لا خوف على الثورة السورية من مؤتمر جنيف

تسود أوساط المعارضة السورية أجواء محمومة من الخوف والشعور بالمؤامرة من مؤتمر جنيف، حيث نجد بعض الردود الهستيرية وعودة لخطاب التخويني الذي يتخصص به الأسد وأتباعه لكل مختلف بالرأي ، ومنبع الخوف يكمن في الشعور أن لا أحد يريد لهذه الثورة التي دفعت الأثمان الأبهظ في ثورات الربيع العربي.. لا أحد يريد لها أن تنتصر ، فالكل يغدق عليها الوعود والقليل القليل من يصدق، وشعور آخر بالمرارة بل والحقد على المجتمع الدولي الذي ترك السوريين يعيشون الألم وحدهم في مواجهة آلة تدمير جهنمية لا تردعها روادع أخلاقية أو سياسية أو قانونية ، فآلة الإجرام الأسدية لم تسمع بأي شيء يدعى اتفاقيات جنيف لتحترمها، فيكف إذن يعقل أن تطبق نتائج إعلان جنيف الأول قبل الدخول في مؤتمر جنيف الثاني.
رغم كل ذلك أقول إنه لا خوف على الثورة من مؤتمر جنيف أو غيره، فتكوينة الثورة السورية تسمح لها أن تصحح ذاتها بذاتها، حتى ولو طال الخطأ ويعود ذلك بشكل رئيس الى كونها "ثورة شعبية حقيقية"، فهي الأولى في تاريخ سوريا الحديث، وعندما نقول ثورة شعبية يعني أكبر نسبة مشاركة من الشعب، وهو يعني بالضرورة ارتفاع منسوب الوعي السياسي إلى درجة يستحيل معها أن يمرر أي شخص أو دولة أو قيادة أي اتفاق دون أن يرتكز إلى الحد الأدنى من المبادئ التي انطلقت من أجلها الثورة، وهنا تكمن صعوبة بناء القيادة السياسية للثورة، فالكل شارك فيها بدمه، بماله، ببيته، بهجرته أو لجوئه، وبالتالي فالكل يحق له أن يتكلم باسمها ويشعر بملكيته الخاصة لها، وهو بالمناسبة سبب استمرار الثورة، رغم العنف الأقصى الذي مارسه الأسد ووصل إلى حد استخدام سلاح التدمير الشامل (السلاح الكيماوي).
لقد كان عنف الأسد أشبه بالوقود الذي يدفع ويغذي دماء جديدة، ويحرضها باستمرار على الانخراط في الثورة والدفاع عنها.
لم يعرف التاريخ السوري ثورة مثيلة لثورته الحالية على الإطلاق، رغم أن كتب التاريخ السورية حافلة بالتزوير عن ثورات كبرى وصغرى شهدتها سوريا، وأكبر كذبة متمثلة في ثورة "البعث" في ٨ آذار ١٩٦٣ عند استلامه الحكم، وكأني بالبعث من شدة احتفائه الكاذب بكلمة الثورة وتمجيده لها في المقررات المدرسية شهد أكبر ثورة عليه في تاريخه، ولذلك نستطيع القول أن لا خوف على ثورة يمسك بزمامها الشعب من جنيف أو غيره، فالثورة قادرة على تصحيح نفسها وبناء قياداتها باستمرار، حتى تصل إلى تحقيق أهدافها.
صحيح ان الثورة الشعبية لا قيادة لها، وتلك كانت نقطة قوتها من البداية فما استطاع الأسد قمعها رغم آلة العنف، لكنها فيما بعد تحولت لنقطة ضعف، فعدم بناء قيادة للثورة جعلها تستكشف مصيرها الخاص، وتدفع أحيانا أثمانا باهظة من عدم قدرة القيادة على رسم مسارها، لكنها الآن ومع مؤتمر جنيف تعيدنا إلى السؤال ذاته وهو أنه لن يكون من الممكن بناء قيادة ممثلة للمشاركة في جنيف، وبالتالي على المعارضة أن لا تشعر أنها ستخسر شيئا من المشاركة، لا سيما أنها لن تسلم قطعة سلاح واحدة امتلكها الجيش الحر، وأنها لن تنسحب من شبر واحد تحرر من قوات الاحتلال الأسدية، وبالتالي هي فرصة للمعارضة لتظهر قدرة قيادتها على الحنكة السياسية واستكمال المعركة بوسائل سياسية تمكن سوريا اليوم من الخروج من محنتها وتحقيق أهداف ثورتها.
مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية