دوافع "الإبادة" لدى الأسد

تدخل معظم الجرائم والمجازر الجماعية التي ارتكبها الأسد منذ بداية الثورة السورية في باب جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية بالمعنى القانوني والجنائي، فهي ضمن هذا الإطار من جهة اتساعها وتكرارها، ومن جهة ترتيب الإطار القانوني في تنفيذ الأوامر من القائد الأعلى للجيش ممثلا في الأسد الى أصغر عنصر في الجيش النظامي أو مليشيات الشبيحة، ولا تدخل كل هذه الجرائم في باب ما يسمى الإبادة الجماعية او Genocide التي غالبا ما تطلق قانونيا على تلك الجرائم التي تستهدف عرقا أو أثنية معينة بهدف القضاء عليها ومحوها من الوجود، وكان هذا التعبير وما زال محل جدال قانوني كبير وخلاف بين رجال القضاء والقانون، فالبعض يعتبر ما جرى في دارفور جريمة إبادة جماعية، لكن آخرين يرون أنها كانت جريمة ضد الإنسانية وليست جريمة إبادة، ونستطيع أن نستغرق في كل الجدل القانوني حول كل جرائم الإبادة التي سجلها التاريخ.
ما أريد التوقف عنده هنا هو تحليل الدوافع القانونية والتي تثبت أن الأسد يمتلك الشخصية التي تدفعه إلى ارتكاب جرائم الإبادة مستدلا ذلك على حادثتين، الأولى استخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا في الغوطة الشرقية، فإذا قرأنا تقرير سيلستروم أو فريق الامم المتحدة للتحري في استخدام الأسلحة الكيماوية فإنه يكرر أكثر من مرة عبارة designed to cause maximum suffering to the Syria people أي إن الضربات باستخدام الكيماوي صممت كي تسبب المعاناة القصوى للشعب السوري، فقد أطلقت الصواريخ المحملة بالسلاح الكيماوي في الساعة الثانية والنصف تقريبا صباحا في منتصف الليل بحيث يكون هناك هدوء كامل في الجو تسبب في انحراف المواد المتفجرة، كما أن كل الأهالي والمدنيين كانوا نياما بشكل كامل في تلك المنطقة؛ بحيث تؤدي إلى وفاة عائلات بأكملها وتقليل فرص نجاتها، كما وجرى استخدام الصواريخ في منطقة مكتظة بالسكان المدنيين وبعدد كبير؛ ما أدى إلى مضاعفة أعداد الضحايا من النساء والأطفال بشكل لافت، أي إن الضربات كانت مصممة بهدف قتل وإبادة كل السكان المدنيين في المنطقة، وهي تثبت بكل تأكيد النية المبيتة لدى الأسد لتنفيذ جريمة الإبادة للسكان المدنيين
أما الحادثة الثانية فهي السياسة الجديدة التي بدأ يتبعها الأسد في حصار المدن "الجوع أو الركوع"، وخاصة في المعضمية وداريا وحمص المدينة والغوطة الشرقية، والتي أدت إلى وفاة عدد من الأطفال بسبب الجوع، عبر منع كل المساعدات الإغاثية أو الإنسانية من الدخول إلى تلك المناطق بما فيها الطحين وكل أنواع الغذاء الأساسية، وهذه تعد بكل تأكيد سياسة منهجية في تجويع المدنيين وإجبارهم على الخضوع والاستسلام أو الوفاة بسبب نقص الغذاء والدواء.
كل ذلك يظهر حس الإبادة لدى الأسد والنية المتعمدة في ارتكاب هذه الجرائم حتى لو أدت الى إبادة سكان المنطقة بأكملها.
إذن يمكن إثبات نية الأسد في ارتكاب جرائم الإبادة هذه بحق الشعب السوري، وهي جرائم يتوقع أن يوسع نطاق تنفيذها خلال في الشهور القادمة إذا لم يوضع لهذا الطاغية حد ينهي المأساة السورية.
مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية