أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

آه يا «معلم» ... سعاد جروس

ليس لدي وقت لسماعه. (بمعنى... حتى لو سمعه فهو لم يسمعه).

ليسمح لنا السيد وزير الخارجية السوري بمناسبة اجتياز عاصفة عقد القمة العربية في دمشق بنجاح أن نهديه أغنية: «آه يا معلم يا معلم, علمني الكار يا معلم, كارك بحار يا معلم, والبحر كبير يا معلم...», الأغنية التي كنا, ومعنا بعض الزملاء الإعلاميين, ندندن بها إثر كل تصريح أو مؤتمر صحفي للوزير خلال أيام انعقاد القمة.
فالهدوء الشديد كصفة ملازمة وأصيلة لدى المعلم انعكست على أروقة القمة, المحفوفة بكل أنواع المفرقعات الإعلامية المدوية, لتنتشر عدوى ظاهرة يمكن تسميتها «ريلاكس المعلم» لدى السوريين المشاركين.... ريلاكس تنتشر وتظهر انعكاساتها على الوجوه.
لم يكن المعلم خلال القمة وزير خارجية أو ناطقاً رسمياً فحسب, بل كان أكثر من ذلك بحضوره الدائم في بهو فندق إيبلا بين الإعلاميين وزيارته إلى المركز الإعلامي, وإجاباته عن أسئلتهم سواء الجديد منها أو المستهلك إلى حد الاستفزاز, بكل رحابة صدر وبروح «يا جبل ما تهزك ريح», لا تفتقر إلى روح دعابة تؤكد الارتياح إلى أن الأمور تسير على النحو المخطط له. وخلال خمسة أيام, ثلاثة منها كانت للاجتماعات التحضيرية واثنان لاجتماع القمة, لم يظهر على المعلم ملامح تعب أو إرهاق أو تذمر, مهما بلغ ارتفاع موج الحملات الخارجية واشتداد أنواء الانتقادات, حتى صح فيه ما قاله عبد الله بن عباس في معاوية: «كان حلمه قاهرا لغضبه, يصل ولا يقطع, يجمع ولا يفرق فاستقام له أمره».
فقد سئل أكثر من مرة عن موقفه من زيارة وزيرة الخارجية الأميركية رايس إلى المنطقة بالتزامن مع انعقاد القمة, وفي كل مرة كانت إجابته تنم عن عدم رغبة سوريا في التوقف عند هذه الزيارة, من دون قول ذلك بصراحة, إلى أن أنهت القمة أعمالها, وأعيد عليه السؤال, فرد بحزم «انس رايس... القمة اختتمت بنجاحها». فخط السير الذي رُسم للدبلوماسية السورية بحسب خطاب الرئيس بشار الأسد في القمة هو عدم الرد على الحملات الإعلامية والتركيز على الأهداف المستقبلية, وكان واضحاً أن الوزير المعلم قد بدأ بالتنفيذ مستخدماً مهارته الدمشقية في لعبة التصريح والتلميح, التصعيد والتهدئة, القطع والوصل... وكلما حاصره الإعلاميون, كانت ردود فعله واضحة ومن قبيل:

  • سمعت خطاب الرئيس السنيورة؟

­ ليس لدي وقت لسماعه. (بمعنى... حتى لو سمعه فهو لم يسمعه).

  • ما رأيك بزيارة رايس إلى لبنان ؟

­ ربما من يقّبلها اشتاق لها.

  • هل طرح موضوع لبنان في الجلسة المغلقة ؟

­ غاب لبنان فغيّب.

  • ما رأي سوريا بنفي وزير خارجية السعودية أن تكون بلاده تسعى لعزل سوريا؟

­ لا يوجد بلد عربي في قلبه نية لعزل سوريا.... إلخ من شد وجذب, كشف عن شخصية المعلم كلاعب متمرس بالدبلوماسية, يتميز ببرود أعصاب شديد مضاد للاستفزاز, لفت الانتباه وجعل الكثيرين يتحدثون عن كاريزما المعلم, مع أنه لا يشبه أيا من الشخصيات الكاريزمية التاريخية, لا من حيث الطول ولا العرض, ولا تسريحة الشعر ولا الخطابة والجزالة, ولا الحركات المسرحية, إنها كاريزما خاصة به, بملامح وجهه الممتلئة الوادعة الهانئة الراضية المرضية, وبساطة كلامه ووضوح أفكاره, وهدوئه وتأنيه, ملأ موقعه وأجاد فيه, فهو «اللين من غير ضعف والقوي من غير عنف» بحسب وصف عمر بن الخطاب فيمن يصلح للسياسة.
ظهور المعلم, كفَّى ووفَّى, حتى أنه غطّى على ما بعض ما أصاب ردود فعل الإعلام المحلي من حدة تارة وتشنج تارة أخرى, كما أخفى أصواتاً أخرى من خارج دائرة الدبلوماسية تتطوع للتصريح في كل مناسبة.
وهنا وقبل أن نكمل لا بد من الإشارة إلى أن التنويه بالجهود الاستثنائية التي بذلت ليس من باب المديح المجاني ولا حتى الشكر, كونه يعز على الصحفي عادة المديح, لكنه كلام يقال للإنصاف إذا شئنا تقييم هذه التجربة بالاستناد إلى تجربتنا في المشاركة بمناسبات مشابهة عربية ودولية. وفي هذا السياق نقول إنه بالإضافة إلى الأداء الدبلوماسي المتميز للوزير المعلم, ما جعل الأمور تبدو منضبطة وتحت السيطرة, فريق عمل أقل ما يقال فيه أنه تفانى لإنجاح تنظيم القمة, سواء كان فريق الشباب العاملين في الخارجية السورية, أو الفريق الإعلامي في العلاقات العامة بوزارة الإعلام السورية بإدارة وإشراف معاون الوزير طالب قاضي أمين الذي كان بمثابة عصب المركز الإعلامي الضخم الذي أنشئ لخدمة هذه المناسبة, ووكالة الأنباء «سانا» ممثلة بمديرها العام عدنان محمود, بمخالفته لتقاليد مديرينا العامين ووجوده في موقع الحدث ليس كمدير عام منشى ومحنط, بل كزميل إعلامي حيوي يمدنا بما يحصل عليه من معلومات, أو يسهل بحكم موقعه لقاءً مع مسؤول, ولا يفوته التعرف الى الضيوف من زملاء المهنة وإفادتهم قدر استطاعته...

 وإذا كان لا بد لنا من أن نرى النصف الممتلئ من الكأس بحسب الوصايا العشر للمسؤولين السوريين, فإن المركز الإعلامي والتسهيلات التي قدمت للإعلاميين تحتل جزءاً كبيراً من هذا النصف. فرغم ساعات العمل الطويلة التي كانت تبدأ في السادسة صباحاً ولا تنتهي قبل منتصف الليل, كان فريق العلاقات العامة ومديرهم الذي لم يغادر الميدان لحظة واحدة , ولم يغلق هاتفه على مدار الساعة, يتعاملون بمودة ولطف وصبر مهما كان ارتفاع الأصوات الناقدة وتكاثر الملاحظات والشكاوى بسبب أو بلا سبب... ولا تفوتنا رؤية الجنود المجهولين الذي ساهموا في توفير الأمن في مدينة دمشق عموماً وفي محيط انعقاد القمة خصوصاً, فهؤلاء الذين لا يمكن أن تصل بينهم وبين الناس مودة جراء التذمر من عمليات التفتيش الكثيرة أثناء الدخول والخروج, إلا أنهم كانوا دائما صامتين لا يبدون أي انفعال حيال التعليقات الممازحة وأحياناً الغمز واللمز, يؤدون مهمتهم بدقة...

حتى استحق تنظيم القمة تقييم «ناجح بدرجة جيد جداً», ذكرتنا بمناسبة أخرى ظهرت فيها سوريا كنموذج للتنظيم والأمن والأمان, وهي زيارة البابا يوحنا بولس العام 2002.
لا ريب في أن الشدة والصرامة في إدارة القمة, شكلت الأرضية التي تحركت عليها دبلوماسية «الريلاكس» بسهولة مكنتها إن لم نقل من منع حدوث أخطاء ظاهرة للعيان, فعلى الأقل غطت عليها, فلم تظهر إلا لمن أراد النكش والنبش لهواية بريئة أو لغرض في نفس يعقوب... 
 

              

الكفاح العربي
(121)    هل أعجبتك المقالة (129)

زميل

2008-04-06

ظبطي حالك ياسعاد بركي بتصيري شي مسؤولة .


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي