على وقع الأخبار التي تلتقطها من هنا وهناك تتنقل والدة المختطفة هبة بين النشطاء في المدينة بعد أن بات الوصول إلى الأخبار صعبا بل مستحيلا مع انقطاع الكهرباء والاتصالات. منذ سنة تلهث وراء خبر يفيد بأن الصفقة قد اكتملت وبأنها قد ترى ابنتها التي اختفى أثرها مع عائلتها منذ أربعة أشهر مجددا وتعود لها الحياة.
* اعتقلت بعد شهر من ولادتها
مختطفتان فقط من بين أكثر من ثلاثين معتقلة بعضهن اختطفن مع عائلاتهن جميعا على الحواجز من أهالي مدينة "دوما"، هُنٌ من وردت أسماؤهن ضمن جدول أسماء المفرج عنهن على خلفية الصفقة التي أبرمت مع إحدى كتائب الجيش الحر للإفراج عن معتقلات سوريات مقابل عدد من الأسرى اللبنانيين معتقلتين من سكان المدينة فقط كانتا ممن أفرج عنهما.
لم يطلق سراح هبة تلك الأم الشابة التي لم تكمل العشرين من عمرها وقد اختطفت مع عائلتها وهم طفلة عمرها سنة واحدة ووليد لم يكمل شهره الأول مع زوجها محمد أثناء مرورهم على أحد الحواجز العسكرية في مدينة الكسوة إحدى مدن ريف دمشق الجنوبية والتهمة الوحيدة التي أجمع عليها الكل أنهم من سكان "دوما" فذلك النسب يعد تهمة كبيرة في عرف النظام السوري!
كانت هبة تحمل وليدها على صدرها ولازالت تعاني وضعا صحيا سيئا جدا بعد الولادة التي لم يكن قد مضى عليها شهر واحد، عندما استوقفهم الحاجز العسكري عند مدخل مدينة الكسوة وهم ينوون الخروج من المدينة بعد عدة أشهر من النزوح عن "دوما"، فاختفت العائلة من يومها.
حاول ذوو المخطوفين البحث عنهم ضمن دائرة ضيقة جدا لأن البحث عن مخطوفين أو معتقلين في عرف نظام الأسد جريمة كبرى قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو الاعتقال مرات عديدة، وخلاصة القول لا معلومات عن هبة ولاعن أطفالها.
تتساءل الأم بحرقة هل لاتزال ابنتها على قيد الحياة وقد كانت صحتها متردية وجرحها لازال ينزف؟ هل الأطفال بخير وهم يحتاجون للرعاية والحليب؟ أين يحتجزونهم؟ هل سنراهم مجددا؟ وتنهيدة حارة تنطلق مع كلماتها من يعتقل أطفالا بهذا السن؟! هل سمع أحدكم بهذا من قبل؟ أسئلة عديدة لاتنتهي كانت الأم تهذي بها دون أن تجد إجابات شافية تهدئ من روعها.
كانت صفقة تبادل المعتقلات مع أسرى من حزب الله من قبل الجيش الحر الأمل الذي تفتح أخيرا كفرصة ممكنة لإطلاق سراح ابنتها وأطفالها مع انعدام كل أمل.
تصلها بعض الأخبار المفرحة، فهناك في البعيد معتقلات رأت الشمس بريق عيونهن وهن يخرجهن اليوم من إحدى الأفرع الأمنية في دمشق لعل ابنتها بينهن؟ تتساءل تنتظر خبرا قد يوقف نزيف الصبر لديها.. ولكن هيهات لم تكن هبة بينهن!
* أخت أول شهيد
آلاف المعتقلات والمختطفات السوريات يقبعن في أقبية الموت الأسدية لايُعرف عنهن أي شيء ولايعرف ما ينلنه من عذاب وتعذيب وهتك لآدميتهن.
كان للنساء في مدينة "دوما" نصيبهن في ملف الاعتقال فقد شهدت بداية الثورة اقتحام بيوت الناشطات واعتقالهن، كما بات أمرا عاديا أن تكون أسماء النساء موزعة على الحواجز الأمنية وأن تعتقل النساء بطريقة عشوائية في الشوارع.. لاتزال مدينة "دوما" تترقب منذ عام ونصف المدرسة المعتقلة "فاتن رجب" أخت أول شهيد في مدينة "دوما" وهو "أحمد رجب" وقد اختفت دون أثر وكل يوم تتوالى الأخبار ولربما الشائعات عن كونها قد قتلت في السجن وأن حالتها الصحية سيئة جدا جرّاء التعذيب، "فاتن" ذات الثلاثين ربيعا خريجة قسم الفيزياء جامعة دمشق لايزال أهل المدينة يترقبون عودتها فيما لا أم ولا أب ولا أخ ينتظرها باستثناء أخ وحيد بقي لها وقد أضناه ألم غيابها فسكت عن الحديث عنها.
أكثر من ثلاثين امرأة من مدينة "دوما" الآن غائبات عن بيوتهن تفترشن كُرهاً أرضيات المعتقلات الباردة منهن من اختطفت وحيدة ومنهن من اختطفت مع عائلتها ينتظرن بزوغ الفجر لتلامس عيونهن خيوط الشمس من جديد.
سعاد خبية - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية