هل يمكن أن يتصور إنسان سوري لاجئ أنه لن يعود إلى بيته وأن مأساته قد تكون أسوأ من مأساة الشعب الفلسطيني، وربما يموت في المخيمات والمهجر ولن يرى وطنه مرة أخرى؟، هل يمكن أن تفرَّغ سوريا من جزء كبير من سكانها ويحل محلهم سكان آخرون من العراق وإيران وغيرهما، هل يمكن أن يتحول شمال إسرائيل إلى مستعمرات شيعية صديقة، وهل يمكن أن يستمر الأسد في حكم سوريا؟
كل هذه الأسئلة وأخرى باتت مشروعة في ظل ما يجري في سوريا، وفي ظل التواطؤ الدولي والعربي مع نظام الأسد والصمت عن ما يرتكب من مجازر وتهجير وتطهير وتجويع لإجبار السوريين على الرحيل، وفي الوقت ذاته ينصب كل الاهتمام على مؤتمر جنيف الذي يرى فيه الإبراهيمي أنه سيكون بمشاركة الأسد ذاته والذي سينقل سوريا من مرحلة الأسد الأب إلى مرحلة الأسد الابن.
ورغم أن أمريكا تؤكد أن لا حلا عسكريا في سوريا فإن واقع الحال يشير إلى أن لا حل في سوريا سوى الحل العسكري، وأن ما يجري في سوريا معركة بين السوريين وبين تحالف السلطة مع إيران وأذنابها في العراق ولبنان مدعوما من روسيا وأمريكا وأطراف إقليمية على رأسها إسرائيل، وأن أي حل سياسي في سوريا سيكون تكريسا لانتصار أحد الطرفين.
وتتقاطع الكثير من المعلومات في أن الدول الكبرى تريد استمرار نظام الأسد في حكم سوريا كما تشير بعض الدلائل إلى أن الأسد يعمل وفق أجندة دولية بتفاهم روسي أمريكي إقليمي ليس لإجهاض الثورة فحسب، بل لخلق واقع ديموغرافي جديد في سوريا وبشكل خاص في الجنوب السوري أي دمشق وريفها ودرعا ممتدا إلى حمص فالساحل السوري، حيث سيتم إفراغ معظم هذه المناطق من سكانها السنّة، وأن جنيف لن يعقد كما هو مقرر له شكلاً، فالمعارك على الأرض لم تحسم بعد، ويجب إعطاء الأسد المزيد من الوقت لتحطيم ما تبقى من الثورة، وبكل الوسائل المتاحة له، وأن الأسد عازم على الوصول إلى جنيف كممثل سوريا الأقوى وربما الوحيد كما فعل والده قبل نحو عشرين عاما حين ضمن في ذاك الاجتماع مع الرئيس بل كلينتون موافقة أمريكا على توريثه سوريا.
ويحضّر الأسد نفسه لمؤتمر جنيف على كافة الأصعدة أمنيا وعسكريا وسياسيا عبر الاعتقال والقتل والتجويع والتهجير وتدمير المدن التي صمت ويصمت عنها المجتمع الدولي ويوسع دائرة التجويع، حيث بدأ التجويع والقتل في حي الوعر بحمص وقدسيا والهامة قرب دمشق اللتين بدأ الحصار الفعلي عليهما لتجويع سكان هاتين البلدتين قبل أن تصل جحافل جنود خامنئي من لبنان التي تنوي اجتياح مناطق القلمون.
تحالف النظام مع تنظيم "دولة العراق والشام" سيجعل السوريين بين فكي الكماشة فأحد أمراء هذا التنظيم قال صراحة قبل أيام إن على سكان دمشق وريفها إخلاؤها ليتسنى لهم دخولها (لعبادة الله) محددا لهم الأردن والشمال السوري وتركيا بحسب ما ورد على لسانه، بينما ينفذ النظام هذه السياسة بأبشع صورها في هذه المناطق.
ومؤتمر جنيف ليس سوى عنوان لإدارة الأزمة السورية بقيادة الأخضر الإبراهيمي ولن يحدد موعدا لعقده وسيتأجل مرارا وتكررا طالما صمد السوريون، بوجه التحالف الإيراني و"داعش".
وإسقاط الأسد حلفائه لن يكون إلا بالسلاح، وبات من واجب جميع قادة سوريا عسكريين ومدنيين التوحد تحت راية سوريا، وأن يقرعوا ناقوس الخطر لمواجهة المخطط الدولي في إفراغ سوريا من أهلها والإبقاء على النظام بشعب يستقدمه الأسد وحلفاؤه للاستيطان فيها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية