"بينما نبحث عن فرحة طفل وعن لقمة العيش المغمسة بالدم استقبلنا عيد الأضحى بحصار البشر وقصف الحجر"، هكذا قال أحد سكان الهامة بريف دمشق.
فيما يضيف آخر "لا أحد يأبه لما حل بالشعب، ورجال السياسة من المعارضة والنظام والأطراف المتنازعة عسكرياً يبحثون عن تثبيت الأوراق الرابحة لزيادة مكاسبهم في سوق جنيف التفاوضي" متبعاً كلامه بالمثل الشعبي "فوق الموتة عصّة قبر".
تقع مدينتا "الهامة" و"قدسيا" شمال غرب دمشق، وتضمان أكثر من 400 ألف نسمة من السكان الأصليين، فضلاً عن النازحين من مدن داريا والمعضمية والقابون ومخيم اليرموك وما إلى ذلك من المدن والقرى المنكوبة.
بدأ الحصار في 14/الجاري على الهامة، ثم تبعتها قدسيا بعد أسبوع من ذلك، وشمل الحصار منع جميع أنواع المواد الغذائية والوقود مع إغلاق الفرنين الآليين الوحيدين في المنطقة، وإغلاق الطريق أمام كل من يحمل قيود "الهامة" و"قدسيا" على هويته، وتكاد أكياس القمامة تغلق الشوارع على كثرتها نتيجة منع دخول سيارات جمع القمامة لإزالتها.
*من الحصار إلى الحصار
عن الوضع الإنساني والصحي يقول المسؤول الطبي في المنطقة "إن أكثر 100 ألف نازح يقطنون بالمنطقتين غالبيتهم من النساء والأطفال بنسبة تفوق 55%.
ويضيف قائلاً "في الهامة لوحدها يتواجد حوالي 4500 عائلة نازحة وأكثر من 30 عائلة من معضمية الشام نزحوا من الحصار إلى الحصار ويقيم بعض منهم في ظروف إنسانية صعبة داخل بيوت على الهيكل لاكتظاظ البيوت بالسكان وعدم توافر بيوت فارغة".
ويتابع المسؤول الطبي أن في الهامة اليوم مشفى واحدة أنشأها بعض المبادرات الأهلية وهو غير مجهز كما يجب ويحتاج إلى الأوكسجين والدواء لإنقاذ ثلاثة أطفال يعيشون في الحضانات، وتخوف المسؤول من نفاذ مخزون الأوكسجين، مقدراً عدد الأطفال دون سن العامين بـ8100 طفل بحاجة لأكثر من 23 ألف علبة حليب شهرياً.
تحيط "الهامة" و"قدسيا" عدة حواجز جميعها مغلقة أمام السكان الأصليين، باستثناء حاجز ضاحية قدسيا، فهذا إغلاقه جزئي ولا يُفتح إلا فما ندر، وحتى المهجرون إلى البلدتين يُسمح بدخولهم وخروجهم بشرط عدم حمل مواد غذائية والدخول مشياً على الأقدام، تنسيقية الهامة وهي هيئة مدنية معارضة تقول إن ميليشيات موالية أو ما يُصطلح على تسميتها "شبيحة" تقوم بضرب كل من يحمل المواد الغذائية والخبز وتسرق كل ما لديه، فيما سجل أحدث قصف من قبل القوات النظامية أول أيام عيد الأضحى.
*اكذب اكذب !
تنتشر أخبار الحصار على "الهامة" و"قدسيا" في كل مكان في العاصمة، ولا تنكره حتى صفحات المولاة كصفحة " مساكن الحرس الجمهوري" التي بررت الحصار في بدايته واستمرت في ذلك قبل أن تُعلن شروطاً لإنهائه منها أن يسلم الجيش الحر سلاحه مع رفع العلم في ساحات البلدتين، لكن وعلى الرغم من أن أغلب السوريين لا يقرؤون صحف النظام ولا يتابعون إعلامه إلا أن خبراً نُشر في صحيفة البعث استحق كل المتابعة، حيث قالت البعث: أن احتياطي مخابز قدسيا والهامة من الطحين كافٍ، ونفت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ما بثته "القنوات الشريكة في جريمة سفك الدم السوري" عن انقطاع لمادة الطحين. وأكد معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك محمود المبيض في تصريح لـ"سانا" أن هذه الأخبار عارية عن الصحة بشكل كامل, وأنه يتم تزويد الأفران في المنطقتين بكل مستلزمات إنتاج مادة الخبز بشكل دوري، وأشار إلى أن الوزارة تقوم بالتعاون مع الجهات المعنية بإيصال الطحين وجميع مستلزمات إنتاج الخبز إلى جميع المناطق، وأنه لا يمكن أن ينقطع الطحين عن أي منطقة.
* حصون الشبيحة
المنطقة التي تعاني من النزاع العسكري، تكمن أهميتها من موقعها القريب من القصر الجمهوري والقطع والمقرات العسكرية التابعة للنظام السوري، وهي على سبيل المثال لا الحصر (الحرس الجمهوري اللواء 105 واللواء 104, مساكن الحرس الجمهوري, جنود الأسد، القوات الخاصة، مؤسسة معامل الدفاع, وتطول القائمة ..) هذا يضاف إلى حي "الورود" و"جبل الورد" و"مساكن العرين" وهي عشوائيات يسكنها بعض الضباط وأشخاص يُعرفون بولائهم للنظام.
نقمة البلدتين الكبرى هي التنوع الطائفي الذي جعلهما محطاً لنزاع مستعر، خصوصاً أن الحكومة السورية تقوم بدعم المناطق الموالية وتحاصر المناطق المعارضة التي يسيطر عليها الجيش الحر منذ أكثر من سنة.
يبقى أمام بقية الجائعين في محيط دمشق، والمتخمين والجائعين في قلبها وبقية أنحاء سوريا إمكانية المشاركة في التوقيع على عريضة في منظمة "آفاز" لمناشدة كافة المنظمات الإنسانية للتدخل لفك الحصار مع ارتفاع الخشية من حصول مجزرة متوقعة من قبل النظام.
مشاركة لـ"زمان الوصل" من ربيع درويش
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية