أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في لحظة بكائي على دمشق كتبت : "رسالة إلى نزار قباني"



حُرقتْ فوقَ قبركَ الأزهارُ
فدمشقُ الهوى لظى يا نزارُ

أمطرَ الشرُ مِنْ جحيم ٍ عليها 
وسقاها سمَّ الأسى الفجّارُ

واستباحَ الظلامُ فيضَ سناها 
فتوارى عنْ ناظريها النهارُ


لمْ يعدْ للنجوم فيها مكانٌ 
واختفتْ مِنْ سمائها الأقمارُ

ودمشقُ التي عشقتَ شذاها 
غابَ عنها الشذا وسادَ الغبارُ

لغة الياسمين بادتْ وشاعتْ
لغة صاغَ حرفها جزّارُ

وعناقيدُها رثتْها الدوالي 
وذوى في حقولِها النوّارُ

وتدلّتْ غصونها مثقلاتٍ
بأساها وجفتِ الأنهارُ

وعصافيرُها التي كنتَ تشدو
عشقها لمْ تعدْ لها أوكارُ

وتخلى حمامُها عنْ هديل ٍ 
وتلظتْ بصمتِها الأوتارُ

بعدما كانتْ للفراش مزاراً
لمْ يعدْ فيها للفراش مزارُ 

بعدما كانتْ في جفونكَ تغفو 
يسحقُ الآنَ هُدبَها إعصارُ

عافها الحبُّ وهي كانتْ مناهُ 
غالتِ الحبَّ والمنى الأخطارُ

عادَ تشرينُ يا نزارُ حزيناً
لامواعيدُ، لاهوى، لاانتصارُ 

لمْ تعدْ تحضنُ الدروبُ الصبايا 
والمقاهي يعافها السمّارُ


وَجَعُ الغوطةِ الوديعةِ يحكي 
كيف أدمى زهورَها الأشرارُ

واسأل ِالشامَ عنْ دموع الحزانى 
سيجيبُ الخرابُ والأحجارُ
هي ذي الشامُ في المواجع تحيا
واعترى حلمَها الجميلَ احتضارُ

كلّ أحيائها تنوحُ ثكالى 
فالأخلاءُ غادروا والجارُ 

تركوا ذكرياتهمْ حينَ غابوا 
وبها تفضحُ الهوى أسرارُ

كانَ للعشق في دمشقَ صروفٌ 
حين تسقي دروبَها الأمطارُ

يضحكُ الياسمينُ فيها جمالاً 
وابتهاجاً وترقصُ الأشجارُ
وعلى قاسيونَ ذابتْ قلوبٌ
شاقها في شوط الغرام انتظارُ

لدمشقَ القلوبُ تشقى احتراقاً 
وتزيدُ احتراقها الأخبارُ
كالسبايا مآذنُ الشام تبكي
رَحَلتْ عنْ فضائها الأطيارُ
أينَ ذاكَ البهاءُ كيفَ توارى 
واستعارتْ ثوبَ الحداد الديارُ

حينَ جئنا وأنتِ روضٌ نضيرٌ 
ما حسبنا أن يعتريكِ اصفرارُ 

ما حسبنا إذ كنتِ يا شامُ برداً 
وسلاماً بأنّ جوفكَ نارُ
يا نزارُ الحروفُ تعيا بياناً 
عاث في إرثها المجيدِ الصغارُ

منذ حُنكتَ والهوى أمويٌّ
طالما منه قد علاكَ افتخارُ
كيف تبدو دمشقُ إن لم تزيّنْ
وجهَها من أميّةٍ أنوارُ
وإذا ما اغتالتْ صِباها المنايا 
هل سيبقى لشعرنا إبهارُ
لو أحاط الأسى بعيني دمشقٍ 
هلْ سيبقى لأي نجم ٍ مدارُ
ما تراني عن العروبةِ أحكي 
ضاع في غور جرحِها المسبارُ

ونضالُ الشعوب صار مزاداً 
والقضايا يسوسُها التجارُ 
أدمنَوا الزيف والخداعَ طباعاً 
من حسبنا بأنهم ثوارُ
ذي سكاكينهم سقوها دمانا 
فيهمُ الغدرُ راية وشعارُ
عربٌ حين ينطقونَ ولكنْ 
عجمٌ في قلوبهمْ وتتارُ
ولساسانَ يُخلصونَ هواهُمْ
وَهُمُ لليهود حصنٌ ودارُ
حافظ آثرَ الخيانة درباً
وعلى دربهِ مشى بشارُ
أطبق اليأس فالطغاة جحيمٌ 
وبديلُ الخلاص منهم دمارُ
كلما رامتِ الشعوبُ فراراً 
فلعمق الجراح يفضي الفرارُ
كيف لي أن أبينَ والحزنُ نصلٌ 
في ضلوعي وحول حرفي حصارُ 
أتعبتني عروبتي يا نزارُ 
فهل الحبُّ كلّهُ أوزارُ
مَنْ لها الشامُ والعراقُ أسيرٌ 
صُفدَتْ في سجونِهِ الأحرارُ
هل يعود السرورُ يا شامُ يوماً 
فلقد مضَّ قلبيَ التذكارُ
ونصالُ الهموم تذبحُ صبري 
ليس يجدي مع الهموم اصطبارُ
إنّ قلبي معلق برجائي 
أنْ سينزاحُ عن دمشقَ الإسارُ
بعض صحبي يلومني في بكائي 
هل لصبٍّ سوى البكاءِ خيارُ
لا تلمني إذا بكيتُ دمشقاً 
إنّ في الدمع راحة يا نزارُ




محمد نصيف
(140)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي