بعد 11 شهرا من تحرير "دوما" تخيل كثيرون بأنها المرحلة الذهبية التي يفترض أن تتنفس المدينة من خلالها الصعداء وتعيش أجواء الحرية والحكم الذاتي الذي طالما تغنى به الثوار ووعدوا به الأهالي.
وبعد عدة تجارب خاضها العديد من الجهات في محاولة لإدارة شؤون المدينة في ظل وضع خانق وغير مسبوق من الحصار والجوع تنطلق حرب بيانات ومعركة حامية الوطيس بين عدة جهات وشخصيات يختلط بها العسكري بالديني والمدني والإغاثي في مخاض عسير لتشكيل مجلس موسع يرعى شؤون المدينة.
*مخاض تأسيس مجلس الشورى الموسع
تململ واضح في أوساط أهالي مدينة "دوما" جرّاء استمرار الحصار والوضع المتدهور في المدينة وخصوصا بعد إغلاق نظام الأسد للمدخل الوحيد لها على مخيم الوافدين والذي يعتبر الشريان الضعيف الوحيد الذي يغذيها فيما أفرزت المرحلة ظهور طبقات وشرائح اجتماعية وعسكرية جديدة تملّكت بحكم مواقعها الموارد القليلة التي يفترض أن يتقاسمها الجميع.
نداءات بات الأهالي يطلقونها بضرورة تسيير شؤون المدينة الخدمية من قبل أصحاب اختصاص وخبرة، وهو ما افتقدته "دوما" من خلال المجالس الكثيرة التي تشكلت وتتشكل دون الإكتراث بمبدأ المهنية والتخصص، ما خلق فوضى في إدارة الأمور وجعل الأصوات تتعالى بوجوب تشكيل هيئة مهنية متخصصة.
تكرر تشكيل المجالس المحلية ولكنها لم تطبع بصمة خدمية مؤثرة لأسباب تتعلق بحالة الحرب التي تحياها المدينة والضغط الشديد الذي يمارسه نظام بشار الأسد وحالة الحصار المزمن، إضافة إلى عدم وجود دعم منظم لها كما يقول مُشكّلوها كان آخرها المجلس المحلي الذي شكّله بعض المهندسين والشخصيات المدنية قبل شهرين على أنقاض الإدارة المدنية.
وقد أعطي المجلس ذالك فرصة كتجربة من قبل الإدارة المدنية ومجلس الشورى القائم مدة 40 يوما فقط لإثبات جدارته في إدارة أمور المدينة من حيث السجل العقاري (الطابو) وأعمال البلدية الأخرى، وكان امتحانه بتسلّم ملف النظافة والتعامل مع المخلفات.
يقول أحد أعضاء المجلس المحلي السابق عمر "حاولنا أن نخلق شيئا من العدم، الآليات وسيارات القمامة معطلة وتحتاج لمبالغ كبيرة للإصلاح ولايوجد أي دعم مالي للمجلس المحلي أو لعملنا من أي جهة فيما الدعم يذهب برمته لمجلس آخر دون رقابة، ومع ذلك أحرزنا تقدما كبيرا خلال المدة التي تسلمنا بها المجلس كونه تخصصنا".
ويتساءل "كيف نعمل بوجود كل هذا الحصار والتجيشش ضدنا".
فيما يشير آخرون إلى أن هذا المجلس مسيّس ويحمل لونا فكريا واحدا وهو مايسبب رفضه من قبل البعض.
*حلّ المجالس ومجالس الحلّ
بعد انقضاء 40 يوما صودرت الآليات والسيارات في مقر البلدية من قبل من قيل إنهم يتبعون "لمجلس آخر" ،دفعت هذه الخصومات اللجنة التي شكّلها حينها مجلس مجاهدي دوما لتوسيع مجلس الشورى وتوحيد المجالس للتدخل المباشر ووضع حد للتجاذبات والخلافات بين الهيئات المختلفة.
فقد أصدر مجلس المجاهدين "كجهة عليا في الغوطة الشرقية" حينها قرارا بحل جميع المجالس والهيئات المدنية بما فيها مجلس الشورى والهيئة القضائية والمجالس المدنية والمحلية باستثناء من سيتم تكليفه من قبل مجلس مجاهدي دوما الذي يتكون من تجمع قيادات عدة كتائب عسكرية وألوية على رأسها لواء الإسلام.
كان قرار حل المجالس كما يشير أحمد طه رئيس مجلس المجاهدين في المدينة يهدف إلى إتاحة الفرصة لتشكيل مجلس توافقي موسع يكون مقبولا من الجميع.
وقوبل قرار حل مجلس الشورى ومساواته بغيره بالرفض التام من قيادة لواء الإسلام ومجلس الشورى معا، وأصدر قائد اللواء الشيخ "زهران علوش" بيانا يرفض فيه قرار حل المجلس ويؤكد على بطلانه، واعتباره المجلس الشرعي الوحيد في المدينة وبيده وحده "الحل والعقد" واتخاذ أي قرار والتحكم بأمور المدينة عبر مكاتبه كما يؤكد عدم شرعية جميع المجالس الأخرى.
تعالت الأصوات داخل المدينة وخارجها بالتذمر وبوجوب اتفاق الجميع على حل مرضٍ يخفف معاناة الأهالي في هذه الظروف العصيبة ويركز على الاهتمام بهم.
وكانت لجنة توسيع مجلس الشورى عقدت أول اجتماعاتها في 29-9-2013 ، والذي حضرته كافة القوى الثورية الفاعلة من مدنيين وعسكريين وعلماء ووجهاء ومثقفين وناشطين بمن فيهم أعضاء مجلس الشورى وقيادات لواء الإسلام، وقدتم تقسيم خطة عمل اللجنة إلى ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى وتتضمن البدء بتشكيل المكتب التنفيذي للمجلس، فيما الثانية تتضمن تشكيل الهيئة العامة وفق الرؤية الموضوعة لذلك دون إقصاء أحد وبمشاركة الجميع.
بينما تتضمن الثالثة استكمال باقي المكاتب واختيار رؤسائها بالتوافق بين أعضاء الهيئة العامة.
وجرت عدة اجتماعات بحضور تلك الشخصيات وكانت المناقشات تدورحول أهمية تلك الخطوة، وفيما تساهل البعض في موضوع التسمية وقبول استبدال اسم المجلس المحلي أو المدني بمجلس الشورى الموسع للدلالة على تمثيل الجميع إلا أنه ومع ذلك يقول أحمد طه قائد لواء شهداء "دوما" ومجلس المجاهدين "تغيب في الاجتماع الأخير والنهائي ممثلو لواء الإسلام ومجلس الشورى رغم مواكبتهم لجميع الجلسات والمناقشات السابقة، وهو ما كاد يجهض عملنا غير أننا أعلنا عن تشكيل المجلس الموسع لأن كل شيء كان قد اتفق عليه.
*إعلان تشكيل "الشورى الموسع"
كانت المدينة تموج بحالة من الغليان، ففيما تدك صواريخ وقذائف نظام الأسد صباح مساء الجميع، ويعاني أهلها من فقدان أبسط متطلبات الحياة الضرورية كالغلاء الفاحش في الأسعار و انتشار الجوع والمرض وغياب شبه تام للأدوية وانسداد الأفق وإغلاق جميع المداخل وإذلال السكان وقهرهم.
ويتبارى البعض في حرب بيانات ومواقف كادت تنتقل من حدود التراشق بالكلمات والاتهامات لتصل حدود أخرى لولا تدخل العقلاء من أهالي المدينة.
وأمام هذه الواقع أُعلن أخيرا عن تشكيل المجلس الموسع كهيئة مدنية عليا لها هيكلية تنظيمية واضحة تقوم على فكرة الفصل بين السلطات وتحديد العلاقة بينها وتحديد مهام كل سلطة وآلية عملها ومحدداته، كما حددت مكاتبه الرئيسية واعتبر بحسب ماتم الاتفاق عليه رؤساء تلك المكاتب بالإضافة إلى رئيس مجلس مجاهدي دوما "أحمد طه" نواة أولية للمكتب التنفيذي لمجلس الشورى الموسع.
وهو ما قوبل حينها بالرفض من قبل قيادة جيش الإسلام وقائده الشيخ زهران علوش الذي أصدر بيانا شديد اللهجة يرفض فيه المجلس، وصلت الاتهامات إلى حد اتهام بعض القيّمين عليه بارتكاب جرائم السرقة والنهب والتعامل مع النظام ودعوة أعضاء المجلس الجديد ممن وصفهم "الأفاضل" للانضمام لمجلس الشورى"الشرعي" كونه الجهة الوحيدة التي يعترف بها ما أثار تساؤلات عديدة بدأت تطرح حول "كيف يمكن اتهام شخص بارتكاب جرائم بذلك المستوى وتركه بعد ذلك حرا طليقا يمارس نشاطه و أعماله تحت سمع وبصر مجلس الشورى السابق المسؤول عن اللجنة القضائية ومتابعا لها.
موقف وجد صداه عند بعض عناصر وأعضاء "مجلس المجاهدين" الذين أعلنوا في بيان جديد رفضهم لمجلس الشورى الموسع الجديد والطعن بالقرار برمته مستندين على فكرة عدم قانونية قرارات رئيس المجلس بسبب انتهاء مدة رئاسته، ما أثار بدوره ردود أفعال سلبية من عدة جهات مدنية وأهلية لما اعتبرته فرضا لأشخاص ومصادرة للحالة المدنية.
يشير المهندس نزار الصمادي مسؤول الإدارة المدنية في مجلس الشورى الموسع إلى أنهم مستمرون بخطوة تشكيل المجلس ومكاتبه و سوف يتم العمل على تشكل الهيئه العامه ومن ثم يتم تشكيل بقية المكايب وهي بدورها تنتخب رؤساءها وممثيليها داخل المكتب التنفذي وأضاف بأن الهيئه العامه سوف تضم أغلب الأطياف والقوى المدنية الثوريه والفاعلين على الأرض والاختصاصيين.
*كيف بدأ تشكل المجالس ومتى؟
ما إن أكملت كتائب الجيش الحر مهمتها بطرد كامل الحواجز العسكرية التي كانت تقطّع أوصال المدينة وتحرير المراكز الحيوية من القناصة المتمركزين على سطوحها منذ أشهر طويلة والتي كان آخرها قناصة البرج الطبي ومبنى البلدية اللذين كلفا المدينة أكثر من 400 شهيد من أبنائها حتى سيطر الأهالي على مبنى البلدية، وأعلنت المدينة محررة في شهر تشرين الثاني من عام 2012.
ولم يمضِ سوى أيام فقط حتى باشرت الإدارة المدنية عملها وكان مقرها المجلس البلدي نفسه برئاسة المهندس نزار الصمادي في 18122012، وقد عرّفت عن نفسها بأنها مؤسسة مدنية مؤقتة مهمتها إدارة الأزمة في المدينة المحررة والسعى إلى إنجاز مهمتين أساسيتين الأولى تأمين الخدمات المدنية وحفظ الأمن بالشكل الذي يضمن إعادة الخدمات الطبية والتعليمية والتجارية والثانية محاولة إعادة المرافق العامة إلى العمل من مدارس ومستشفيات وطرق وأسواق وخدمات المياه والكهرباء والاتصالات
وقد باشرت أعمالها بإزالة الدمار من الشوارع وأعمال التنظيف ومحاولات إصلاح الكهرباء وهو ما لم يتم كما يجب بسبب معاودة القصف وعوائق أخرى.
مجلس الشورى
لم يمضِ وقت طويل على إعلان الإدارة المدنية حتى أُعلن مجددا عن انبثاق مجلس آخر في المدينة قوامه عدد من المشايخ المعروفين تحت اسم "مجلس الشورى"، وقد عرّف عن نفسه في بيانه الأول بالقول"قام مجموعة من طلبة العلم بإنشاء مجس لإدارة البلاد بما تنادي به الغالبية الساحقة من المسلمين وهو تحكيم شرع الله سبحانه بحسب ما تقتضيه القواعد العلمية والأصول الشرعية مع مراعاة أحوال الناس وتقدير المصالح والمفاسد وتقديم أعلى المصلحتين ودفع أعلى المفسدتين ولمّ ما تبعثر من المؤسسات التعليمية والتموينية والدعوية والخدمية وسُمي هذا المجلس بمجلس الشورى.
وقد تأسس هذا المجلس في بداية الشهر الثالث - شهر ربيع الأول سنة 1434 وكان قد تعرض لهجمات شرسة من الحاقدين والعابثين والحاسدين لإفشاله، ولكن الله قدر أن يستمر -بحسب بيان المجلس الأول- فيما تركز عمله في موضوع القضاء والأمن وإدارة الموارد.
وتوالى إعلان المجالس واحدا تلو الآخر، فقد أعلن عن تأسيس المجلس المحلي الأول والثاني والثالث وجميعها تصطدم بحالة من الإنكار والمحاربة وعدم توفر الدعم المناسب لإنجاز مهامها.
بعد كل تلك الجلبة والانتقادات الحادة من الأهالي اجتمع طيف واسع من القادة والشخصيات النافذة والمشايخ ليتم الاتفاق على التهدئة وعلى توسعة "مجلس الشورى" القديم، وعلى عودة بعض المستقيلين منه ليبقى الشيخ "أبو نعمان دلوان" رئيسا لمجلس الشورى الموسع والمهندس "نزار صمادي" رئيسا للمجلس المحلي المؤقت للإداره المدنيه والخدمات وليتم فصل الهيئة القضائية عن مجلس الشورى وتسلم مقرها من قبل المجلس المحلي المؤقت الجديد..
فيما خط أحد المجتمعين على هامش موافقته على محضر الجلسة بعد أن وضع كل منهم شروطا لعمله، "أوافق حقنا للدماء" ! .. ليخرج المجتمعون وسط فرحة ونشوة في مسيرة في شوارع المدينة ممسكين بأيدي بعضهم معلنين بأن اجماعهم قد أثمر.
سعاد خبية - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية