إن كنت لم تسمع باسم فرح عطعوط أو لم تشاهد صورها، فلا تكمل قراءة هذه المادة، ابحث عنها أولاً وكفّر عن ذنبك بتجاهلها ثم انزل الى شوارع الموت السورية وقل كلمتك لعل روحها تهدأ.
انظر الى جسدها والعروق والأضلاع التي بانت، هي الشهيدة جوعاً بعامها غير المكتمل بعد..انظر إليها جيداً ولا تشح بنظرك ولا تجزع ولاتدمع فكل العواطف بعد رحيلها مهترئة و كاذبة، وكل الكلمات المعزية بعد رحيلها أنانية وجبانة وكل المواقف هباء، انظر إليها بعينين متسعتين، فالرضيعة الجائعة أبت أن ترحل الا بعين مفتوحة على بشاعة هذا الكون، وفم يسأل لماذا تركناها في الغوطة الشرقية وحيدة؟
يقولون لكل امرئ من اسمه نصيب، لا أعرف بالتحديد ماذا كانت تفكر تلك العائلة المحاصرة تحت وابل القذائف حين اختاروا لابنتهم قبل عام هذا الاسم، هل كانوا ينتظرون فرحاً قادماً أو إنهم آثروا الاكتفاء بفرحهم الصغيرة..ما أعرفه اليوم أن لأطفال السوريين أقداراً وأسماء مقلوبة، وأن قدر فقرائهم أن يذوي فرحهم دون ضجيج.
إن كنت لم تعرف فرح فبالتأكيد لم تسمع عن تسنيم، في المعنى هي اسم عين ماء في الجنة، ويشربها صرفاً المقربون من عباده، أما في سوريا فهي لاجئة تسكن اليوم في إربد، هذه الطفلة التي لم تتجاوز تسعة أعوام بحاجة إلى عملية جراحية لاستئصال كتلة من الدماغ تكلف 5000 دولار...فهل من متبرع؟
عادة لا تأخذ هكذا أخبار حيزها من النشر أو التعاطف إلا على صفحات الفيسبوك وضمن محيط ضيق جداً فالمأساة باتت شبحاً يأكل الجيوب والقلوب، أما وسائل الإعلام فلا تغريها عادة إلا قصص الذقون واللحى.
أحدّث صفحة الفيسبوك لتطالعني صورة جديدة لأربعة أطفال ووالدهم جرجس الياس، في الحقيقة هي ليست صورة بل نعوة لعائلة قتلت في مجزرة بشعة في حي الدويلعة بدمشق ولم يتبق منهم الا الأم، أخجل من إمعان النظر في العيون التي تسألني بأي ذنب قد قتلتنا قذيفة الهاون؟ أذهب لقراءة الأسماء، نيرفانا، تالا، إيلي، بيتر..جميلة أسمائهم كعيونهم..أقول لنفسي يوماً ما قد اختار أحد هذه الأسماء لأطفالي..سرعان ما يشتعل حريق في أعماقي، وأهرب من فكرة أن يكون طفلي قتيلاً وأنا مصلوبة إلى جانبه في نعوة.
أرهقتك بقراءة هذه السطور؟ بلى.. يمكنك الاسترخاء قليلاً وشرب كأس من القهوة أو الليموناضة الباردة أو كأس ويسكي..هدأ من اضطرابك قليلاً فما زال يومي الإخباري في بدايته ولم أقص عليك كل القصص التراجيدية بعد.
تتوالى الصور وبالأحمر العاجل يمكنك أن تقرأ عن اكتشاف حالتين للإصابة بشلل الأطفال في محافظة ادلب، الأولى في قرية كفربطيخ والثانية في معردبسة..من ضمن أكثر من 15حالة على اتساع الجغرافية السورية تم اكتشافهم الى الآن في الوقت الذي قرعت به منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر محذرة من انتشار أوسع للمرض في ظل نقص اللقاح والأدوية اللازمة.
بالتأكيد قد سمعت بأطفال مدرسة الرسالة الخاصة في باب شرقي..خبر جيد..ليس الضحايا بالتأكيد بل الجيد في الأمر أنه قد وصلتك أخيراً بعض البشاعة الدائرة من حولك..هل تعرف أسمائهم؟ سأتلوهم على مسامعك مجدداً : مجد شحادة، منير سحوم، فانيسا ميخو، هوفانيس أطوكانيان، هل رأيت جثامينهم الصغيرة على شاشة الإعلام الرسمي للنظام، بتوايبت بيضاء ناصعة مكشوفة تطوف الشوارع الدمشقية وبلقطات قريبة جداً ومأخوذة بعناية للصلبان المتدلية من الصدور، فالفرصة سانحة على تلك الشاشة لاستغلال دموع الآباء والامهات وتطييف الموت، يقول التقرير الذي تقرأه المحررة متيلدا كربوج أن الهدف المزعوم لقتل هؤلاء الأطفال بقذائف الهاون هو الحرية... أما على الشاشات الأخرى التي تناصر الحرية لاتظهر -إن ظهرت- إلا بإقتضاب أخبار هكذا جنازات أو ميتات ولا يتم الاحتفاء بالجثامين، أو نعت أصحابها بالشهداء، عادة تلك الشاشات تكون محجوزة لمشاهد مجازر أطفال من الطرف الآخر.. قل لي على أي شاشة تشاهد الأخبار لأقول لك ماهو انتماؤك السياسي والايديولوجي وحتى الطائفي..ولأقول لك أيضاً إن كنت قد تعاطفت أو تأثرت أو شجبت أو بكيت على مأساة كل هؤلاء الصغار الأبرياء خلال الأسبوع الفائت وآخرون غيرهم..ولأقول لك أخيراً مقدار ما تمتلكه من إنسانية.
من كُتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية