رئيس دمّر نصف بلده
سامي كليب .. وأوهام إعادة إنتاج الأسد على حساب قطر

المهمة الأمنية لكليب تجاوزت تلك المعرفة الصحفية بما يدور حول سوريا
لم يكن الكاتب منطقيا ومقنعا في أي مكان من مقاله، اعتمد على تجيير الحدث لصالح الفكرة
يعكس الكاتب من حيث لا يدري شعور النظام بالعزلة "المميتة"
رغم بشاعة وجه النظام السوري وصورته المقززة عالميا لهول الدم الذي سفحه في البلاد، إلا أنك تجد من يحاول تلميع هذه الصورة وإعادة إنتاجها بأية طريقة.. ربما يكون هذا مقبولا في العمل السياسي، أما أن يكون ممارسة إعلامية فهذا ما يندى له جبين المهنة الصحفية، ذلك أن مهمتها الأساسية كشف الوقائع وعدم الغش والخداع – على الأقل من أجل الإنسان-.
لقد انبرى بالأمس الكاتب والإعلامي اللبناني سامي كليب، لمهمة التلميع الآنفة الذكر بمقال حمل عنوان "قطر تفتح خطوطا مع دمشق"، مستغلا نجاح الوساطة القطرية في الإفراج عن اللبنانيين التسعة مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسيرات السوريات في سجون النظام.
استمات فيه بكل المعلومات الملفقة دون ذكر صريح لطبيعة المعلومات ومصدرها – الأمر المقدس في النقل الصحفي- من أجل إظهار محور (سوريا –روسيا–إيران –حزب الله) أنه الرابح في الأزمة السورية.. وسنأتي على كل ماذكر الكاتب بالتفصيل تحليلا ومناقشة ضمن السياق السياسي العام، دون ذم أو تقريع:
رئيس دمّر نصف بلده
إن أبلغ ما يقال عما كتبه كليب في مقاله، هو الاغتصاب للمعنى والحدث، وتجييره بشكل تعسفي غير منطقي من أجل خدمة فكرة نجاح محوره المذكور.
لا أعرف كيف يمكن للمرء إطلاق وصف النجاح أو الانتصار على رئيس دمّر نصف بلده وتسبب في مقتل أكثر من 200 ألف شخص وشرد ما يقارب 3 ملايين.
يقول الكاتب في مستهل مقاله "إن قطر غيرت سياستها حيال سوريا وقررت التوقف عن دعم المسلحين ووقف ضخ المال في السوق السوداء .. وقريبا ستغير أسلوب تعاملها الإعلامي خصوصا عبر قناة الجزيرة".
يظهر الكاتب في هذه الجزئية على أنه مغيب عن السياق العام للأزمة السورية، وعن البيئة الدولية والإقليمية..
كيف يسوق ذلك ولم يمض شهر واحد على خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الأمم المتحدة الذي قال فيه بالنص: "إن ممارسات النظام السوري بحق شعبه تجاوزت جميع الخطوط الحمراء التي تفرضها الأخلاق، ويوجبها القانون ولا سيما بعد استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد شعبه.
ومن المؤسف أن يظل مرتكبو هذه الجرائم والمجازر الوحشية التي اهتز لها الضمير الإنساني دون ردع أو مساءلة، مما يفقد آليات حقوق الإنسان والعدالة الدولية مصداقيتها أمام المجتمع الدولي."
هل قرأ في هذا الخطاب لغة فتح الأبواب مع نظامه الذي يموت سريريا يوما بعد يوم.
ليس ذلك فحسب، ففي الأربعاء الماضي، نفى وزير الخارجية القطري خالد العطية جملة وتفصيلا مزاعم الاتصال بالنظام السوري وقال في صحيفة الحياة: "هي معادلة بسيطة جداً لا تحتاج إلى أن يتهمنا أحد بأن لدينا قنوات اتصال مع النظام السوري. فاللواء عباس إبراهيم فاوض عن الجانب اللبناني مع النظام السوري ولديه اتصال معه، ونحن تفاوضنا مع اللواء إبراهيم وأوصلنا إليه مطالب الثوار وهو بدوره أوصلها إلى النظام السوري. فكيف نتهم بالتواصل مع النظام السوري في مسألة فيها أسرى من كل الأطراف ومفاوضون عن كل الأطراف".
مرة أخرى نتوجه للكاتب، أين أنت من كل ذلك، هلا قرأت ذلك، أم أن المهمة الأمنية تجاوزت تلك المعرفة الصحفية بما يدور حول سوريا. لكن إذا كان الكاتب يرى في تلك اللغة، بابا مفتوحا للتواصل مع نظام الأسد، إذا لا تعنينا تصريحات حسن نصرالله ضد إسرائيل، وهم في حالة "الخط المفتوح" وفق فلسفة كليب في قراءة الحدث.
مهنية لكن "أمنية"
لقد كتب كليب المقال بمهنية أمنية واضحة، تفضح الانسجام العقلي مع ذهنية النظام السوري، إن لم يكن التواصل المباشر أو الإملاء. فلا يختلف السياق الإعلامي الذي يروج له النظام عن مفردات الكاتب في الترويج لفكرة رغبة المحيط العربي في فتح قنوات اتصال مع نظامه المخنوق.
فمن المضحك إلى حد السخرية "المشروعة"، أن يقول الكاتب إن النظام السوري يضع شروطا قاسية على قطر للاتصال المباشر.. إن أحدا عاقلا لا يمكنه أن يقاوم مغريات الضحك والتهكم على هذا الحديث.. فكيف للمعزول أن يشترط على الحر.. كيف على نظام فقد كل ما يملكه من علاقات دولية خلال الأربعة عقود الماضية أن يشترط على دولة قائمة على الشرعية والدولية.. كيف للمارقين أن يفرضوا شروطهم.. لم نسمع يوما ما في العلاقات الدولية، أن نظاما معزولا يفرض شروط الخروج من العزلة .. يا سامي ياكليب: لا يمكن دخول الجمل في ثقب الإبرة.
إن نظاما يضحي بشعبه، ولا يتورع عن تدمير بلده بالصواريخ وأعتى أنواع السلاح لن يحظى باحترام أحد..
ولن يتقدم إليه أحد إلا إذا كان يريد يسوقه إلى حبل المشنقة.. عندها تكون مهمة الشنق مهمة أخلاقية لمثل هذا النظام.. فمن أجل ماذا يتقدمون لرجل فقد الشرعية ..نظام بات محط الإملاءات الدولية.. فعن أي شروط قاسية تتحدث.
الجزئيات في هضم العموميات
لا يسلم مقال الكاتب من الخبث، فقد اعتمد على أسلوب الجزئيات في هضم العموميات، مستخدما الإبهار في الفكرة باستخدام محاور متباعدة غير مترابطة، من أجل فكرة انتصار محور (سوريا – إيران- روسيا –حزب الله). فيقول إن من بين المؤشرات على فتح قطر خط الاتصال مع النظام، إرسال مراسلين من قناة الجزيرة إلى دمشق كبداية تغيير نهجها.. وهنا يستخدم واقعا وجزئية حقيقية من أجل تدعيم فكرته العامة.. نعم لقد أرسلت الجزيرة مراسلين إلى سوريا .. ولكن منذ متى وأين هم .. لقد كان ذلك منذ أكثر من عام والجزيرة تخترق أعتى الأنظمة الأمنية بمراسليها.. أما المراسلين فهم جنبا إلى جنب مع الجيش السوري الحر .. وبكل تأكيد فإن هذه المعطيات في ذهن الكاتب، لكنه يعود مرة أخرى إلى مزح الصادق بالكاذب ليبني عليها فكرته المزعومة.
لم يكن الكاتب منطقيا ومقنعا في أي مكان من مقاله، اعتمد على تجيير الحدث لصالح الفكرة، دون أية معطيات ملموسة سوى الاستنادات الأمنية المزعومة وغير المنسجمة مع واقع الحال السوري.. إذ يبدو أنه كاتب "لحظة".. خط كلماته بقراءة خبر صفقة التبادل، بعيدا عن المحيط السوري وعن السياق الحدثي، وما يعانيه النظام من حصار محكم.. لكن مهمة إعادة إنتاج النظام – على الأقل إعلاميا- أعمت الكاتب عن اتباع المنطق في تبريراته لنجاح محور الممانعة.
قطر والأسد... حزب الله واسرائيل..!
حقيقة إن ما كتبه كليب "قطر تفتح خطوطا مع دمشق، الحاصل على الماجستير في الإعلام وفلسفة الخطاب السياسي، يثير شهية الناقد وحتى الساخر على التحليل والتفنيد، إذ يتناسى الكاتب أنه حتى الأعداء في الحروب يبقون على خيوط التواصل من أجل مثل هذه الصفقات.. وهذا من طبيعة الحروب وضروراتها.. هذا في حال كانوا أعداء.. فكيف له أن يجعل من وسيط منكبّ على فتح خط مع نظام متهالك.. بلا "قيمة سياسية"، فقط قائم على القتل والتخويف.
وإذا كان الكاتب يرى أن في صفقة تبادل الأسرى، عودة للتواصل مع قطر وهي التي تلعب دور الوسيط عن بعد، فإن هذا يعني وفق رؤية كليب، أن الصفقة التي أجراها حزب الله في العام 2008 بوساطة ألمانية نوعا من فتح الخطوط مع إسرائيل، رغم أن حالة حزب الله أكثر قابلية لأن تكون فتح أبواب الاتصال كونهما طرفين أساسيين في الأزمة.
وكذلك الأمر بالنسبة لحماس، فالمفاوضات التي أجراها عبدالله البرغوثي أحد قادة عز الدين القسام مع الإسرائيليين من داخل سجنه حول صفقة شاليط هو تطبيع وليس فقط أبواب اتصال.
العزلة "المميتة"
وأخيرا.. إذا افترضنا أن الكاتب يسوّق لما في ذهن النظام ويستوحي أسلوبه في التفكير – وهو الأرجح في أغلب الظن- فإن هذا يعكس حقا شعور النظام بالعزلة "المميتة".. واستغلاله أبسط الأحداث لإظهار أنه مازال قادرا على التنفس.
لم يعلم.. لا بل يعلم كليب أن العالم بات يتعامل الآن مع نظام منتهي الصلاحية الشرعية، لا يقوى إلا على قتل
ما تبقى من شعبه.. من صفات الدولة هي الندية وهو ما يفقده النظام الآن، فما هو إلا متلقٍ للإملاءات الدولية .. فهل هناك أكثر من "إملائية" وخنوع أن يبيع النظام أكبر ترسانة كيماوية في الشرق الأوسط بـ1500 شخص قتلهم في الغوطة".. عن أي نظام ودولة يتحدث الكاتب.. إنه نظام بلا هيبة ولا شرعية ولا احترام.
إن من يساوم شعبه بمعتقلين آخرين.. ليس نظاما.. ولن يحظى بالاحترام.. بل لن يلقى إلا الاحتقار.. سامي كليب .. أيها المتلوّن مذهبيا وفكريا .. لا تحتاج إلى قناع جديد بل تحتاج إلى وجه جديد بالكامل.. فقد سقط القناع عن القناع.
عبدالله رجا - مسؤول الملف الخارجي في "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية