أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل تنطلق شرارة الحرب الإقليمية من جنوب العراق؟... مهى عون

 من المحتمل أن تشكل الصورة القاتمة التي تظهرها الاشتباكات الشيعية الشيعية في بعض المناطق العراقية ولا سيما الجنوبية منها، نموذجاً للحروب الممكن اندلاعها في مناطق التوتر الشرق أوسطية. وليس طبعاً عبر استنساخ مشهدية الصراع داخل الطائفة الشيعية، إنما عبر تعميم حرب الفرقاء الحقيقين الواقفين وراء هذا النزاع. بمعنى أن التقاتل القائم فيما بين ميليشيا جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر المدعوم إيرانياً، وما بين القوات الحكومية النظامية المدعومة بميليشيات فيلق بدر التابع لحزب الدعوة، والتي تساندها في المرحلة القائمة القوات الاميركية، يشكل بمختصر الكلام قتالاً مقنعاً أو بالوكالة فيما بين القوات الاميركية وإيران. من هنا تأتي خطورة هذه النزاعات وخطورة توسعها إقليمياً. والجدير بالذكر أن حدة التوتر ونسبة الاستنفار فيما بين المعسكرين المتمثلين بإيران وسوريا وحلفاؤهما مثل حزب الله وجيش المهدي من جهة، والولايات المتحدة واسرائيل في الجهة المقابلة، شارفت ذروتها، وصولاً ربما في المرحلة المقبلة إلى نقطة اللاعودة.
 فالذي يجري في العراق بين الاطراف الشيعية المتنازعة هو من دون شك نذير شؤم للمنطقة بكاملها. ففي تشدد الزعيم مقتدى الصدر وعدم اذعانه للمهل المعطاة له من قبل الحكومة من أجل تسليم سلاحه، ورفضه الاغراءآت المتمثلة بقبول مشاركة تياره في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في الأول من تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، بحجة "أن المشاركة في الانتخابات هي حق يكفله الدستور، ونحن من يقرر المشاركة أو عدمها" على حد قول رئيس الهيئة السياسية في التيار الصدري اللواء سميسم، وفي تهديده ب"رفع تجميد" أنشطة جيش المهدي إن "اقتضت المصلحة العامة ذلك"، الكم الكافي من الدلائل والاشارات على عدم وجود أي ليونة أو استعداد لتقديم التنازلات من أجل تفادي المواجهات من جديد.
 والخطورة تكمن ليس فقط عبر احتمال تجدد الاشتباكات وتصاعد ضراوتها، بل وأيضاً عبر فرضية تدخل القوات الاميركية مباشرة في المعركة بواسطة الدعم الجوي الذي من الممكن أن تقدمه للقوات النظامية، في قتالها مع ما يسميه المالكي بالخوارج عن القانون أو "بالعصابات الاجرامية وعصابات تهريب المخدرات". هذا مع العلم أن تحميل قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بتراوس إيران مسؤولية تردي الاوضاع في العراق في اتهامها بدور"تدميري" فيه، عبر دعمها للميليشيات الشيعية، واتهامها بالتالي بتقويض جهود الحكومة العراقية لاحلال الامن والاستقرار، يصب في السياق ذاته أي في سياق تحضير الارضية والنفوس لهذا التدخل الاميركي المباشر على ساحة الاقتتال
 أما الملفت فهو تزامن تصعيد حدة التوتر في جنوب العراق مع المناورات الضخمة والغير مسبوقة في تاريخ الكيان الاسرائيلي، والتي تجريها القوات الاسرائيلية على حدودها الشمالية مع لبنان. وهو تزامن حمل بعض المراقبين على ربط توقيت هذه المناورات مع احتمال تدخل القوات الاميركية المباشر في خضم المعركة في البصرة كما في في باقي مدن العراق كالقاظمية شمالي بغداد، والتي تعد معقل قوات جيش المهدي، ومدينة الصدر والبصرة. ويعزو بعض المراقبين هذا التزامن، إلى نوايا اسرائيل بتوجيه رسائل غير مباشرة لإيران. بمعنى أن عرض العضلات هذا يستهدف إيران أولاً، وعبرها يوصل رسالة لحلفاؤها الاقليميين مثل سوريا والمحليين كحزب الله. وحسب بعض المصادر العسكرية المطلعة قد يكون السيناريو المتوقع في حال تجدد الاشتباكات بين الاطراف الشيعية في البصرة، تحرك اسرائيلي حربي باتجاه جنوب العراق، بحجة مساندة القوات الاميركية في حربها الغير مباشرة مع إيران، إلى أن تعمد القوات الجوية الاسرائيلية في المرحلة اللاحقة إلى ضرب بعض المنشآت النووية الايرانية. وأن تقوم اسرائيل بالضربة الموجعة ولكن الجراحية على المنشآت النووية الإيرانية بالنيابة أو بالوكالة عن أميركا قد تكون الوسيلة الوحيدة لتحييد الخليج العربي عن الاشتعال، والدول العربية المسماة بدول الاعتدال من التعرض لردات فعل انتقامية من قبل إيران.
               يبقى هذا التدخل العسكري الاسرائيلي في العراق دونه عقبات  ومحاذير ليس أقلها تعرض الداخل الاسرائيلي إلى صواريخ حزب الله المدعوم لوجيستياً من قبل سورياً، والمغذى مادياً وعسكرياً من قبل إيران. وقد تندرج ضرورة التخلص من هذه الاخطار أولاً قبل التوجه شرقاً باتجاه العراق، أي كمرحلة أولى للتخلص من الاطراف قبل ضرب الرأس. هذا في حال فشلت المساعي الهادفة إلى فك التحالف الاستراتيجي السوري الإيراني قبل مرحلة الحسم. أما في حال نجاح هذه المساعي القائمة على قدم وساق فيما بين اسرائيل وسوريا، قد ينتج عنها تحييد سوريا عن ساحة الصراع، وتقويض ولجم حلفاؤها في لبنان وعلى رأسهم حزب الله. فالكرة هي من دون شك الآن في الملعب السوري، وعلى قرارها النهائي فيما خص فك ارتباطها مع إيران أو عدمه، يتوقف تحديد ساعة الصفر لبدء قرع طبول أي حرب إقليمية.
 ولكن يبقى السؤال حول مصلحة اسرائيل في خوضها هذه الحرب الاقليمية المحتملة، وبالوكالة بجزء كبير منها عن الولايات المتحدة الاميركية. في الحقيقة وعبر تصاريح ومواقف كل المسؤولين الاسرائيليين يمكن استشراف نزعة للتخلص من عمق الهيمنة الايرانية على العراق، كونها تشكل المنافس الأول والتهديد المباشر للمصالح الاميركية في العراق. من ناحية أخرى وفيما خص محادثات السلام العالقة في عنق الزجاجة فيما بينها وبين سوريا، قد تشكل الحرب أي حرب محتمل اندلاعها  وسيلة للخروج من المراوحة والتمييع اللذان يميزان محادثات السلام القائمة فيما بين الطرفين. فالحرب سوف تدفع سوريا ألى التزام موقف نهائي بالنسبة لحزب الله وإيران وهي مواقف ما زالت سوريا حتى الساعة تراوغ حيالها. ولقد وصف في الآونة الأخيرة إيهودا باراك هذا التمويه في المواقف السورية، بقوله "أن سوريا تعرف جيداً ما هو مطلوب منها من أجل التقدم في عملية السلام". ولا بد من الاشارة أيضاً إن هناك أيضا مصلحة لاسرائيل في قيام حرب شرق أوسطية، كونها تشكل الوسيلة الوحيدة المتبقية لها من أجل استعادة هيبتها المهدورة في حرب تموز 2006 مع حزب الله
                                                 
كاتبة لبنانية
e.mail:[email protected]
     

(125)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي