أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا يمكن للثوري الايطالي كاميليو بيرنييري أن يقول اليوم للثوار السوريين

بعد محاولته التصدي للفاشية في وطنه إيطاليا اضطر الثوري التحرري كاميلو بيرنييري ( 1897 – 1937 ) للجوء إلى المنفى فرارا من قمع الدوتشي , و مع اندلاع الثورة الإسبانية عام 1936 تطوع على الفور في صفوفها .. بعد المواجهات الأولى التي نجحت في إجهاض انقلاب فرانكو , تحولت ثورة العمال و الفلاحين الإسبان إلى صراع مسلح طويل و قاسي , و إلى جزء من صراع إقليمي بين قوى سلطوية متنافسة كانت على عتبة حرب قارية و عالمية جديدة , يشبه كثيرا ما جرى مع الثورة السورية .. و بينما دعم هتلر و موسوليني حليفهم فرانكو بكل شيء نأت الحكومة البريطانية بنفسها عن النزاع و ترددت حكومة الجبهة الشعبية الفرنسية في دعم الثوار الإسبان رغم أنها كانت ستصبح إذا انتصر فرانكو محاصرة بالفاشيين من الشرق و الغرب .. في نصائحه للثوار الإسبان الذين قاتل بينهم , حذر بيرنيري من عسكرة الميليشيات , مع إدراكه أهمية التنسيق بينها , لكنه لاحظ أن محاولة استبدال الانضباط الطوعي في الميليشيات بالانضباط القائم على الهرمية و محاولة فرض مركز مدعوم من المورد الأول للسلاح للثوار الإسبان , أي ستالين , سيعني شيئا واحدا في الواقع هو محاولة فرض سيطرة الستالينيين الإسبان على تلك الميليشيات العمالية و إخضاع و قمع مخالفيهم خاصة من التحرريين .. شكك بيرنيري في أن يزيد هذا القمع و تلك المركزة من قوة الثوار كما جرى الزعم , لأن القمع سيتركز , كما حدث فعلا , على كل من لا يخضع لذلك المركز , على كل صاحب فكر و مشروع مستقل , الأمر الذي لن يهدد خصوم الثورة بل أهدافها التحررية قبل أي شيء .. و بينما سيقمع التحرريون و كل مخالف بحجة "وحدة الصف" سيترك الوصوليون و المتسلقون و اللصوص داخل معسكر الثوار دون عقاب بنفس الحجة .. و في مواجهة سياسات حكومة مدريد التي حاولت إغراء فرنسا و بريطانيا الاستعماريتين بمنحهما امتيازات في المغرب في حال مساعدتها ضد جيش فرانكو اقترح بيرنيري منح المغرب استقلاله .. اعتبر بيرنييري الشعب المغربي حليفا أكثر صدقا و كفاحية للثوار الإسبان من الحكومات الاستعمارية في فرنسا و بريطانيا التي اكتفت بالصمت على جرائم فرانكو و مرتزقته من نازيين و فاشيين بحق المدنيين و الثوار الإسبان , لأن أيديها أيضا كانت ملطخة بدماء شعوب ثارت من أجل حريتها , و لأنها تهتم بمصالحها و أرباح شركاتها أكثر بكثير من حياة و حرية الملايين .. أعتقد أن بيرنييري كان سينصح الثوار السوريين بمحاولة كسب الشعوب المضطهدة حولهم و بينهم , بالسعي لتوحيد نضالهم مع تلك الشعوب و ليس مع مستعبديها , في حالة أكراد سوريا مثلا أعتقد أن بيرنييري كان سيوصي الثوار السوريين بأن يطوروا و يوثقوا علاقاتهم بثوار و تحرريي كردستان , و أيضا بثوار و تحرري إيران .. ليس صحيحا أن حرية أكراد سوريا تتناقض مع حرية العرب في سوريا , هذه كلها أكاذيب سلطوية اخترعتها الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على هذه المنطقة كجزء من محاولتها تبرير استبدادها .. إن أهم أعداء نظام ملالي طهران الداعم الأول لطاغية دمشق ليست الديكتاتوريات الموجودة على الطرف الآخر من الخليج , أهم أعداء نظام طهران و أكثرهم تحررية هو الشعب الإيراني نفسه .. أخيرا أوصى بيرنييري بتسريع تحويل الثورة السياسية إلى ثورة اجتماعية .. لقد جرى في سوريا انقلابا اجتماعيا إن صح القول لكن ليس ثورة اجتماعية .. لقد جرى نزع ملكية عدد كبير جدا من الرأسماليين الصغار و المتوسطين , و عدد أقل بكثير من كبار الرأسماليين , و أيضا الكثير من الفلاحين و أشباه البروليتاريين , و جرى أيضا الاستيلاء على جزء مهم مما يسمى ملكية عامة أو أملاك الدولة حتى الثروات الطبيعية كالنفط مثلا , و يمكن توقع مصير مشابه للملكيات الخاصة و "العامة" خارج مناطق سيطرة تلك الكتائب إذا امتدت سيطرة الأخيرة إليها .. لكن كل تلك الملكية المنزوعة لم تتحول إلى ملكية جماعية , فقط تغيرت الأيدي التي تملكها .. أعتقد أن بيرنييري كان سيشير على الثوار السوريين بأن يبدؤوا بمواجهة قضية عدالة توزيع الثروة , لأنها أساسية في إعادة بناء المجتمع , و لارتباطها الصميم بقضية توزيع السلطة ..

مازن كم الماز
(109)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي