تتشابك بيوت المسيحيين والمسلمين في الأحياء القديمة لمدينة حمص كما تتشابك علاقاتهم, وتجد عائلات تعيش مع بعضها في نفس "الزابوق" من عشرات السنين وعلاقاتهم ممتازة, بل ربما أرضعت تلك المرأة المسلمة ذلك المولود للعائلة المسيحية أو العكس, ومع بداية الثورة بقي أهل "الحارة" مدنيين وثوارا في أحيائهم وبقيت علاقاتهم على ما كانت عليه.
ومنذ بداية الثورة أيضاً رفضنا تلك "المزاودات" التي يطالعنا بها البعض حول أوضاع المدنيين المسيحيين، وتحملنا كل الكلام والمقالات البعيدة عن الواقع والتي تحاول أن تستفزنا وتختبر علاقة الجيران, كما حاولنا أن نغض الطرف كثيراً عن ما يُقال في الإعلام, كل ذلك لأننا نرفض أن نجعل من الناس الذين عشنا معهم وتربينا بينهم مادة للإعلام و"المزاودة" فلم نصور ولم نكتب ولم نتّسول على المؤسسات باسمهم.
مع بداية الحصار كان هناك أكثر من ألفي مدني مسيحي -بعدما هجّر النظام أهل المدينة- يعيشون في حمص القديمة ووادي السايح منهم من استشهد وهو يرافق كتيبة من الثوار كالبطل باسل شحادة، أو كالشاب حسام خليل الذي كان يحمل المساعدات للناس، أو كالطبيب طلال أثناء علاجه للجرحى ومنهم من راح ضحيةً للقصف الجنوني الهمجي من الأسد وأتباعه وهو في داخل بيته, وقد دفع الثوار في سبيل تأمين حياة المدنين –كلهم- الكثير من الدم فاضطر ثوار حي باب هود أن يتحملوا كلفة لاتزال آثارها ظاهرة لليوم من أجل إخراج أكثر من ألف وسبعمائة مدني مسيحي خرجوا عبر باب هود نحو الميدان ولمن يريد أن يعرف كم كانت كلفة ذلك الإخراج في الدم قبل المال فليسأل أهل باب هود الأبطال.
وعاش من رغب بالبقاء بين الثوار والمدنين كما يعيش أهل أي "حارة" في "حارتهم" ومنطقتهم يجلسون عند الباب مساء –أثناء هدوء القصف- ويخرجون صباحاً لإحضار حاجياتهم, فشاركوا الثوار بالماء والطعام والدواء رغم القلة والعوز الذي يضرب المدينة منذ بداية الحصار، وقدم جيرانهم لهم كل ما يمكن أن يقدموه حتى التبغ والخمر, عاشوا آمنين إلا من قذائف النظام وصواريخه التي تضرب في كل يوم أحياءنا وشوارعنا وتهدد حياة الجميع.
اليوم يحاول البعض -بقصد أو غير قصد- أن "يزاود" على الثوار في هذه المسألة وأن يعرض عليهم إخراج المدنيين من المسيحيين دون المسلمين عبر حواجز النظام، وقد تتصل الكنيسة "الفلانية" أو الأب الفلاني لمتابعة الموضوع، محاولين تصوير هؤلاء الثوار وكأنهم وحوش أتوا من خارج هذا الكوكب ليلتهموا الناس في أي وقت, متناسين -أو جاهلين- أن تلك السيدة التي يتحدثون عنها علّمت أكثر من نصف ثوار الحي في الصفوف الابتدائية وهم لا يجرؤون حتى اللحظة -ورغم حملهم للسلاح- على النظر في وجه معلمتهم احتراماً, ونسوا أن ذلك الرجل الذي يتحدثون عنه هو العم صاحب الدكان الذي كان يدخلها الثوار في صغرهم لشراء السكاكر كل يوم بما فيها أيام العيد, ونسوا أن ذلك الشاب الذي يتحدثون عنه هو فلان صديق ثلاثة أرباع الثوار في صغرهم، وربما ضربهم وضربوه كما يفعل الصبيان, ثم يأتيك من "يزاود" عليك في هذا ويقول لك أنتم تفعلون كذا وكذا من الأشياء ونريد منكم أن تثبتوا كذا وكذا, أشياء تشعرك بأن محدثك من كوكب آخر لا يعرف عن الواقع الذي نعيشه شيئاً ويكسوه جهل واضح حول البيئة التي يتكلم عنها.
لقد رفضنا مراراً أن نُسلّم المدنيون من المسلمين لقَتَلَة الأطفال ومغتصبي النساء, ولا زلنا نرفض أن نسلم أي أحد آخر لهؤلاء القتلة, الذين لا عهد لهم ولا ذمة, وإنه لمن المعيب حقاً أن يهتم العالم الذي يدعي الحضارة بمجموعة يجعلها من الدرجة الذهبية ويترك مجموعة أخرى تُسحق وتموت دون أن يسأل عنها أحد, سيكون عالما عنصريا أو طائفيا في نظر الناس على أقل تقدير.
إن الثوار اليوم يرفضون المزاودة عليهم في أمر أحد من المدنيين الذين يعيشون معهم ويدافعون عنهم, ونتمنى على الجميع أن يقرأ أولاً عن حمص وعائلات حمص وأهل حمص وأحيائها ثم يتصل بنا والسلام.
كاتب من حمص المحاصرة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية