استيقظ السوريون على حقيقة مرة أنهم في بلد محتل، ودخلت ثورتهم الفريدة في نبلها في منعطف بالغ الوجع، بعد الفيلم الهندي لصفقة تسليم الكيماوي. فكرّت سبحة ذاكرتهم من يوم تسليم الجولان إلى البقاء في الحكم حتى هذه اللحظة القاسية.. إن هذا البلد يباع ويشترى بدمائهم في سوق السياسة الدولية.
استيقظوا على أن أياً من كوادرهم لم يستطع لأسباب داخلية أولاً وخارجية ثانياً من إنجاز أي مكسب سياسي كبير لا على صعيد تنسيق قوى الثورة في الداخل السوري ولا في المحافل الدولية.. وراقب بأسى وسخرية الأمية السياسية التي يعاني منها السوريون بشكل عام؛ حتى لف الجو العام الحالي في سوريا حالة من القنوط، وبل ووهم بأن سلطة الإجرام في سوريا باقية إلى ما لا نهاية.
فالداخل السوري، يرزح تحت أقسى الأعباء، ومن بقي حياً أو ليس معتقلاً، ولا نازحاً ولا محاصراً، دخل دوامة النزاع مع البقاء، مع ارتفاع الأسعار الخيالي للغذاء والوقود والشتاء السوري القاسي الموعود على الأبواب للسنة الثورية الثالثة على التوالي.
قصص الفساد وشراء الولاءات، والتبعية لهذه الدولة وتلك، والتخوين والتكفير تعج بها صفحات السوريين.
في هذه الأثناء يخطط "المجتمع الدولي" لجنيف2، ما يريدونه في الحقيقة أن يجروا السوريين تحت ضغط النزف الطويل إلى نفس الطاولة مع سلطة الإجرام ورأسها المعتوه بشار الأسد، الذي بوقاحة ودناءة لم أعرف لها مثيلاً يقول مؤخراً أنه سوف يترشح لرئاسة سورية وحكمها من جديد!
هذا المخطط لن ينجح بتاتاً ولن ينجز أي شيء، فالسؤال، هل طبق أي من بنود جنيف1 حتى ينجح رقمه التالي؟!
ومع ذلك يجب أن يعد السوريون العدة له بعناية فائقة، ويستعملوا ما تعلموه من مهارات على شحتها، رغم كل عظمة ثورتهم وما أفرزته من دروس وعبر وعجائب، لتقديم أداء سياسي كاف حتى لا يتركوا الساحة مهما كانت الظروف.
فحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، لا زالت سفارات النظام تعمل، ولا زال الجعفري في الأمم المتحدة ولا زال بشار الأسد في كرسي الحكم.. رغم كل الضعف الذي وصلت إليه السلطة، إلا أنها لا تزال واقفة بسبب أنها مدعومة دولياً، ولا يزال كل من يمثل الثورة محاصراً بكل السبل.
سبب عدم نجاح "المجتمع الدولي" في سلب السيادة الوطنية لثورة الكرامة السورية هي ببساطة أنه جرب كل ما يمكن منذ أن بدأت وإلى الآن لمصادرة قرارها الوطني ولم يتمكن من ذلك.
لو أن "المجتمع الدولي" نجح حتى هذه اللحظة في لي ذراع السوريين رغم كل فجائعهم وميراث الفساد لديهم، لكنا وجدنا بشار الأسد، هو وعصابته، خارج السلطة في سوريا.
جرب "المجتمع الدولي" خلق ما يسمى "داعش" بممارستها الهجينة عن النظام السوري، لتكفير السوريين بمستقبلهم وتلقف الرأي العام العالمي هذه الأكذوبة بسعادة كبيرة، لأنها وصفة مثالية للهروب من مسؤولية حماية المدنيين في سوريا. ومع كل أسف صارت صورة الثورة في الخارج مدموغة إلى حد كبير بهذه القشرة السميكة من الطلاء الكاذب لما يجري من أحداث.
ومع ذلك تستمر ثورة الكرامة السورية بوضوح شديد وبوصلة لا تخطئ.
لو أننا نحن السوريين حصلنا على كل شيء بسهولة، لو لم نتعرض إلى كل هذا العذاب والدمار، نتيجة أننا نعيش موت تام ونهائي لما يسمى "سوريا الأسد" وما يصاحب هذه من إفرازات سامة ومضاعفات شديدة الخطورة، لو أننا حصلنا على ثورة بقيادة متماسكة وأداء سياسي رفيع، وحضور مرموق في المجتمع الدولي، رغم شدة حاجتنا ومطلبنا لهذا.. لما كنت آمنت بهذا العمق بحتمية، وقدرية ما نحن فيه.
ما تعانيه هذه الثورة من فوضى شاملة في كل شيء، وما تعانيه من آلام الفرز والمخاض وإعادة تشكيل وتكوين كل شيء من جديد، هو أكبر ضمانة أنه لا جنيف2 ولا حتى مئة يمكنه أن يلتف عليها، ويضعها تحت إبطه، لا يمكنه أن يجمع كل هذا الركام، والتجمعات، والتيارات، وكل هذا القيء الذي خرج من أحشاء هذا البلد.
ما نحن فيه هو إعادة ولادة، هو خلق ذات سوريا جمعية، تكوين إنسان يمسح عن تاريخه عاراً كبيراً قبل أن يتعايش معه لعشرات السنين.
إنها عملية ترميم روحية طويلة، لن يتمكن أي جنيف من سحقها، لأنها تمشي عميقاً في تشكيل جيل لا يقبل أن تهدر كرامته، ولا سيادته الوطنية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية