قد يرتكب الإنسان المعصية أو الرذيلة أو الخطيئة ثم يعود إلى رشده ويلوم نفسه ويقرعها حتى تتمزق ألماً ودماً. وسواء كان هذا الرجوع بدافع من تأنيب ضميره الديني أو الانساني الصرف فقيمة الرجوع إلى الذات ولومها وتأنيبها بشكل متجدد وإرجاعها إلى طريق الصواب ولو إلى حين هي فضيلة رفيعة المقام من قيم الانسان أينما كان، ومهما كانت بيئته ومستوى ثقافته ومهما اختلفت عقيدته.
ولكن كيف نفسر سلوك من يبيعون أنفسهم إلى الشيطان ومن يقبضون ثمن ذلك قلة احترام للآخرين غروراً وتكبراً. وكيف بمن يقبض الثمن تحجراً في القلب واحتقاراً للآخرين بكل ما قد يحمله هؤلاء الآخرون من روح وجسد وعقيدة وعادات وسلوك. هذا النوع من البشر لم يكن ليعيش إلا في حمأة من الدونية الفكرية والثقافية فإن خرج منها لسبب أراده في سياق معاقرته للدناءة، أو أراده له أسياده في السوء، فسيرجع إلى حمأته بأسرع ما يتمكن من ذلك.
هذا هو حال القاتل الذي لم يرتكب القتل مكرهاً أو اقترفه في لحظة مجنونة عابرة من حياته ثم عاد وأناب، إنه القاتل الذي باع نفسه إلى شيطان اختاره بإرادته فدخل في روحه وغدا لها مستقراً وحضناً. لا أتحدث عن المجرم بشار سيء الصيت والسمعة لأن الحديث عنه أصبح من لغو الحديث مثله تماماً ولم يعد من المجدي فعلا الحديث عن دونية هذا الكائن.
بل أتحدث عن المجرم السوري الذي ظهر في سياق المواجهة بين الحق والباطل.
أقصد المجرم على الطرف المؤيد الذي رأى بأم العين ما فعل الإجرام الأسدي بسوريا تدميراً وتمزيقاً للنسيج الوطني والاجتماعي والديني وبقي على تأييده خوفاً وطمعاً.
أعني القاتل على ضفة التصفيق الأعمى وعبادة الحذاء العسكري، هذا الذي لم تحركه ولم تغير موقعه آلاف الصور لأطفال سوريا المقتولين بحراب تأييد عبودي وطائفية عفنة أشهرها قاتل مأفون على شعب كان يوما شعبه.
أتحدث عن الذي لم يبرح مكانه طيلة عامين رغم جثامين الشهداء المسجاة بلون الدم.. تغطي الآفاق في بلد لطالما أحب الحياة وتغنى بها.
أقصد وألعن القاتل السوري في الطرف الذي أعمى العناد قلبه وبصيرته فغدا أداة صغيرة لاستمرار الشيطان على كرسي السلطة والحكم، فرضي بدور أصغر التابعين حتى لو لم يلتفت هذا الشيطان اليه أو يلقي له بالاً.
أتحدث عمن ظل في مكانه مراوحاً ينظر لعقم روحه وجبن قلبه، فلم يرد أن يرى في الثورة إلا فوضى ورايات سوداء، ثم حول ما أراد أن يراه الى تمنيات وأحلام يقظة بأن تكون الثورة كذلك.
أقصد من لا يزال يحسب اللاموقف موقفاً، ومن مازال يغرق في التنظير عن طريق ثالث يحمل العصا من المنتصف، فإن غادر مقعده لمقعد آخر فإن شفتيه تصمتان حتى عن نعت المجرم الشيطان بصفاته الإجرامية، فيلوم الضحية بأكثر مما يلوم الجلاد، وينظر للخلاص من منطلق الحنين إلى الماضي الغارق في الظلم والقهر؛ لأنه كان في ذلك الماضي أداة بقياس أكبر.
أتحدث هنا عن الإمّعة الذي على الرغم من حصار شياطين الأسد لمدن أهله في المعضمية وداريا وقدسيا وذبول أطفالها إلى حد استدعاء الموت على عجل ليحصدهم جوعاً وقهراً.. ما زال ممتنعاً عن تسمية الأمور بأسمائها. فتراه تارة يتابع حديثه عن ضرورة استمرار كائن اسمه "السيد الرئيس" وتارة يرى أنه بحديثه عن التيار الثالث يستطيع أن يتصدر المشهد، وأن يضم حوله بأراجيفه وتخرصاته التائهين مثله. وهذا الجمع وعلى الرغم من توقه لدور يعيده لواجهة الأحداث ما زال يعبر في جلساته عن احتقاره للتيار الأول الثائر لأنه تجرأ وثار فغير حياته الوادعة الوعدة، كما يتملق التيار الثاني المؤيد ويتباهى بصداقاته فيه؛ لأنه اعتاد ذلك التملق وشربه كالماء، حتى غدا أقرب إلى روحه وتفكيره.
يظن هؤلاء بأن اللون الرمادي ما زال رائجاً وأن بامكانهم بقليل من الخزعبلات اللفظية أن يغطوا السماء بأصابعهم. أيها السادة إن لم تصفوا القاتل بما يليق به من صفات فلن تكونوا أبداً على ذات الصفحة مع أبناء وأهالي من قدم الغالي والنفيس في سبيل التخلص من القاتل وأعوانه.
ولا ننسى أن ثمة من خسر نفسه وخسر مكانه مع أنه يقف على الضفة الأخرى ، أقصد هنا السوري التائه الذي رأى في بداية الثورة أن الزمان قد غدا زمانه فصال وجال ووزع شهادات الوطنية على من أراد ومنعها عمن أراد، مستوحياً سيرة القاتل الشيطان وأبيه من قبله. أتحدث عن الذي أصر على احتكار المشهد مع افتقاره لأدوات المواجهة. أتحدث عن هذا الذي ظن أن زمن الثورة والدم.. زمن الأرواح التي ترتقي الى بارئها بالعشرات والمئات في كل يوم هو زمن اللعب بأدوات فن لطالما سمع عنه لكنه لم يعرفه يوماً، فن اسمه في الأصل سياسة، لكن اسمه في سوريا لمن لا يعرفه أرواح ودماء.
أقصد أيضاً من غدت الثورة مصدر رزقهم الحرام فأصبحوا تجار دم وسلاح وقضية. وعدد هؤلاء محدود، وثوار الأرض الطاهرة يعرفونهم وسيعرفونهم ويضعون حداً لهم لأن الثورة ضد الظلم والطغيان لاينبغي لها إلا النقاء والطهر والجمال كالثوب الأبيض لا تشوبه شائبة، فإن شابته غسل نفسه بنفسه وعاد نقياً أبيض طاهراً ساطعاً كالشمس في رابعة النهار. لكل هؤلاء...ألا من إنابة ورجوع إلى الحق.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية