أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثلاثة تحديات تواجه الحلم الإخواني في سوريا، وجنوح حذر إلى العسكرة يضع وسطيتهم على المحك

رأى الكاتب "رافاييل لوفيفر" أن تنظيم الإخوان المسلمين فى سوريا تحول مؤخرا إلى قوة متنامية فى البلاد، ولاسيما فى القتال المسلح ضد النظام. 
وأشار مؤلف كتاب "رماد حماه" إلى الشائعات عن إنشاء التنظيم مجموعة ميليشياوية تنتشر قبل أكثر من عام، حتى فى الوقت الذى كان قادته ينفون نفيا قاطعا وبصورة رسمية هذا الأمر. 
ونسب الباحث الزائر في مركز "كارينجي" للشرق الأوسط إلى نائب رئيس الجماعة تجديده التأكيد فى أغسطس الماضى بأنه "من المهم التشديد منذ البداية على أنه ليست للإخوان تشكيلات عسكرية مسلحة فى الثورة السورية". 
وقال في مقال تحليلي، شاركه فيه المحلل علي اليسير المقيم ببيروت والمتخصص بالشؤون الأمنية في سوريا ولبنان، إنه قبل هذه الشائعات، لم يكن يعرف الكثير عن درجة تأثير الإخوان المسلمين على الأرض ــسواء من خلال الروابط مع مجموعات الثوار الموجودة أو مع الجيش السورى الحر.
* عسكرة حذرة
وتحدث المقال المنشور في "بوبة الشروق" المصرية والمأخوذ عن "نشرة صدى" على الموقع الإلكترونى لمركز "كارنيجي"-تحدث- عن محاولة الإخوان المسلمين فى سوريا ممارسة تأثير فى النزاع عبر إنشاء جناح مسلح، فى مجهود قد يؤدي إلى تعزيز موقع الجماعة في المدى القصير لكنه يحمل مخاطر كبيرة في المدى الأبعد.
واستنادا إلى سلسلة من المقابلات أجراها الكاتبان مع أعضاء الإخوان السوريين على مدى أشهر عديدة مؤخرا، كشفت الشوط الذى قطعه الإخوان المسلمون في سوريا لإعادة بناء نفوذهم العسكري والتحديات الخطيرة التي يمكن أن تحملها هذه الخطوة للتنظيم على صعيدي صورته وتماسكه.
يشرح الكاتبان كيف بدأت حفنة من الفصائل المسلحة المقربة من الإخوان المسلمين تتشكل ردا على حملة التضييق التى شنها النظام السوري لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في مارس 2011. وقد تمركز الجزء الأكبر منها في إدلب في ذلك الوقت، حيث حافظ أعضاء التنظيم، على الرغم من الفترة الطويلة التي أمضوها في المنفى، على روابط وثيقة مع الأصدقاء والأنسباء وكذلك مع الشبكات القتالية. ومع تواصل حملة القمع الحكومية، نظم الثوار، الذين كانت أقلية منهم فقط منتمية رسميا إلى الإخوان، صفوفهم وبدأوا ينتشرون في مناطق أخرى فى البلاد.
ووفقا للكاتبين فإن قضية التأثير العسكري للإخوان المسلمين في سوريا تستحضر فصلا مضطربا من تاريخهم، وهو من الأسباب التي تدفع قادتهم إلى توخي الحذر الشديد عند الإدلاء بتصاريح علنية عن تأثير التنظيم الفعلي في النزاع العسكري. فتورط الإخوان في القتال المسلح ضد النظام قبل ثلاثين عاما هو الذي تسبب بانقسامات كبيرة داخل التنظيم وبضعفه وخروجه في النهاية إلى المنفى. وهكذا يكتفي قادة الإخوان، فى العلن، بالإقرار بـ"التقارب العقائدى" بين هيئة دروع الثورة والإخوان المسلمين، والثقة التي تمحضها الهيئة للجماعة. لكن كثرا يقرون، في مجالسهم الخاصة، بأن الروابط بين المجموعتين أعمق من الخطاب الودى.

ويضيف الكاتبان أن أحد العوامل الأساسية التى تعوق تحول هيئة دروع الثورة إلى تنظيم ميليشياوى تابع للإخوان المسلمين هو أن أقلية فقط من مقاتلى الدروع الذين تقدر أعدادهم بـ5000 إلى 7000 مقاتل، هى فعليا جزء من جماعة الإخوان المسلمين، ما يثير مخاوف لدى الإخوان مرتبطة بمسائل عدة أبرزها الولاء، وغياب التربية والانضباط، واحتمال النزوع نحو التطرف، من بين أمور أخرى. لقد حرِم التنظيم طويلا من قاعدة للتجنيد داخل سوريا، فالقانون رقم 49 الصادر فى يوليو 1980 ينص على إنزال عقوبة الإعدام بكل من يعرف عنه انتسابه إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية. 
وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من مقاتلي الدروع ربما يرغب الآن في الانضمام رسميا إلى الإخوان، تستغرق دراسة طلباتهم وقتا طويلا. ويكون في بعض الأحيان الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين عملية صعبة ومعقدة، إذ إنه ينبغي على المرشحين أن يخضعوا أولا إلى تربية سياسية ودينية وتنظيمية مكثفة. يؤكد قيادي آخر في جماعة الإخوان المسلمين السورية أن "عملية ضم الدروع إلينا قد بدأت، لكنها لم تصبح ناجزة بعد، وعلينا توخي الحذر الشديد". بالفعل، يبدي الإخوان حرصا كبيرا على تفادي الوقوع من جديد في الأخطاء التي ارتكبوها في أواخر السبعينيات، عندما تحولت مواجهتهم مع النظام السوري إلى حلقة من الثأر المتواصل ذي الطابع المذهبي. يقول القيادي: "تعلمنا الكثير من تجربتنا السابقة ــ لهذا نعتبر أن الولاء والتربية يرتديان أهمية بالغة لتجنب التطرف والامتناع عن الثأر عندما يرتكب النظام مجزرة".

حتى الآن، استطاعت هيئة الدروع أن تفلت إلى حد كبير من مجهر مراقبي النزاع في سوريا. ويستشهد الكاتبان بمقولة عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين عن ترددهم في إبراز الهيئة أكثر إلى العلن، بانتظار أن تصبح جاهزة على المستوى العسكري، بل أيضا على المستويين التربوى والسياسى. لكنها تعزز حضورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن بعض كتائب الدروع، على غرار "درع الجبل"، في محافظة إدلب، ضاعفت مؤخرا عملياتها العسكرية على جبهات القتال. وكذلك بات أعضاؤها أفضل تجهيزا إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة. كما عملت على تحسين قدراتها القتالية عبر التحالف بصورة منتظمة مع هيئة حماية المدنيين التي تشارك الدروع تعاطفها مع الإخوان المسلمين ورسالتها «الوسطية». فالهيئتان تدعوان أتباعهما إلى احترام القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ودعم مجموعات المعارضة الأساسية مثل الائتلاف الوطني والجيش السوري الحر. ربما تشير هذه التطورات إلى أن الوقت قد حان كي يؤدى الدروع دورا أكثر وضوحا تلبية للمطالبة بمجموعات إسلامية «وسطية».
* تحديات الحلم الإخواني
ويستعرض الكاتبان ثلاثة تحديات خطيرة تعترض حلم الإخوان المسلمين بممارسة تأثير عسكري داخل سوريا. أولا، على الرغم من تنامي دور الدروع فى شمال سوريا، تواجه الهيئة صعوبات فى ترسيخ حضورها على المستوى الجغرافي، الأمر الذى يعطل إلى حد كبير قدرة الدروع على قيادة عمليات عسكرية في مختلف أنحاء البلاد. ثانيا، وفيما يزداد الإخوان اندماجا بصورة رسمية مع الدروع، ثمة خطر بأن يصبح التنظيم مسؤولا عن أي مخالفة قد يرتكبها الدروع في وقت يستثمر فيه الإخوان المسلمون الكثير من الموارد لإعادة بناء صورتهم بعد 30 عاما من الغياب عن الساحة السياسية. ثالثا، والأهم على الأرجح، ترتدى هذه المسألة أهمية بالغة إلى درجة أن خلافات جدية بدأت تظهر داخل التنظيم حول السبل الأفضل لممارسة تأثير عسكري على الأرض ــ والتي يمكن أن تقود إلى انشقاقات كبرى فى جماعة الإخوان في المدى الأبعد.
وفي الختام يرى الكاتبان أن زيادة التأثير العسكرى للإخوان المسلمين في سياق الفوضى في سوريا قد تبدو خيارا منطقيا بالنسبة إلى قادة الجماعة الذين يريدون أن يتخطى التنظيم تداعيات منفاه الطويل، عبر استعادته بعضا من الدور الفعلي في الثورة السورية. لكن التحديات التى تطرحها مثل هذه الخطوة كبيرة. فصعود الجناح المسلح سوف يضع رسالة الإخوان "الوسطية" على محك الاختبار، ويحمل التنظيم مسؤولية أي أخطاء قد ترتكبها هيئة الدروع. نعت بشار الأسد، في تصريحه الأخير، جماعة الإخوان المسلمين السورية، بالتنظيم "الإرهابى" المتطرف. وهكذا، فإن البروباجندا التى تشنها الدولة في محاولة منها لوضع الإخوان في خانة الإرهاب والتطرف، وتاريخ التنظيم المثير للجدل في أواخر السبعينيات، واحتمال تورط الدروع في ممارسات مشبوهة، كل هذه العوامل تزيد من التعقيدات التي قد تترتب عن ضم جناحٍ عسكري إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية، ولاسيما أن التنظيم سيصبح في هذه الحالة الحزب السياسي الوحيد في سوريا الذي يتمتع بدرجة من التأثير العسكري على الأرض.

(97)    هل أعجبتك المقالة (113)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي