدر أم لا..وإن كانت المحكمة ستأخذ بتحقيقات الأمن أم ستعتمد تحقيقات قاضي التحقيق فيها..كان الخوف والقلق سيديّ الموقف في تلك اللحظات العصيبة.
غير أنّ السجناء لم يعيروا اهتماما لهيئة المحكمة، ومع أول أعداد ذهبت إليها اختفت حالة الرعب السائدة بين أوساط المعتقلين، من في المحكمة نفسهم أرسلوا "تطمينات" واصفين إياها بالمهزلة، تقفز إلى المخيلة صورا عديدة عن المحاكمات التي حدثت في العراق مطلع العام 2004، وعلى سبيل التهكم يتم استحضار صور عن محكمة "الدجيل" واسم ذلك القاضي الذي أدار جلسة محاكمة رئيس عربي متورط بجناية إرهابية.
يخاف المعتقلون من اسم" فايز النوري" رئيس محكمة أمن الدولة العليا التي يفترض أن تكون الإرهاب من أبشع مفرزاتها، طبع النوري صورة سيئة في ذاكرة السوريين على مدار عقود..أحدهم قال لي :" سيحكمنا النوري مدى الحياة ..هي هي الحرية".
يدخل الموقوف إلى قاعدة المحكمة مكبلا بسلاسل حديد مرتديا رداء أزرق محاطا بالشرطة، يسأله قاضي التحقيق سؤالا أو اثنين ومن وحي ضبط الأمن ثم بكلمة منه يتحدّد المصير: لن ينفعك إنكارك ولن ينفع التوسل أن ما ذكر كان تحت الضرب والتعذيب في الأفرع.,كل شي معد سلفا.
بعد شهرين من تعيين رئيس محكمة الإرهاب بدمشق القاضي حسان سعيد حتى صدر قرار من وزير العدل بنقل القاضي رئيس المحكمة السابق حسان السعيد إلى محكمة النقض وتعيين القاضي نذير خيرالله رئيساً جديداً لمحكمة الإرهاب، ويدور حديث عن خلافات كبرى وقعت بين أعضاء هيئة المحكمة بحسب مصادر مقربة وصل بعضها إلى درجة الإقدام على تقديم استقالات خطية وبعضهم اختفى وراء الشمس.
من لا يدفع يبقى حبيس القضبان
توسعت هيئة المحكمة اليوم وأضيف إليها ثلاثة قضاة جدد، استبشر المعتقلون خيرا ربما يعجل من النظر بأمرهم، ذلك قبل أن يكشف النقاب عن لعبة قذرة تدار في أروقة المحكمة، من لا يدفع يبقى حبيس القضبان، لعبة خيوطها الطائفية والمناطقية، فالقضاة اختيروا من مناطق ثائرة ليحاكموا الثوار. هذا منطقهم وهذه لعبتهم، يُشتم كل يوم قاضي التحقيق الثالث:" كيف يقبل قاضي من درعا الثائرة بمنصب كهذا يحاكم من خلاله أبناء درعا ؟..تدور الصراعات !! والحال نفسه ينطبق على قاضي التحقيق الرابع من منطقة التل وغيره من ريف دمشق..وأفضلهم وأكثرهم رأفة بالموقوفين تبث إشاعة حوله أنه من الساحل السوري!!
وكان مصدر موثوق من داخل محكمة الإرهاب قال إن عدد المعتقلين الذين تمت إحالتهم إلى محكمة الإرهاب يربو عن الخمسين ألف معتقل، وهناك عشرات الآلاف من المختبئين داخل سوريا وخارجها تمت إحالة ملفاتهم إلى محكمة الإرهاب لاسيما المنشقين عن النظام والمعارضين له الذين يعيشون خارج سوريا.
ويظهر تقصير المنظمات الحقوقية العربية منها والدولية في تبيان سلبية قرارات المحكمة ومخالفتها لأبسط معايير المحاكمات العادلة، يظهر واضحا، لم نشهد بيانات إدانة أو استنكار حيال محكمة بشعة تحاكم أهم الشخصيات السورية.
ما دفع الأسد الى إصدار قوانين لمكافحة الإرهاب، آخرها كان تسريح العامل بالدولة في حال ارتكابه عملا إرهابيا، ومعاقبة من يقوم بفعل الخطف بالأشغال الشاقة.
ضرب محيط الثورة الاجتماعي
ويجدر السؤال: عندما أقدم الأسد الابن على إصدار قانون يقضي بإحداث محكمة متخصصة بالنظر في قضايا الإرهاب يكون مقرها العاصمة دمشق، ماذا كان يخطر في باله؟ السؤال يحتمل إجابتين، إحداهما أنّه قرر تدمير شخصيات معتقلي الثورة الذين يحالون إليها تدميراً نفسيا كاملاً، قبل كل شي، والأخرى قد تكون إصراره المستمر على ضرب محيط الثورة الاجتماعي، وإلا لكان اكتفى بوظيفة محكمة أمن الدولة العليا السابقة" التي كانت لا تقل إرهابا عن محكمة قضايا الإرهاب، الأولى تعاقب المعتقل بسجنه سنوات بقرار سياسي، والثانية تعاقب مجتمع برمته فقط لأنه طالب بالإصلاح وفي المقدمة إصلاح القضاء.
أراد النظام السوري توجيه رسالة من خلال هذا القانون يكرسها كل يوم في ممارساته ويؤكدها كل لحظة: "أنتم لا مكان لكم بيننا..المسألة ليست فقط محاكمة متظاهر أو ناشط أو ثورجي..المسألة أعمق بكثير هناك عقوبة جماعية لمن قال لا لقانون الطوارئ والأحكام العرفية والعسكرية.. وإلا لكانت معاملة أهالي الموقفين ومحامييهم وذويهم ووسائل الإعلام والرأي العام مختلفة عن مرحلة قبل الثورة.!
شام محمد مشاركة لــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية