أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نظرية .. الصرماية !!! ... أسد عبد الكريم القصار


الحذاء , البسطار , الجزمة .. أو كما تعودنا ان نلقبها في بلادنا بال (الصرماية)
يحكى أن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، أراد هذا الملك يوماً القيام برحلة برية طويلة وخلال عودته وجد أن أقدامه قد تورمت من الأحجار والطرق الوعرة فقرر أن يفرش طرقات المدينة كلها بالجلد , فأشار عليه وزيره المخلص بان يلبس في قدميه قطعتين من الجلد تقيهما من الأذى بدلا من تكبد الخسائر في تعبيد طرقات المدينة بالجلد, وهكذا .. كانت الصرماية الأولى
....عرف الإنسان الصرماية منذ فترة تزيد عن 40 الف عام، توضح للعلماء أن خلال أستخدام الإنسان للصرامي في تلك الفترة،
كانت أصابع قدم الإنسان ضعيفة مما يدل على إعتماده على أشياء خارجية تمكنه من إحكام التشبث بالأرض
قال العالم الأمريكي من جامعة واشنطن أيرك ترينكوس أنه كان معروفاً أن إختراع أول صرماية في العالم يعود إلى حوالي 9 الآف عام،
ولكن التغير الذي طرأ على شكل عظام قدم الإنسان منذ حوالي 30 ألف عام يدل على أن الصرماية كانت معروفة منذ ذلك الحين.
... في الحقيقة دأب السوريون على منهج آخر مع الصرماية
ففي سوريا تحولت الصرماية من غطاء واقي للأقدام الى نظرية اجتماعية سياسية تربوية بامتياز ..
لكي تفطمني والدتي من الرضاع ,لكي اتعلم دخول الحمام , لكي اتم وجبة الطعام , لكي انجز وظيفتي المدرسية
لكي اكف عن الشجار مع زملائي وابناء الجيران , لكي اكف عن مضايقة اخوتي, لكي اصلي , لكي أتعلم الأخلاق الحميدة
, لكي أتوقف عن استخدام العبارات السوقية, لكي لا أفكر كثيرا ... كانت نظرية الصرماية حاضرة بتفرد
وبكل تطبيقاتها النفسية التي تركت ما تركت من آثار في تكوين شخصيتي وتطبيقاتها العملية التي تركت اثارها ايضا
على ............
كبرت وعبرت سنوات عمري من جامعة وسوق عمل ...خضت فيها في الوسط السياسي والاقتصادي والثقافي
ومازالت نظرية الصرماية حاضرة بقوة ترافق واقعنا في كل شبر وزاوية ومساحة في هذه البلاد
قامت الثورة ... سموها ثورة الحرية والكرامة وهي كذلك .. وانخرطت جموع شعبنا في صفوفها سواء في طورها السلمي
او المسلح .. كثيرون هم من انخطروا فيها .. كردة فعل على وحشية النظام وهمجيته في التعاطي مع الاحتجاجات ,
او نصرة لمظلومية ضحايا النظام من اطفال ونساء , او رغبة في التحرر وبناء بلد ديوموقراطي حضاري ينعم فيه الانسان بانسانيته
اما انا فقد حلمت منذ سنوات وترقبت وانخرطت في الثورة السورية منذ شرارتها الاولى في دمشق.. لاسباب ولوجهة نظر مختلفة بعض الشيئ
وجدت فيها انقلابا .. وثوران على نظرية الصرماية التي أرهقتني منذ نعومة اظفاري .. فهي ثورة على العنف والدكتاتورية والتسلط والإجبار
وتكميم الأفواه والآراء والعقول على الامنطق على السلطة الغاشمة
وعلى افرع الامن والمخابرات وعلى الفاسدين وعلى اللصوص وقطاعين الطرق على المطبلين والمزمرين على المثقفين المزورين
على مؤسسة دينية فاسدة لا تجيد الا تدجين الناس وتحويلهم الى دراويش على تعليم فاشل
على صحافة قذرة لاعقة لمؤخرة السلطة على لقمة عيش مغمسة بالمذلة والامتهان
على كل هؤلاء اللذين اتخذوا الصرماية نبراس لهم في تعاملهم مع السوريين
لم يدهشني كثيرا .. ان ارى الكثير من بني وطني يصر على بقاء الصرماية لمصالح مادية او اجتماعية او طائفية والوقوف في وجه ثورة شعبية قامت ضدها
أرفض هذه الذرائع ولكني أتفهمها , ولكن مالم استطع ان اتفهمه هو تطور النظرية عند البعض الى درجة
عبادة الصرماية وتاليه الصرماية والبكاء على اطلال رقع الصرامي
وعصرها الذهبي في سوريا , يبدو ان هؤلاء يستكثرون
الانسانية الكاملة عى انفسهم ولا يستطيعون العيش بحكم العادة طبعا من دون صرماية
... لم يقف المشهد في اعتقادي عند هذا التوصيف البسيط للصراع... ثورة شعبية ذات مطالب محقة عادلة يقف ورائها الكثيرون ,
مقابل سلطة فاشية ظالمة يقف ورائها الكثيرون ايضا ...
تعقدت الامور كثيرا وبات من الصعب الوصول لقراءة واقعية منطقية صحيحة لواقع الثورة في سوريا,
لا لتدخل أطراف غير سورية في الصراع ولا لدخول المال السياسي هنا وهناك ولا للفرقة المنتشرة بين صفوف المعارضين
سياسين كانوا ام مقاتلين ولا لازدهار ظاهرة تجار الازمات
ولا التطرف عند البعض ولا لطول الازمة وكثرة المآسي الانسانية من خسائر وتشريد ونزوح.. أبدا ..
لاننا وببساطة ان قرأنا التاريخ نجد هذه الاحداثيات حاضرة وبقوة في سيرورة كل الثورات دون ان تعكر صفو ثوريتها
ودون ان تخلق فريقا ثالثا في البلاد يرفض السلطة وفي نفس الوقت يرفض الثورة المتمثلة بالثوار طبعا ... مالعلة اذا ؟
المسألة حسب تحليلي الشخصي , ان الثورة التي قامت ضد نظرية الصرماية وقدمت امواج الشهداء والعذابات في سبيل محو هذه النظرية التعسفية من الوجود بكل ما تحويه من ادبيات وممارسات
لم تنجح الا في تجميد هذه النظرية مؤقتا .. والتي سرعان ما ذاب عنها الجليد الهش .. لتتسرب الى خطط عمل الثوار وتعاطيهم مع الآخرين ...
فهنا يجب ان تكون إسلاميا وإلا فلك العذاب و الكفر والضلالة ,
وهناك يجب ان تكون ليبراليا علمانيا والا فانت حكما رجعي ظلامي متخلف ..
وفي مكان آخر يجب ان تقبل بالانحناء والسكوت والخنوع لشخص او لدولة او لحزب , وفي مؤتمر وتجمع للثوار تسكت صاغرا عن تصريحات لا وطنية لا ثورية وعلى الارض تمنع ويكمم فاك عن الحديث والنقد لاي خطأقامت به كتيبة فلانية او تنظيم علاني لمجرد رفعه راية قتال النظام او زعمه ذلك

رغم عنجهية النظام.. ومن اول تكشيرة أمريكية .. نزعوا ترسانته الكيماوية بالصرماية .. ورغم رفض المعارضة ومراوغة النظام يبدو انه إن طال الزمان أو قصر
سوف يجرنا المجتمع الدولي إلى جنيف جرا . بالصرماية أيضا ... يبدو أننا جميعا سوف نفنى .. وسنخسر وطنا
من أجمل الأوطان .. ولن تبقى إلا الصرماية. لتثبت ان زوالها كنظرية وكمادة فاعلة امر مستحيل في بلاد عربستان

(109)    هل أعجبتك المقالة (118)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي