أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تأملات في جنيف 2 ... مازن كم الماز

ليست جنيف 2 إلا محطة جديدة في النزاع بين القوى السلطوية المتنافسة على سوريا .. صحيح أن القوى السلطوية المتنافسة دفعت الكثير , الكثير من الأموال و من جهود ماكيناتها الإعلامية و "الإيديولوجية" و الاستخباراتية الخ , لكن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن الأغلى لهذا الصراع , و صحيح أيضا أن الشعب السوري بدأ صراعه مع طاغيته بهدف استعادة مصيره , بينما تتنافس هذه القوى السلطوية على السيطرة عليه , الشعب السوري هو الغنيمة التي يتصارع عليها كل هؤلاء .. لا يمكن الجزم أيضا عن دور "أصدقاء" الشعب السوري السلطويين في تحجيم قمع ديكتاتورية الأسد , لا يمكن اليوم الحكم فيم إذا كان من الممكن للشعب السوري أن يتغلب بقواه الذاتية على هذا النظام أم أنه كان سينحر بصمت في الظلام كما جرى مع الكثير من الشعوب في التاريخين القديم و الحديث , أم أن تدخل خصوم الأسد قد رفع فاتورة الحرية التي على السوريين دفعها أو أنه حولها من فاتورة للحرية إلى فاتورة لاستعباد جديد ..

و باعتبار مواقف هذه القوى السلطوية المتنافسة , الأرجح ألا يؤدي جنيف 2 إلى تخفيف فاتورة الدم و الآلام التي يدفعها السوريون العاديون , لأن القوى التي تملك القرار في سوريا , المحلية و الإقليمية و الدولية , ما تزال غير مكترثة أو غير راغبة بإيقاف نزيف دمائهم , أولها نظامي دمشق و طهران , كما أن أهمية مشاغلة النظام الإيراني في سوريا قد زادت كثيرا بالنسبة للسعودية مع بوادر "انفراج" ما بين طهران و إدارة أوباما , و زادت أهمية الساحة السورية أيضا في التنافس القطري السعودي بعد انقلاب السيسي على مرسي في مصر , و طالما كانت هذه عوامل حاسمة في تقرير سلوك و قرارات أمثال هؤلاء السادة .. قد تكون إدارة أوباما هي أكثر الراغبين باحتواء النزاع في سوريا لأنها تشعر بأنها تخسر من استمراره , لكن رغبتها هذه لم تعد العامل الحاسم اليوم في تقرير مصير سوريا , فقد تراجع نفوذها مع تراجع قوة ردعها و لا تبدو إدارة أوباما راغبة أو مستعجلة في استعادة دورها كشرطي المنطقة .. الأكيد أن كل هذه القوى لا تقيم أي وزن لدم السوريين العاديين , و الأكيد أن كل هذه القوى حتى تلك التي ترغب بزوال نظام الأسد لا ترغب أبدا بأن يصبح السوريين العاديين أحرارا , سادة مصيرهم .. إذا صدقنا أن الشعب السوري ثار لينتزع مصيره , فإن جنيف 2 كما كل ألاعيب السياسة الإقليمية و الدولية لا تعني له الكثير , إنه محكوم بمواصلة "ثورته" ضد القوى التي تريد استعباده , لا يوجد أمامه طريق آخر للحرية , و سيحصل السوريون العاديون على ذلك القدر من الحرية الذي سيقاتلون في سبيله , ليس فقط ضد نظام الأسد , بل ضد أية قوة تريد استعبادهم ... يعرف السوريون اليوم أكثر من غيرهم أن ثمن الحرية باهظ جدا في هذا العالم الذي تسيطر عليه أنظمة قمعية و قوى سلطوية مهووسة باستعباد البشر , و أن مشوار الحرية طويل , ربما أطول مما اعتقد السوريون صبيحة 15 آذار 2011

(133)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي