"رأينا الشظايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تتركه ينتظر الجولة الثانية من القصف" .. بهذه الكلمات اختصرت الناشطة هبة رؤية سكان مدينة دوما للحياة والموت في زمن العبث الوجودي الذي يحياه الناس في تلك المدينة بعد جولة القصف المسائي اليومي الذي بات جزءا أساسيا من تفاصيل حياتهم ومن حصاد الأرواح الذي يمارس على سكان المناطق المحررة في الغوطة الشرقية.
* ليلة بلون الكارثة
في هذه الليلة وفي ساعات السكينة المفترضة بدأت قذائف "الفوزديكا" تخترق البيوت التعبة والأبنية المترقبة فتلوي الطمئنينة المتهالكة بسيفها الحاد.
تصف هبة ليلة القصف بأنها عادية ككل ليالي دوما الملتهبة منذ أكثر من سنتين، مضيفة أن القصف المسائي بدأ جولته وما ميز ليلتنا أن قذائف "الفوزديكا" هذه المرة كانت قريبة جدا وأول قذيفة سقطت تناثرت شظاياها فيي حديقة منزلنا والقذيفة الثانية أحسسنا بها بشكل أكبر وبدأنا نتفقد أفراد العائلة الحمد لله لا شهداء في بيتنا بل إصابات طفيفة فقط، لكن المصيبة في بيت جيراننا...
لم يتوقف النظام ليلة واحدة عن دك المدينة بالقذائف والصواريخ والبراميل والقنابل الفراغية من كل نوع حتى بات القصف حدثا يوميا اعتياديا.
وتكشف هبة أن حصيلة اليوم كانت شهيدتين من عائلة واحدة هدى مجيد وابتنها ندى سويدان التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها كانت تتفتح كزهرة ربيعية تحلم بغد ومستقبل ملون بغير لون الدم قبل أن يدوسها نظام الأسد لتنضم إلى كوكبة طيور الجنة، ويستمر نزيف المستقبل رافقتها أمها وقد سبقهم منذ عشرين يوما فقط أخوها أيضا.
باقي أفراد العائلة مصابون وبعضهم في حالة صدمة لم يستيقظ منها بعد، أما المنزل فقد تداعى بكل مافيه ليتحول إلى كومة ركام دفنت تحتها حلما جديدا وفرحة أخرى ..كانت الصورة مرعبة كما في كل يوم يعيشه الأهالي تحت جحيم القصف ليلا ونهارا..
تصف الناشطة هبة التي كانت جزءا من ذلك المشهد بقساواته ورعبه بقولها "كان العويل يخترق سكون الليل المتلبس بأصوات القذائف وتكسّر الصرخات والتوسلات والبكاء الهستيري، غبار وعتمة تمنعان الرؤية يمتزجان مع الموت القادم. وكان دبيب الخطوات الهلعة التي تتوجه من كل صوب في منطقتنا نحو البيت المقصوف تهوي مسرعة لعلها تسبق لحظة فتنقذ روحا، كان الأحياء الناجون يحاولون سحب الأموات دون جدوى، ومن بقي منهم واعيا يصرخ طالبا النجدة متوسلا إلى الله أن ينهي بشار ونظامه، أيادٍ اجتمعت من الجيران والأهل تكاتفت لسحب أهل البيت المقصوف من تحت الركام والجدران المتداعية".
*رحلة ما قبل الموت
وتضيف هبة "لاهواتف ولا اتصالات لطلب النجدة وهو ما يتسبب عادة بوفاة الكثير من الجرحى إلى حين وصول سيارة إسعاف، ولكن الناس في هذه المناطق اعتادوا على المبادرة فبمجرد حدوث قصف على منطقة ما يهب الجميع، ويبادر من يملك سيارة وفيها بعض الوقود مسارعا إلى عين المكان لإسعاف الجرحى يختلّ توازن المدينة المتأهب دوماً للاختلال بفعل ما اعتادته من قتل يومي".
وتتابع الناشطة سردها حول رحلة ما قبل الموت مشيرة إلى أن الجرحى ينقلون إلى النقاط الطبية الإسعافية التي تفرزهم بحسب نوع الإصابات، هنا في هذه النقاط لا نوم ولا راحة أبدا للعاملين فيها، فالاستنفار مستمر ووصول الجرحى قائم على مدار الساعة فآلة القتل اليومي لاتهدأ ابدا.
ويتحدث مسؤول النقطة الطبية الدكتور سيف عن جرحى قصف اليوم مجددا وصف الحدث بأنه يومي مكرر، موضحا أن الشظايا تقوم بفعلين كبيرين يمثلان الخسارة الحقيقية - الموت أوالتسبب ببتر الأعضاء وحدوث الإعاقات.
ويضيف أن القصف ازداد مؤخرا بالقذائف المتشظية وهو ما يتسبب بهذا العدد الكبير من الإصابات الخطرة، مؤكدا أن النظام يتقصد القتل أو التسبب بإحداث إعاقات ويشير إلى وجود أكثر من أربعة آلاف حالة بتر وإعاقة في مدينة دوما وحدها جراء القصف لادواء ولا إمكانات متوفرة وهو ما يزيد بشكل كبير عدد الضحايا والشهداء.
* 350 ألفا محاصرون
حالة من الهرج والمرج الدائم والمستمر ونزاع متقد مابين الموت والحياة في هذا المكان وخصوصا مع رؤية تلك الإمكانات الطبية الضعيفة التي يعمل بها الكادر الطبي، في ظل حصار يخنق دوما منذ عام.
فيما قارب عدد شهدائها 3 آلاف شهيد، تعيش دوما وضعا إنسانيا مزريا جدا على جميع الصعد، فلا كهرباء منذ ذلك التاريخ ولا ماء نظيف، إلا ما يتم استخراجه من الآبار دون أي معالجة ولاأغذية ولا دواء ولا خدمات متوفرة ولا مرافق عامة، وقد تم تدمير المشفى الوطني بعد قصف للنظام لم يستثنِ المشافي الخاصة أيضا، وما يعمل منها اليوم فهو يعمل بعشر طاقاته ضمن أقبية غير صحية، ومع ذلك يوجد اليوم في المدينة أكثر من 350 ألف شخص في داخلها يصارعون الحياة والموت يوميا، فيما يعيش مليون ونصف المليون شخص في عموم الغوطة الشرقية وفي ظروف مماثلة من الحصار والقصف والموت اليوميين.
سعاد خبية - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية