أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل ... مقولة لا تصلح أبداً عند الوصول إلى الهدف المنشود بعد فوات الأوان ، ولأن من يصل متأخراً بعد رحيل العمر لن يجد أمامه سوى خيوط الدخان .. كان لابد من الوصول في الوقت المناسب قبل أن يتحول الهدف إلى مجرد حلم ضيّعه طول الانتظار بلا جدوى .
معركة قادمون في ريف حماة الشرقي من أهدافها المعلنة فك الحصار عن مدينة حمص عاصمة الثورة السورية ، مضى نحو ثلاثة أشهر على الإعلان عن بدء هذه المعركة التي حققت في بداياتها نجاحا جعل المحاصرين داخل أحياء حمص القديمة يستبشرون خيراً لكنهم أدركوا لاحقاً أنها كغيرها من المعارك والجبهات التي فُتحت بهدف فك الحصار ولم تكن سوى موقدة لحرق الفواتير الخلّبية وسوقاً لتجارة الدم بحجة فتح الطريق إلى عاصمة الحرية .
لم تكن معركة قادمون الأولى من نوعها فقد سبقتها معركة الجسد الواحد بنفس الأهداف وانطلقت من ريف حماة الشرقي وبقيادة قائد جبهة حمص العقيد فاتح حسون أيضاً لكنها فشلت ولم تحقق أهدافها على الرغم من المبالغ الباهظة التي صُرفت لها ، فجاءت معركة قادمون كخطة بديلة وبزخم ودعم أكبر من حيث سمعة وقوة الكتائب المشاركة في المعركة ودعم هيئة أركان الجيش الحر لها ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا .. أليس من الغريب بدء معركة بهذا الحجم وبدعم منقطع النظير من أجل فك الحصار عن حمص وتكرار سيناريو معركة الجسد الواحد " الفاشلة " في أدق تفاصيلها من حيث قيادة المعركة " العقيد فاتح حسون " ، وأرض المعركة " ريف حماة الشرقي " ، والهدف منها " فتح الطريق إلى حمص وتحريرها " .. ألا توجد مناطق قريبة من مدينة حمص ملائمة أكثر من حيث الوقت والجهد والخسائر المادية والبشرية للبدء بمعركة شاملة من أجل فك الحصار عن حمص؟
لطالما وجّهت أصابع الاتهام للائتلاف الوطني وهيئة أركان الجيش الحر بعقد صفقات مع النظام والمجتمع الدولي تقضي بعدم دعم الجبهات في المناطق ذات التنوع الطائفي " جبهة الساحل وجبهة حمص " بحجة الخوف من ارتكاب مجازر جماعية بحق الأقليات وهذا ما يُفسر فتح معركة قادمون من الريف الحموي بدلاً من الريف الحمصي ومنع الذخيرة والأسلحة والمال عن أي عمل باتجاه حمص لا تتم الموافقة عليه من قِبل قائد جبهة حمص " العقيد فاتح حسون " ورئيس أركان الجيش الحر" اللواء سليم إدريس " وفي هذا السياق تكون معركة قادمون بمثابة " مسمار جحا " أي عند السؤال عن دعم جبهة حمص يأتي الجواب بأن ما يُقدم لحمص من دعم عن طريق هذه المعركة لا يُقدم لغيرها .
في ظل العجز العربي عن إيجاد مخرج للأزمة السورية وضعف الموقف الأمريكي وحنكة الدبلوماسية الروسية مازالت أوضاع المحاصرين داخل أحياء حمص القديمة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم وهم ينتظرون الذين يصلون ولا يصلون .. يصلون بأقوالهم وشعاراتهم الرنانة ولا يصلون بأفعالهم وأجسادهم لفك الحصار عنهم بعد نحو عام وخمسة أشهر من الحصار الخانق ، وكان لمعركة قادمون أثر إيجابي على نفوس المحاصرين في بدايتها نظراً لسرعة التقدم لكن سرعان ما تحول هذا التقدم إلى زحف بطيء جداً لا يتناسب مع حجم المأساة التي يعيشها المحاصرون وحاجتهم إلى الدواء والغذاء بالسرعة القصوى ولذلك جاءت الانتقادات لمعركة قادمون وقائدها العقيد فاتح حسون عبر مواقع التواصل الاجتماعي .. فمنهم من وضع صورة سلحفاة كُتب على ظهرها " قادمون " في إشارة إلى بطئ التقدم ومنهم من وجه الكلام إلى قائد المعركة فكتب " فاتح حسووون شو مشان قادمووون " .
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن صفقة أمريكية – روسية لإجبار كافة الأطراف وإكراههم على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 ، كما دار الحديث أيضاً عن تقسيم سورية إلى كانتونات طائفية وعرقية بموجب تلك الصفقة ، وانهالت الاتهامات على هيئة أركان الجيش الحر بشأن علاقتها بالصفقة وبيع مناطق بعينها منها مدينة حمص والقصير سابقاً ومنطقة القلمون حالياً من أجل أن تكتمل الصورة قبل الذهاب إلى جنيف ، ولنفترض أن لا علاقة لهيئة الأركان بهذه الصفقة وأن نواياهم صادقة بفك الحصار عن حمص من خلال معركة قادمون ... لكن من يتابع الإستراتجية والنهج الذي يحكم عمل هيئة الأركان والأجندات الخارجية التي تفرض نفسها وبقوة على التكتيكات العسكرية والقرارات التي يتم اتخاذها يُدرك أنها تترجم الأفكار الغربية وتمهد الطريق لجنيف 2 وتخدم الصفقة الأمريكية – الروسية التي بدأت تطفو على السطح لتقسيم سورية ( بقصدٍ أو بدون قصد ) .. لكن وكما قيل قديماً " الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة " .
في نهاية المطاف يبقى السؤال الأهم هل لتوقيت انعقاد مؤتمر جنيف 2 أي علاقة بسير العمليات العسكرية في معركة قادمون وبسحب بعض الكتائب التابعة لجبهة حمص من منطقة القلمون وزجها في معركة قادمون في الوقت الذي يستعد فيه النظام مدعوماً بخمسة عشر ألف مقاتل من حزب الله لاقتحام القلمون والسيطرة عليها ؟
.- صحفي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية